الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كونوا ما شئتم، لكن أبقوا في روحكم خالدا ذلك الانسان

سامان نوح

2015 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في ذلك المساء وعلى شرفة قصر الدكتاتور، قرب جرف النهر الذي وهب الأرض الحضارات الأولى، وقفت استذكر ذلك الارث الجنوبي العظيم، وأتأمل خيوط الشمس المغادرة وهي تمسح اسوار مدينة بابل القديمة الممتدة يمينا وبقايا غابات النخيل الباسقة يسارا.
مازال في العمر بقية، وما تزال رغم ارتال العابثين والطامعين بابل حية، ومازال الفرات يجري مانحا سر الحياة الأبدية، ومازال النخيل يمنح رطبا شهيا... مازالت المعابد تنتظر زوارها، والأسكندر الأكبر يبحث عن من يرفع قبره ويدفن سيفه، مازال السحر وهاروت وماروت وطلاسم القصص المخفية، مازال الملوك الكبار والأسد الجبار وآثار السبي الأليم ونار الحاكم الطاغي ونور الحاكم الحكيم.
ومازال هنالك بابليون وفراتيون يلوحون لك من بعيد ويمدون للغريب أياديهم، ويفتحون قلوبهم للقادمين، وكأن الشر لم يطأ يوما منازلهم، وكأن فرعون بجيوشه لم يمر على أبوابهم، وكأن مآسي جرف الصخر لم تكن، وكأن روح الأنبياء ماثلة في الزوايا، والقصة ماتزال تنتظر ان تكتمل.
مازالت هنالك بابليات وفراتيات، يسرن في شارع الموكب بلا وجل، ويجلسن على عرش الحكمة ويقفن امام مهد الحضارة وينابيع الخصب، ويضفن على مسلة القانون الأول اسطرا اخرى... وكأن الانسان فيهم وبعد كل الوأد لم يقهر، وكأن العتبات السود ومواكب العزاء الطويلة بعد كل جولة حرب كانت أطيافا عابرة، وكأن الرايات الخضر والحمر ما تزال حاضرة ترفض كل جهالات الظلم وموالات الاستسلام.
كان في العمر بقية، وربما لم يزل لنرى بعد كل ألوان الويلات العراقية، بعد الذبح باسم الوطنية وباسم المذهبية بل وباسم الله، ان الامر ليس بذلك السوء المنظور، فالدروب الى بابل ما تزال سالكة والأبواب مفتوحة، والشمس تشرق دون غياب، والأنهار تجري دون سؤال وجواب، والأشجار تثمر، وهناك في كل موضع من يحملون الروح الزكية.
لكل من التقيت في رحلتي الى (خفايا) بابل الدفينة، لكل من فتح في أرواحنا الصدئة باب أمل، وزرع في قلوبنا المثقلة دون ان يدري بذرة أمل، تحية انسان لانسان.
قد لا تجمعنا الدروب أبدا وقد لا يكون لنا بعد هذا اليوم لقاء، وقد انسى في المحطات الآتية وجوهكم كما اسماءكم، لكن سيظل لكم في قلبي مكان.
من اي أمة كنتم، ومن اي طائفة، ومهما تكن الهوية التي تحملونها، لكم مني كلما مرت بذاكرتي خيوط وجوهكم، الف سلام وسلام.
كونوا ما شئتم، لكن أبقوا في روحكم خالدا ذلك الانسان.

* المقال كتب تحية للمشاركين في ورشة الصحافة الاستقصائية التي نضمت في محافظة بابل بمشاركة صحفيين وصحفيات من بابل وكربلاء والديوانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-