الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طنين الإرهاب في فرنسا

محمد كمال

2015 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تطاير على سطح الأحداث في فرنسا، في الشهر الأول من العام الجديد، فقاعتان، «تشارلي إيبدو» المجلة صاحبة الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل بين قلم الرسم ورصاص القتل، و«أنا تشارلي» الشعار التضامني مع أصحاب الاقلام الساخرة ويمتد التضامن ليحتضن المجلة وسياستها، وهذه الفقاعة الثانية أصلها الفرنساويJe suis Charlie. إثنا عشر قتيلاً إضافة الى الجرحى في يوم واحد وتبع هذه المجزرة قتل شرطية وشرطي ورهائن أربع في ثلاثة أيام متوالية، قتلوا بدم بارد كالثلج وبقناعة راسخة كالصخر، وهذه القناعة الراسخة تبرر المجزرة وتعطل محاذير العقل وتكمم صرخات الضمير. منفذو الجريمة عدد من الشباب من حاملي الجنسية الفرنسية ومن أصول جزائرية ذوي عقيدة إسلامية سلفية المرجعية. هؤلاء الشباب هم أرواح لا تتعدى الخمسة بين ما يربو على الستة ملايين روح مكتضين في مدن وأحياء فرنسا، وفي بيوت بالكاد تسمى بيوتاً لتواضع تواضعها، وهم يمثلون القوة العاملة التي تمتد بين الاقتصاد الانتاجي والاقتصاد الخدماتي، ومن قعر القاعدة في هيكلة المؤسسات والشركات، وبعبارة أخرى هم اليد العاملة الرخيصة التي اجتذبتها الرأسمالية الفرنسية للعمل في مؤسساتها من أجل تحقيق هامش أعلى في حسابات فائض القيمة. ورغم هذه الصورة القاتمة لهذا الجمع الجزائري - الفرنسي على أرض الغول «الاسم القديم لفرنسا»، إلّا أن الحياة المعيشية المتواضعة لهم في هذا المهجر المُوَطَّنِ أفضل بمقاييس مجدية من عيشهم في وطنهم الأم الجزائر أو دول شمال أفريقيا الاخرى. واستدراكاً للحقائق وإحقاقاً للحق والتزاماً بالموضوعية والواقعية لا بد من الانصاف في عرض الصورة في كليتها، فليس كل الجزائريين، واخوانهم وأخواتهم من دول شمال افريقيا، الذين تفرنسوا رسمياً ووظيفياً في المهجر الفرنسي يعيشون حياة البروليتاريا، بل ان نسبة قليلة منهم يتبوأون مناصب رسمية حكومية ومناصب إدارية في المؤسسات الاقتصادية، وبعضاً منهم نجح أن يكون من رجال الاعمال، والفرص متوفرة ومؤاتية، وإن بدرجات ضئيلة، لارتقاء البروليتاري الى مواقع طبقية اعلى، هذه حقيقة ليس من الموضوعية ولا من الأخلاق التغافل عنها أو إخفاؤها. وما هذا الذي تطاير في باريس، عاصمة الثورة البرجوازية، سوى شظية صغيرة طائشة من لهيب جهنم، في شرقنا العربي، الذي يحرق الأخضر واليابس، ويطحن عشرات الألوف من الأرواح البريئة، دون تمييز بين طفل وشيخ، بين رجل وامرأة، ويشرد الملايين خارج ديارهم وأبعد من اوطانهم، وأما المدن والقرى فإنها تُدَكُّ دَكّاً دَكّا، بينما زعماء العالم المتهافتون تقاطراً الى باريس في لفتتة تضامنية مع ضحايا تلكم الشظية لم يرف لهم جفن لكل المجازر والكوارث التي تُحْدِثُها مصالحهم الاستعمارية في شرقنا العربي وبتدبير وتخطيط من مخابراتهم البشعة، والأدهى من هذا وذاك أن تذرف عيون دمعتها على نَفَرٍ من الضحايا في باريس، بينما تلك المدامع تبخل بدمعتها على عشرات الألوف من ضحايا أبنائها، ناهيك عن الحسان والصبايا في أسواق النخاسة التي شيدتها عصابات مخابرات النظام الدولي «الغربي»، وهذا من نكد الذات على الذات. ويصدق قول المتنبي في هذا النكد: وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا على الحُرِّ أنْ يَرَى عَدُوَّاً لَهُ مَا مِنْ صَداقَتِهِ بُدُّ. بهذا السرد والطرح واستنباط الخبايا من ثنايا أنانية المصالح لا نرمي الى تبرير الجريمة في باريس، فنحن أحرارٌ في فكرنا ونعي وعياً وجدانياً مفهوم الفكر في فضاء الحرية المسؤولة، وهذا الفكر الحر يرى لزاماً على نفسه أنْ يدافع عن حرية الفكر والتعبير ومن واجبه التضامن مع أصحاب الكلمة الحرة المسؤولة، تلك الحرية المسؤولة التي تنأى بنفسها أن تزج بقلمها وفكرها في أتون حرب إعلامية عبثية تَمَسُّ شَرَرَها وشِرارِها مشاعر مئات الملايين من الناس، فليس إذاً التضامن مع ما خَطَّهُ القلمُ كلمةً أو رسماً عبثياً، بل التضامن مع الضحايا ضد النهج الاجرامي في التعاطي