الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنعكسات المجتمعية المباشرة لسياسات المؤسسات المالية الدولية

أشواق عباس

2005 / 9 / 11
الادارة و الاقتصاد


تتداخل المنعكسات الاجتماعية السلبية و مثيلاتها الاقتصادية و المالية و السياسية المترتبة على تعامل الدول النامية مع المنظمات المالية الدولية ، لتشكل في النهاية واقعا مجتمعيا يُحرم فيه سواد الشعب من جميع المميزات الاجتماعية ، التي كان من شأنها مساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية . فهذه العلاقة تفرض انتهاج الحكومة سياسية اجتماعية و اقتصادية و مالية من طابع خاص . فعلى الصعيد الاجتماعي يتم أولا و قبل كل شيء تخفيض الإنفاق الحكومي ، و لاسيما في المجالات التي كان يستفيد منها الفقراء بالدرجة الأولى . كدعم السلع الاستهلاكية الضرورية ، ومجانية التعليم والطبابة ، ودعم الاستهلاك الجماعي الضروري . أي أن كل ذلك سيقابله من الآن وصاعداً سياسة وتدابير تنفيذية تصب في النهاية في مكافأة الأغنى ،و كل صاحب مال . و توفير أفضل الظروف له ولاستثماراته كي لا يغادر بأمواله للخارج . حتى و إن كان ذلك على حساب أولئك الذين لا يملكون سوى قوة عملهم للبيع ، في ظل ظروف أصبحت فيها قوة السلعة البشرية (المتنامية ديموغرافيا واقتصاديا عبر الفيض النسبي) من أرخص السلع المعروضة ،و غير المأسوف هجرتها للخارج مهما كانت تملك من خبرة و كفاءة . و بهذا يطلب من حكومات الدول النامية تنفيذ مقولة مالتوس الشهيرة على شعوبها (لا مكان للفقراء على مائدة البشرية ) .
أي يطلب منها بشكل مباشر أو غير مباشر أن تتخذ الإجراءات لسيادة قانون الغاب ، ليس في الحياة الاقتصادية فقط ، بل والاجتماعية أيضا . ولتنتشر بذلك مظاهر العنف و الرذيلة و الرشوة و الفساد و الجريمة . و لتتولى بعد ذلك معدلات الفقر و البطالة المتزايدة تأمين بيئة مواتية لاستمرار ونمو و استفحال هذه المشاكل الاجتماعية و تنوعها و انتشارها الوبائي في كل أرجاء هذا المجتمع . و هذا يعني أن سياسة المؤسسات المالية في تعاملها مع البلدان النامية ، تولد خرابا اجتماعيا كبيرا ، يترافق ذلك بتخلي الدول النامية عن واجباتها في تنفيذ سياسات مالية هي أحوج ما تكون إليها في هذه الفترة ، من تطورها لدعم نموها الاقتصادي و مجابهة المعوقات الاجتماعية لهذا النمو . أما على الصعيد الاقتصادي و المالي فإن ابرز الآثار السلبية المباشرة للسياسات المالية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية على هذه الدول النامية ، تتمثل في فقدان هذه الدول القدرة على التحكم في تنقلات رؤوس الأموال دوليا والسيطرة عليها جراء تحرير الأسواق .
مما يعني إجبار الدولة على الدخول في منافسة مع الدول الأخرى غير مضمونة النتائج ، في تخفيض معدلات الضريبية الواقعة على المستثمرين الكبار ، و رفع معدلات الضريبة الواقعة على صغار المنتجين و عامة الشعب . و بالتالي محاباة الفئات التي تتمتع أساسا بالامتيازات (المالكة للثروات) ، على حساب الفئات غير المالكة . إذ أن من مصلحة الفئات المالكة أن تكون معدلات الضريبة على عوائدها في أدنى مستوياتها ، و إلا فلن يطيب لها المقام في البلد المعني . و بالمحصلة النهائية تضطر الدولة و تحت خضوعها للابتزاز بعدم الاستثمار و هروب رأس المال ، أو عدم إقامة مشاريع لديها في حال كانت العوائد غير مرضية لصاحب رأس المال ، إلى التنازل عن السياسات المالية و الاقتصادية و الاجتماعية الخاصة بمسائل ضبط عمليات التسليف المصرفي و استقرار نظام المدفوعات و سعر صرف العملات .
و من خلال مراقبة استخدام الاحتياطات من الذهب و العملات الأجنبية ، و تنظيم تبديل هذه العملات و دخولها و خروجها ، وسن سياسة ضريبية و جمركية تستطيع من خلالهما الدول النامية تحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية و حماية منتجاتها الوطنية و الحفاظ على تراثها الإنتاجي من الموت في مهده لعدم قدرته على المنافسة .
و هذا يعني أن تنازل الدول النامية عن هذه السياسات الاجتماعية و الاقتصادية ضرورة لكي يتسنى لها الحصول على التمويل الخارجي . و هذا يعني أن الحاجة للقروض و المساعدات و المنح ، سوف تجبر هذه الدول على فتح الباب بيدها للاستثمار الأجنبي كي يستغل شعوبها و مواردها أبشع استغلال ، و في عقر دارها و بمساعدتها . كما سيضطرها إلى القبول مرغمة بشراء البضائع المنتجة في الدول المتقدمة المانحة ،و بأسعار تفوق السوق العالمية ، و بنسب لا بأس بها .
وواضح في المحصلة العامة أن المؤسسات المالية الدولية ، و من خلفها الدول المانحة عندما تساعد غيرها فهي تساعد نفسها . و لا تهتم جوهريا بالآثار الاجتماعية و الاقتصادية السلبية التي تقع على السكان ، و بخاصة ذوي الدخل المحدود أو لمعدوم منهم . فهي من وراء هذه المساعدات كما يؤكد نائب رئيس وكالة التنمية الدولية تهدف إلى منع وقوع اضطرابات في البلدان النامية ، و توطيد مواقع الدول المانحة عسكريا في هذه الدول ، و توسيع أسواق التصريف للمنتجات ، و التأثير إيديولوجياً و بالاتجاه المطلوب على لبلدان النامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 بالصاغة




.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل


.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده




.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال