الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عثمان حاضر في دستور العراق

لميس كاظم

2005 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


في القرن الماضي ، وفي عام 1948 تحديدا، تقدمت المراة العراقية جموع المتظاهرين لتتحدى رصاص المحتلين، والمحريين وشرطة الحكومة العميلة، في مظاهرة نظمت أحتجاجا على معاهدة بورتسموث المشؤمة. سارت المراة العراقية، فوق جسر السراي سابقا، وفي الصفوف الأولى من المتظاهرين محتجة، غاضبة، شجاعة لتتهتف يسقط الأستعمار... يسقط معاهدة بورتسموث ..يسقط عملاء الاستعمار ...يسقط ازلام المحتلين ...تسقط حكومة الأحتلال ...لكنها سقطت قبل الجميع... سقطت بهيجة مضرجة بدمائها على جسر السراي دفاعا عن شرف العراق... وتساقطت الأجساد العراقية الوطنية تباعا. أغتسل دم المراة العراقية ودماء الأبرار أرض الجسر وسالت دمائهم الساخنة، البرئية، الطاهرة، من بين قضبان أسوار الجسر لتسقط فوق وجه نهر دجلة. بكى نهر دجلة وهو يغتسل بتلك الدماء وفاض ماءه حزنا لكنه عاهدهم أن يكحل ضفافه بدمائهم ويزفهم بين حارات بغداد ومناطقها ومن ثم ينقلهم معه الى باقي المدن العراقية الباقية أحتفاءا بيوم عرسهم الوطني. تلك المأثرة وغيرها من البطولات التي أجترحها العراقيون أجبرت الحكومات اللاحقة تغيير أسم جسر السراي الى جسر الشهداء وجسر الجنرال مود الى جسر الاحرار.

وقد دارت عجلة التأريخ أكثر من خمسة عقود من الزمن ليشهد جسر الأئمة واقعة غريبة وفريدة من نوعها. فوجه الغرابة يكمن في أن من بين العراقيين، الخائنين، المأجورين السائرين على جسر الأئمة، يحرضون ابناء ملتهم على الموت وقتلهم المتعمد ويسترخصون دمائهم للغرباء المحللين دم العراقي بكل طوائفه وأديانه.
أما وجه الفرادة في الفاجعة هو أن الجسر لم يغتسل بدمائهن الزكية، ولم تسقط دمائهن على ارضه، كما في المرات السابقة وإنما سقطت أسوار الجسر نفسه احتجاجا على الفاجعة. فأنتحر الجسر قبل النسوة وسقطت أسواره في النهر قبل سقوط أجساد النسوة. لقد صرخ الجسر محتجا لكنه بصمت حديدي معتقدا انه سيخلص النسوة من الموت الجماعي. فلم تجد النسوة سوى نهر دجلة ملاذا أمنا يخفن أجسادهن الطاهرة من فتك التفجيرات التي قد تقطعهن الى اشلاء مبعثرة.

سارت النساء من فوق جسر الأئمة، مقدامات محتفيات ، مبتهجات، متحديات كل التهديدات التي اطلقت سابقا. وهن يمسكن بأطفالهن ليقضن زيارة مباركة على روح أحد الأئمة المظلومين. وإذا بواحد أو مجموعة عراقية حاقدة ، منتقمة ، كارهة لكل من يحاول ان يحتفل أو يبتهج في العراق. توسط الجموع وهتف بسقوط الجسد العراقي والموت لكل عراقي معادي للكفرة. لم يهتفوا علنا كرجال، شجعان، مقاومين لزيارة النساء الى العتبات المقدسة، بل أختفوا تحت عبائات النساء وحثوا الأطفال بدلا عنهم لأن يهتفوا وهم خائفين، متسترين بين النسوة.

أية مقاومة تستبيح قتل النساء والاطفال والعزل. فكل قوانين الحروب الأسلامية والدولية تؤمن السلام للنسوة والاطفال والشيوخ. وهذا تأكيد قوي أنكم لاتعملون بقانون سماوي او ديني او سياسي وإنما بقانون تكفيري ظلامي يحلل قتل أخوة المسلم وكل عراقي.

أهذه هي المقاومة الشريفة؟؟؟ لقد قتلتم شرفكم أن كنتم تملكون شرف أو ضمير. فأمهاتنا ونسائنا هم شرف و ضمير هذه الائمة وأطفالها هم مستقبلها. فأي ذنب أرتكبوه لتنتقموا من أرواحمهم البرئية؟ فهذه هي مقاومتكم!!! وضد من!!


لقد سقطت النسوة وأياديهن ماسكة بيد اطفالهن خوفا من أن تفجهر بقنابل الأرهابين. فضلن أن يضمن أطفالهن تحت عبائاتهن خوفا من الهلع لكنهن لم يعرفن ان جسر الائمة سيهرب معهن خوفا من الموت ويسقطهن من بين اسواره هذا اليوم.