مع أصحاب القلم والرسم، وكان الاولى أن يكون الصاع بالصاع، والقلم بالقلم، لا أنْ تتمادى ردة الفعل من القلم الجارح الى الرصاص القاتل. ومع هذه الشظية وما أحدثته من طنين في سماء باريس، استنفرت القيادة الفرنسية أعشاش دبابير جندها وشرطتها وأرسلت حاملة طائراتها تشارل ديغول الى بحر العرب وكأنها على شفى حرب كونية جديدة، وانبرى الزعيم الاشتراكي رئيس الجمهورية ليبدي أسفه لأنه لم يبادر الى ضربة عسكرية مبكرة في سوريا، وكأنَّ الضربات العسكرية من كابول الى بغداد، ومن بغداد الى طرابلس وبني غازي قد أتت أُكُلَها من الأمن والاستقرار وإطفاء نار الاٍرهاب، والكل عالمٌ عليم بأن الاٍرهاب قد تنامى وانتشر مباشرة بفعل تلك التدخلات العسكرية، وتَوَضَّحَتْ علاقة طردية بين التدخل العسكري الغربي وانتشار الاٍرهاب أفقياً وعمودياً، وكَأَنَّ الهدف من التدخلات العسكرية الغربية هو نشر الاٍرهاب ورعايته، مثلما الحال مع الدويلة الصهيونية ذات النزعة الإرهابية والتي تحظى بالدعم والرعاية الغربية الى ما وراء الأخلاق والقانون الدولي وحتى القانون الطبيعي. جريمة الرصاص ضد القلم فاحت بين روائح الدم والبارود منها رائحتان مميزتان تثيران غرابة ممزوجة بابتسامة ساخرة، أولى تلك الروائح تمكن المتهمة في الجريمة والمعروفة باسم حياة بومدين من اختراق شباك المخابرات في فرنسا بعد الحادث مباشرة وانتقالها الى تركيا، زميلة فرنسا في الناتو، ومن تركيا الى سوريا حيث ذابت في جعجعة جند الارهاب، ذاك الارهاب الذي افتخر وتفاخر بالجريمة في باريس. كيف استطاعت انسانة متهمة في جريمة سياسية، مازالت دماء ضحاياها ساخنة، من اختراق شباك مخابرات في دولتين عريقتين في إمبراطورية الناتو وكأن شيئاً لم يحصل، والرائحة الثانية، حسب الرواية الرسمية، هي انتحار ضابط المخابرات الذي كان يجري التحقيق مع بعض الموقوفين على صدى الجريمة، ومر هذا الانتحار، الذي قد يكون مزعوماً، مرور الكرام، دون تحقيق ولا تَاَكُّد من أسباب موت الضابط قتيلاً، إِنْ كان انتحاراً أو بفعلِ فاعلٍ. هناك أصواتٌ هامسةٌ في دهاليز باريس تدعي أن الذي حصل، من بداية القصاص بالرصاص الى خاتمة الانتحار، فِعْلٌ مِنْ أفعالِ المخابرات، لا شك أنه ليس من اليسير التيقن من مصداقية هذه الهمسات. وللحقيقة كذلك، فان المخابرات الفرنسية كانت على علم وهي ترصد حركة الجناة وهم يشجعون ويجندون ويرسلون مواطنين فرنساويين من أصول عربية الى الانخراط مع داعش وأخواتها في سوريا. إذاً مَنْ الجاني ومَنْ الضحية في هذه الجريمة؟ جريمة سياسية بامتياز، جريمة تفوح منها قاذورات المخابرات التي تخدم إمبراطورية الناتو، جريمة مرتبطة بعنوان الاٍرهاب، لا يمكن لهذه المخابرات أن تكون غافلة عن تسلل حياة بومدين من أحياء باريس الى المطار ومن ثم الى إحدى مطارات تركيا ومنها مروراً عبر الطرقات واختراق الحدود الدولية الى سوريا حيث التحقت بفصيل مقاتل يسعى للإطاحة بالنظام السوري. إرهابية مطلوبة تحت رصد المخابرات تتحرك بحرية مخترقة رصد المخابرات وتعبر الأجواء والطرقات وتخترق حدوداً دولية بشكل غير شرعي الى بر الأمان عند أخوة السلاح في سوريا. هذا الارهاب العائمُ في التعريف والهوية، إرهابٌ هلاميٌّ يدمر أنظمة ودولاً ويشرد شعوباً عن أوطانها في الجغرافيا العربية فقط، ولكنها تناى بنفسها أن تَمَسَّ إسرائيل بشظية من شظاياها، أو بكلمة لعنة من قواميس شتمها ولعانها، رغم التلاصق وقرب الجيرة الأولى معها. هل هذا الاٍرهاب هدفٌ ووسيلةٌ في الآنِ ذاته؟ هل هذا التلازم بين الهدف والوسيلة في بنية واحدة هو المخطط الاستراتيجي لتبرير التواجد العسكري لامبراطورية الناتو على هذه البقعة الحيوية في الساحة العربية التي تلامس جميع قارات العالم وتتربع على ستين بالمائة من الطاقة في العالم؟ هذا الواقع الفريد من نوعه في التاريخ البشري يستدعي طرح كَمٍّ مترابط من الأسئلة والاستفسارات، والتحقق من حقائق الأمور بعيداً عن منزلقات العاطفة والأحكام المسبقة، حتى يمكن هضم وفهم الأحداث وخلفياتها وأهدافها، وكيف يمكن التعاطي بشكل فاعل وفعال معها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد