الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


26 جانفي 1978 ، يوم الخميس الأسود : الذكرى و العبرة .

الديمقراطية الجديدة( النشرة الشهرية)

2015 / 1 / 27
الحركة العمالية والنقابية


26 جانفي 1978 ، يوم الخميس الأسود : الذكرى و العبرة .
يمثل 26 جانفي 1978-الاضراب العام الذي تحول الى انتفاضة – أحد اهم التحرّكات الشعبية في مواجهة النظام الدستوري منذ 1956 و جاءت هذه الانتفاضة في إطار أول إضراب عام يشنه الاتحاد العام التونسي للشغل أيضا منذ انتصاب النظام الدستوري العميل سنة 56 . فما هي العوامل التي هيّأت لاندلاع انتفاضة 26 جانفي ؟ كيف كانت مواقف أهم الأطراف السياسية الموجودة آنذاك تجاهها ؟ و ما هي العبر التي يجب أن تستخلصها القوى الثورية منها ؟
الكلّ يحيي اليوم ذكرى 26 جانفي و يمجّد شهداءها ، لكن هناك اختلاف كبير بين المواقف والرؤى من هذه الانتفاضة الشعبية . فالبيروقراطية النقابية تحيي الذكرى للتغطية على خيانتها للطبقة العاملة وعموم الأجراء ولتُوهِم الرأي العام بأن قيادة الاتحاد تقف دائما في صف الجماهير . و وسائل الإعلام المأجورة تحيي الذكرى بتنظيم اللقاءات والحوارات مع قدماء البيروقراطية النقابية لتلميع صورتهم من ناحية و لإيهام الجماهير الشعبية بأن النظام القمعي الذي قتل أبناء الشعب في الشوارع وزجّ بالآلاف في السجون قد ولّى زمانه وأن النظام الجاثم حاليا على صدور الجماهير الشعبية هو نظام ديمقراطي جاءت به "الثورة" المزعومة عبر انتخابات شفافة . وفي الحقيقة لا هذا ولا ذاك أنصف شهداء 26 جانفي و القوى الفاعلة عمليا في توجيه العمل النقابي قبل وبعد 26 جانفي وبالتالي التأثير في تطور الأحداث .
لقد حصل الاضراب العام إثر تضافر عدة عوامل نذكر أهمها : - سياسة الانفتاح الاقتصادي التي جاءت بعد تجربة سياسة التعاضد التي ذاق فيها الأجراء والفلاحون الصغار خاصة كل أنواع الاستغلال والتجويع . والانفتاح الاقتصادي انطلق منذ بداية 1970 تحت إشراف الوزير الأول الهادي نويرة وهو يهدف إلى بعث صناعات خفيفة وتحويلية موجهة إلى التصدير وتعتمد أساسا على رأس المال الأجنبي الذي قُدمت له كل التسهيلات على حساب رأس المال المحلي تحت شعار " جلب العملة الصعبة – الحد من البطالة – اكتساب التكنولوجيا ..." وقد تمّ سنّ قوانين لحماية المستثمر الأجنبي مثل قانون أفريل 72 الذي تمّ تنقيحه في أوت 74 وجويلية 76 لتقديم مزيدا من الامتيازات للصناعيين الأجانب مثل ضمان اليد العاملة الرخيصة الأجر والإعفاء من الضرائب القمرقية في عملية التصدير والتوريد وبذلك غزت البلاد كل أنواع الصناعات الخفيفة الملوثة وخاصة منها صناعة النسيج ... إلاّ أن هذه التجربة انتهت إلى ازمة اقتصادية واجتماعية حادة نظرا لارتباطها بالأزمة الدورية للاقتصاد الرأسمالي و تأثرها خاصة بأزمة صناعات النسيج التي اندلعت على مستوى العالم بداية من أواسط السبعينات . وأمام ظروف العمل القاسية مقابل أجور متدنية وتكرر عمليات الطرد التعسفي وغلق المصانع بصفة عشوائية شنّ العمال سلسلة من الإضرابات والاعتصامات بلغت ذروتها في أواسط سنة 1977 وانطلقت هذه الموجة من الإضرابات من معامل النسيج بقصرهلال لتنتشر بعد ذلك في كامل البلاد . – تزامنت الازمة الاقتصادية والاجتماعية مع أزمة سياسية داخل النظام إذ احتدّ الصراع بين الكتل حول خلافة بورقيبة فمن ناحية هناك شق وسيلة وبلخوجة والحبيب عاشور الذي ما يزال في ذلك الوقت عضوا في المكتب السياسي لحزب الدستور وكان هذا الشق يدعو إلى توخي سياسة مرنة للتنفيس على الغضب الشعبي والشبابي ( الحركة الطلابية ) لكي لا يحصل الانفجار الاجتماعي ومن ناحية أخرى هناك شق محمد الصياح مدير الحزب الحاكم وعبدالله فرحات وزير الدفاع ثم وزير الداخلية بعد إقالة الطاهر بلخوجة وكان هذا الشق يدعو إلى سياسة العصا الغليظة وتوخي القمع ضد أي نفس معارض وخاصة ضد المجموعات المناضلة صلب اتحاد الشغل والاتحاد العام لطلبة تونس . – دور العناصر الثورية والوطنية الديمقراطية ( الشعلة ) في إرساء خط نقابي مناضل في الحركة الطلابية وداخل الاتحاد العام التونسي للشغل منذ بداية السبعينات ونجاحها في التحول إلى قوة ضغط على البيروقراطية النقابية عبر قطاعات قوية وحساسة مثل قطاع التعليم الثانوي وقطاع النقل والسكك الحديدية والنسيج والصحة ... وبقدر ما كانت المجموعات الثورية تسعى إلى تكريس قناعاتها ومحاولة فرضها على البيروقراطية النقابية كان عاشور يعمل على ترويضها لكسبها إلى جانبه في الصراع ضد كتلة الصياح وتحقيق طموحاته السياسية التي كان لا يخفيها في العديد من المناسبات ...
وفي هذا الإطار تطورت الأحداث بسرعة باتجاه إعلان الإضراب العام يوم الخميس 26 جانفي (الخميس الأسود ) . ولم يكن عاشور أبدا يخطط لإشعال انتفاضة شعبية بحجم انتفاضة 26 جانفي بل أن مداهمة مليشيات حزب الدستور - التي كونها الصياح - لدور الاتحاد وتعنيف النقابيين في مختلف الاتحادات الجهوية وخاصة في سوسة وصفاقس و التهديد علنا باغتيال بعض القياديين في الاتحاد وحديث الصياح عن نصب المشانق للنقابيين في ساحة باب سويقة هو الذي دفع عاشور إلى الاستقالة من المكتب السياسي للحزب الدستوري الذي حمل عضويته منذ سنة 1957 وإلى عقد هيأة إدارية يوم 22 جانفي أّتخذ فيها قرار الاضراب العام يوم 26 جانفي وقد وجه المكتب التنفيذي نداء لكافة الشغالين بضرورة البقاء في منازلهم وعدم النزول إلى الشارع لتلافي استفزازات مليشيات الصياح ...لكن الجماهير الشعبية التي كانت تغلي غضبا على سياسة القمع والتجويع التي سلكها نظام حزب الدستور منذ مرحلة التعاضد قد وجدت الفرصة سانحة لتفجّر غضبها ضد أعدائها الطبقيين . واندفعت يوم 26 جانفي سيول بشرية قادمة من الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة إلى الشوارع الرئيسية واقتحمت المحلات التجارية وأضرمت النار في سيارات الشرطة والبوب وكل ما يجسد أجهزة النظام. وأمام عجز وزارة الداخلية ومليشيات حزب الدستور على مواجهة الغضب الشعبي الذي انتشر بسرعة في أغلب مناطق البلاد تدخل الجيش وواجه الجماهير الشعبية بالرصاص الحي - الذي استعمله لا محالة قبله مدير الأمن بن علي دون جدوى – وأُعلنت حالة الطوارئ ومنع الجولان من غروب الشمس في كامل القطر . وسقط نتيجة التدخل الوحشي للجيش العديد من الشهداء ( هناك من يقدم عدد 200 شهيدا وهناك من يتحدث عن 300 شهيدا ) تمّ دفنهم تحت جنح الظلام من طرف الجيش و البوليس السياسي كما سقط المئات من الجرحى في مختلف مناطق القطر . ووقع القبض على قيادة الاتحاد وعدد كبير من النقابيين من مختلف الجهات مع المئات من العاطلين عن العمل وأبناء الأحياء الشعبية والزجّ بهم في السجون بعد محاكمات صورية .
وفي أواخر شهر فيفري قام النظام بتنصيب قيادة دستورية على رأس الاتحاد بقيادة التيجاني عبيد ، وهكذا أُفرِغ الاتحاد من مناضليه وبقي هيكلا بلا قواعد . وهنا لابد من التذكير بأن الصراع بين النقابيين في هذه الفترة كان حول طريقة مواصلة النضال في ظل غياب القيادة الشرعية للاتحاد ، وأفرز الصراع خطين متباينين : - خط وفاقي مهادن يدعو إلى الالتحاق بقيادة التيجاني عبيد بتعلّة إمكانية افتكاك مكاسب للطبقة العاملة (عُرِفوا في الوسط النقابي باسم الافتكاكيين ) ويقود هذا الخط مجموعة من اليسار الاصلاحي وخاصة رموز العامل التونسي الذين سيؤسسون بعد ذلك حزب العمال ... – خط نقابي مناضل يدعو إلى مقاطعة القيادة الدستورية المنصبة وضرورة مواصلة النضال خارج الأطر التي تمّ السطو عليها وأُفرِغت من المناضلين وضرورة التمسك بالقيادة الشرعية للاتحاد وتنشيط الهياكل الشرعية المتبقية ، وكان وراء هذا الخط بصفة رئيسية مناضلو الخط الوطني الديمقراطي ( خط الشعلة ) . و قد قام هؤلاء بتكوين لجان نقابية تشرف و تُؤطِر نضالات العمال و عموم الأجراء في مختلف القطاعات ، عُرفت ب "لجان المبادرة" كما أصدروا جريدة الشعب السرية التي كانت توزع من اليد إلى اليد في مختلف المواقع العمالية و في الأرياف و المدن و بين الأوساط الشبابية الطلابية و التلمذية فكان لها أثر كبير على تطور وعي الكثير من النقابيين و الشباب إذ كانت تركز على التعريف بمفهوم العمل النقابي المناضل و دوره في تدريب العمال على مسك مصيرهم بأيديهم في مواجهة أعدائهم الطبقيين .. و الشعب السرية تحتاج في الحقيقة إلى بحث خاص يكشف عن هذه التجربة الثرية و يسلط الضوء على مرحلة هامة من نضال الطبقة العاملة في القطر ما يزال المتحدثون عنها إلى حد الآن يقتصرون على السرد السطحي للأحداث إما لجهلهم لحقيقة الوقائع أو لتعمدهم التعتيم على هذه التجربة و من كان وراءها ... ونجح أصحاب الخط المقاطع للقيادة المنصبة في جعل اتحاد التيجاني عبيد هيكلا بلا منخرطين وأحسّ النظام بخطورة نشاط لجان المبادرة – السرية – فقام بملاحقة المناضلين الواقفين من ورائها و زجّ بهم في السجون و لم يفرج عنهم إلا في جانفي 1980 إثر عملية قفصة المسلحة .
و بدون الغوص في تفاصيل الأحداث رغم أهميتها والتي بالإمكان الرجوع إليها في مناسبة أخرى ، نريد التركيز على العبرة أو الدرس الذي خرج به الثوريون الذين خاضوا تجربة لجان المبادرة والشعب السرية وأصبح لديهم ثابتة من الثوابت ، و الذي لم يستوعبه إلى حد الآن عدد من المجموعات الوطنية الديمقراطية رغم تكراره أمام أعينهم عدة مرات : وهو أن الانتفاضات أو الهبات الشعبية العفوية مها بلغ عنفها لن تسقط النظام أو تؤثر في جوهر طبيعته طالما لم يكن وراءها قيادة ثورية محكمة التنظيم واضحة الرؤية السياسية و الجماهير المنتظمة في قطيعة مع القوى الرجعية والانتهازية لقادرة على الحاق الهزيمة بأعدائها و مراكمة المكاسب . فتجربة "لجان المبادرة " على بساطتها و تخصيصها على الميدان النقابي قد ساهمت بصفة كبيرة في تأطير العمال و نشر الفكر الثوري بين النقابيين و الشبيبة الطلابية و التلمذية و هذا ما يجحده عليها الانتهازيون و الإصلاحيون و حتى البعض من "الوطنيين الديمقراطيين" عندما يتعرضون لأحداث 26 جانفي أو يتطرقون لتاريخ الخط الوطني الديمقراطي في القطر . إلاّ أن تجربة لجان المبادرة على أهميتها تطرح سؤالا مُلحّا : لماذا لم تنتج هذه التجربة شكلا تنظيميا أرقى يمكنها من الانصهار أكثر وسط الجماهير الشعبية و مواصلة النضال في السنوات اللاحقة؟ لماذا خرج أصحاب هذه التجربة بعد أربع أو خمس سنوات منقسمين إلى مجموعات تتصارع بكل عدوانية ؟ إن طرح هذا السؤال لا نريد منه الحصول على الجواب الآن بقدر ما هو دعوة لمن يرى في نفسه من الرفاق – الوطنيين الديمقراطيين – القدرة على دراسة هذه المسألة و تقديم الفائدة التي يحتاجها شبابنا المتحفز للعمل الثوري .
إن ذكرى 26 جانفي – كغيرها من المحطات النضالية في القطر – يجب أن تدفع القوى الوطنية الديمقراطية و الثورية عموما إلى السعي نحو الوحدة و تجميع الطاقات و طرح محاور صراع تنطلق من جوهر الطرح الوطني الديمقراطي في علاقة بواقع الجماهير الشعبية في القطر و بطبيعة المرحلة التي تمر بها أشباه المستعمرات و ضرورة الاقلاع عن الصراعات الفوقية المعزولة عن واقع الجماهير و عن التقوقع حول الأشخاص و العلاقات الجهوية و العروشية .
• ملاحظة : لم يقع التطرق لموقف الإخوان من 26 جانفي لأنهم لا يمثلون قوة فاعلة في ذلك الوقت و اقتصر عملهم على إصدار بيان ينددون فيه بالعمل "التخريبي " الذي قام به سكان الأحياء الشعبية التي يسمونها " أحياء الكفر و الإلحاد " و طبعا كانوا يدافعون عن النظام الدستوري بما أنهم كانوا متحالفين معه و مجلة المعرفة الناطقة باسمهم كانت تُطبع في مطبعة دار العمل التابعة للحزب الدستوري .
الديمقراطية الجديدة(النشرة الشهرية)
تونس 26 جانفي 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب وأساتذة بجامعة مانشستر يعتصمون للضغط على إدارتها لقطع ع


.. استمرار اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن




.. هو ده الاحتفال الحقيقي بعيد العمال .. خالد أبو بكر: الرئيس ا


.. كل الزوايا - عبد الوهاب خضر المتحدث باسم وزارة العمل يتحدث ع




.. الهند.. أكثر من 80 بالمائة من الشباب عاطلون عن العمل!!