تسارع أهل بغداد الى ضفة النهر وهم يحملون ما تسير لهم من عدة بسيطة ينقذون نسائهم وأمهاتهم واخواتهم المتساقطات، الهاربات من الموت الى الغرق في نهر دجلة، ذلك النهر الذي أعتاد أن يحمم المرأة البغدادية بمائه الدافئة لكن لم يعتد أن يستقبلها غريقة. أعدتن الفيتات البغداديات ، في السابق، أن يسبحن في نهر دجلة بكامل ثيابهن، إذ يعملن من دشاديشهن، قبة، فارغة من الهواء، فوق سطح ماء النهر ويسبحن فوقها الى مسافات بعيدة ثم يعودن الى ضفاف النهر. كان نهر دجلة يلاعبهن ويدغدغ أجسادهن بمائه العذبة ويحميهن من الموج المتسبب من الماطورات والقوارب القادمة من بعيد.

تعالت اصوات الأستغاثة والنجدة فسمع أهل الأعظمية نداء الاستغاثة وهبوا لانقاذ اهلهم من الغرق الطائفي. ترك الشاب الجميل، عثمان، عمله في المخبز، كغيرة من الشباب وركض الى جهة النهر. رمى عثمان جسده، الساخن من حرارة التنور، القوي، المفتول، في النهر بعد ان شاهد منظر لم يألفة من قبل. فقد شاهد نساء سابحات في عمق النهر وهن لايعرفن ابسط قواعد السباحة والنهر يلتهمهن كالتنور الملتهم للحطب. قفز الشاب المصارع، الشهم، البغدادي،عثمان علي العبيدي، في عمق النهر ليلبي نداء النسوة الصارخات، المستغيثات، لأنقاذهن وأنقاذ اطفالهن. تصرف بأخلاقه البغدادية النيبلة التي لاتمّيز بين أهله بطائفتهم أو أنتمائهم وأنما بأخلاقهم. تسارعت يد المصارع عثمان لتضرب ماء دجلة بقوة وتمنعه من التهام أهله فمسك بالغريقات الواحدة بعد الاخرى وما أن يوصل احداهن الى الضفة حتى يرجع مسرعا نحو هذا المخبز المائي المتقد. لم يسترح عثمان لحظة واحدة وهو يسارع ويسبح ضد التيار لينقذ ما امكن أنقاذه من الأمهات والنسوة الطائفات فوق وتحت الماء. وبعد ان أنقذ المراة السادسة قفز من جديد في النهر ليتقابل مع امرة كبيرة في السن، لم تتحمم من قبل في نهر دجلة. مسكت به من عنقه وهي تحلّفه بشبابه ان ينقذها. حاول عثمان ان يفلت منها ليتسنى إنقاذها لكنها لم تفهم حركته وتعليماته فتمسكت به وأنزلته الى قاع النهر معها معتذرة منه بأنها لاتجيد قوانين السبح ولا حتى المسيرة على الجسر.
تعارفت وتعانقت وتصالحت الاجساد العراقية في قاع نهر دجلة وهم لايعرفوا سبب موتهم لكنهم كانوا متيقنين أنهم كانوا ضحية لأيادي ارادت ان تعبث بهم وبأخوتهم وسلامهم الأجتماعي.

هكذا يثبت الشهيد عثمان علي العبيدي مرة ثانية أن البغداديين هم بيت واحد وعائلة واحدة في الشدائد والمحن وما يطلقه الخائبون من نعرات وثقافات طائفية أنما هي بالونات فارغة، تطير في الهواء بلا أساس وجذور، يتففن في صنعها رجال الطوائف والأرهاب والأغراب.
جائت كارثة الجسر الأئمة لتؤكد ان العراقيين ينبذون الطائفية والتفرقة البغيضة وبالرغم من انها فاجعة كبرى ودرس قاسي في خسارته لكنه سيبقى حاضرا، يدّرس في كل مدن ومدارس العراق، وسيتعلم منه الجميع بأن العراقيين هم شعب واحد.

فهذه الكارثة الشعبية أثبتت أن بغداد كانت وستبقى أم المدن العراقية التي أرضعت أبنائها حليبا طاهرا خالي من العرقية والطائفية والقومية ومهما حاول بائعي الجمل الطنانة والشعارات المفبركة من جهد فلن يغيروا من سلوك المواطن العراقي . فنحن العراقيون ابناء دجلة والفرات، النهران العظيمان، المتفارقان من أعالي جبال العراق لكنهما يعودان يتزاوجان، يتحابان، يجتمعان في شط العرب في أرض الجنوب الطيبة.
فأهل بغداد يفتخرون بأنهم مقتوا الطائفية البغيضة والقومية الضيقة وقد عاشوا وسيعيشون متأخين، متسامحين، متوحدين فيما بينهم. فأن كانت القاهرة تسمى أم الدنيا فبغداد هي أم المحبة والسلام الاجتماعي.

سيتوارى جثمانك الثرى أيها البغدادي الجميل، عثمان علي. لكنك لم تمت وستبقى حاضرا في ضمير الأمة وشاخصا في جسور وشوارع ومدن العراق.
الصبر والسلوان لأهل الفقيد الحاضر، الغائب، عثمان الذي سيغتسل بجسده كل مشاكل النعرات الطائفية وسيجمع شمل العراقين من كل الطوائف والأديان والقوميات.
عزائي لكل أهل وذوي الشهداء والشهيدات وأتمنى لهم الصبر والسلوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح