الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الحرية والقانون

راغب الركابي

2015 / 1 / 26
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية





منذ احداث باريس الدموية جرت مناقشة لأكاديميين وكنت أحد المدعوين إلى ذلك عن جدلية - الحرية والقانون - ، وجرت المناقشات في مساحة واسعة عن الطبيعة الموضوعية لمعنى الحقوق المتبادلة بين الفرد والمجتمع ، وما هي الأولويات في ذلك حمايةً للمجتمع ؟ ، ولقد ركزت في بحثي على الحرية التي أؤمن بها كأسساس مفاهيمي موضوعي يُعرف الطبيعة المادية للفرد وللمجتمع ، كذلك ركزت على القانون بإعتباره المواد التي تسالم الأفراد على القبول بها حمايةً لهم ولحقوقهم مؤكداً على أن القانون في ذاته لا يكون كذلك من غير الحرية - أي إنها الأساس الموضوعي الذي يهب للقانون صفته القابلة للتطبيق والقبول - ، ولا يجب بل ولا يفترض أن نعتبر إن بينهما تصادم وتقابل يدعونا للفصل بينهما أو لفك الإرتباط .
فالحرية : في التعريف هي القاعدة التي تؤوسس للقانون ، وبعبارة أدق هي القاعدة التي يُصاغ على أساسها و يكتب القانون ، وفقاً لقيمها ومعانيها ، والقانون : في طبيعتة الموضوعية ليس منفصلاً عنها ، ولا ينبغي له أن يكون كذلك ، كما لا ينبغي له ان يكون كابحاً للحرية ولا يجب له ذلك ، والقانون الذي يتصادم مع الحريات هو قانون مستبد لا يجوز الخضوع له أو الإلتزام به ، ولا يجوز أن يُكتب القانون وفقاً لمعاني الإعتقادات الدينية والحزبية ، وهنا تبرز عندنا قضية المقدس بالنسبة لبعض الأفراد ، التي جعل منها هذا البعض حجة ملزمة لجميع الأفراد في مسوغ يدخل في باب الجبر والإكراه ، مع إن المقدس مهما علا صفته الموضوعية صفة ذاتية لا يجوز تحميل الأخرين تبعاتها ، وهذا الذي أقوله ورد بحسب الديباجة القرآنية لمفهوم الإيمان والإعتقاد ، إذ إن القرآن يجعلهما شديدي الخصوصية ، يتحركان في دائرة المسائل الشديدة الخصوصية بالنسبة للفرد ، ولا يعمم القرآن هذا الإيمان أو هذا الإعتقاد إلاَّ من باب الكلمة الحسنة أو الكلمة السواء .
إذن العلاقة مع المقدس هي علاقة أو قل هو صيغة لا يجوز فيها الإلزام أوالإكراه أوالجبر ، بإعتبار إن المُراد منها هو منع تحميل الأخرين في صيغة الممكن الوحيد وجعل ذلك ممتد تحت بند التلاقح الفكري ، وقد طُرحتها الفلسفة في صيغة ومعنى التبادل الذي يخضع العقيدة والإيمان لليقين الذي يحصل بالبحث والبرهان والإثبات ، وحصول هذا بالنسبة لشخص ما لا يعني بالضرورة حصوله لشخص أخر ، ولهذا تعدد المقدس لدى الأفراد البشريين ، وهذا التعدد صفة إيجاب يهب لمن يريد ملاحقة الحقيقة أن يستقرئها ويحقق فيها ويمحص الأدلة عنها ، وذلك الفعل جزء من حق الوجود المطلوب ، وحتى هذا الحق المطلوب جاء في صيغة التراخي ، وليس في صيغة الإلزام والجبر مع العلم ان ليس كل العقول تتمكن أو تتحصل على المقدمات نفسها التي يحصل عليها الغير وضمن الشروط الموضوعية التي تحقق القناعة واليقين المطلوب .
ومن هنا تبدو عملية قتل الصحفيين في مجلة - شارلي أبيدو - جريمة منظمة بإمتياز ، جريمة يصح معها الوصف القائل : بانها جريمة مع سبق الإصرار والترصد ، وأنطلق هنا في وصفي لها من خلال السياقات الموضوعية العامة ، وإيضاً لما أطلعت عليه من النصوص القرآنية التي تُحرم قتل الإنسان لمجرد إعتقاده وإيمانه من قبيل - من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر - ومثلها كثير ، و لهذا حصر القتل ضمن بند - الظلم - أي إن جواز القتل والقتال المسموح فقط وفقط مع وجود الظلم ولرفعه ، وهذه المحدودية لا تُحاكي قضايا الإيمان وقضايا المعتقد فتلك تقع عنده ضمن ساحة الحرية المُصانة للجميع ، و هذه الصيغة يقع فيها حق النقض والإبرام المباح وفي قوله تعالى - حتى يأتيك اليقين - .
وضمن ذلك لا نجد إن المسلم قد أستوعب ذلك ووعاه بعد في معنى ومفهوم الحرية ( في الدين وفي الحياة ) ، كما إن المسلم الذي يتلقى تعليمه من المنابر الجوالة لا يميز بين قضايا القانون ومواده وقضايا الحرية ومساحاتها ، وعدم الفهم هذا منشأه التلقين الديني المغلوط الذي يؤوسس في ذهن الفرد المسلم طبيعة الحق من وجهة نظر واحدة وإعتبار ذلك ملزماً للجميع ، وتلك هي مغالطة معرفية وبيانية ، إذ إن المسلم لا يميز بين حريته ضمن القانون وحرية الغير ضمن القانون إيضاً ، لأنه يجعل من حريته فوق القانون وإن مايؤمن به هو الحق ودونه الباطل ، وعلى ذلك أسس حركته وفهمه للأشياء ، وعلى ذلك إيضاً يريد إجبار الأخرين على القبول بها على النحو الذي يؤمن به هو .
وهذه ليست المرة الأولى التي يوظف فيها المسلم معتقده الديني على أساس إنه الحق ومادونه الباطل ، ومعلوم إن تلك إشكالية مبنائية لأن الذي يؤمن به وما يقدسه ليس بالضرورة ما يؤمن به الأخر ويقدسه ، فالله المقدس عنده هو ليس الله المقدس عند الهنود والنبي المقدس عنده هو ليس النبي المقدس عند النصارى ، وحرية الإعتقاد لا تجيز جعل مايؤمن به حجة على الغير ، ناهيك عن إن أعمال جُل المسلمين تجعل من الأخرين يشككون في صدق وسلامة المعتقد .
وذلك للتناقض بين المفاهيم والواقع ، فواقع المسلمين يحدثنا عن الصورة البشعة المكروهة عن الحياة ، وجرائم التنظيمات الإسلامية للقاعدة وداعش تعطي للجميع إنطباعاً ، بان الدين الإسلامي دين للعنف والجريمة والتخلف وقطع الأعناق وسبي النساء ، ولم نجد لذلك الحديث الطويل عندهم عن العدل والمساوات والمحبة والأخوة أية وجود ، بل إن جرائم تلك التنظيمات بحق المسلمين الشيعة ، والمخالفين لهم من أهل السنة ، أكبر وأفدح بكثير مما يناله أهل الديانات الأخرى ، ومن هنا نقول إن إسلام التنظيمات لا يشجع على تداعيات جدل إحترام المقدسات ، ذلك لأن المسلم نفسه لا يحترم دعوات وبيانات ما يقوله المقدس الإسلامي عنده ، ولهذا لا يجوز أن نُلزم الأخرين بما لا يلزم المسلمين به أنفسهم ، أعني إن كنت تدعوا للخير وللجنة فعليك أولاً أن تكون قدوة في هذا المجال لكي يقتدي بك الأخرون .
نعم إن جدلية - الحرية والقانون - تستدعي شروحات مستفيضة من ذوي الإختصاص ، حتى لا يتندر علينا من يدعي إنه في ذلك يساوي بين الملزمات القانونية لدى الغربيين أنفسهم تجاه بعض المسميات ، مع إننا نعيد ونكرر إن التفريق بين ما يتعلق بحماية الإنسان وبين ما يعتقد به شيء مختلف والقانون ينظر إلى ذلك من خلال كون ذلك الشيء ذاتي وليس موضوعي ، والحماية القانونية تتركز على الأشياء الموضوعية وليس منها المعتقد الذاتي مهما أتسع وعظم ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح