الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ست شخصيات تبحث عن مؤلف

محمد السعدنى

2015 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن الكاتب المسرحى الإيطالى "لويجى بيرانديللو" يعرف حين كتب مسرحيته "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" فى عشرينيات القرن العشرين أنه يؤسس لما عرف فيما بعد بـ " ميتا مسرح" أو ماوراء المسرح، أو المسرح داخل المسرح، ولاكان يعرف أيضاً أنه يقوم بتوصيف دقيق يتماهى مع ما آلت إليه أحوال السياسة فى بلادنا على مسرح حياتنا العامة، التى رفع أبطالها وشخوصها السياسيين دون وعى منهم شعار مرحلة، هى نفسها عنوان مسرحيته الثالثة "الليلة نرتجل" التى كتبها 1930. اليوم وبعد مرور أربعة أعوام على الثورة، دعونا نقدم جرداً لما عساه استجد فى محيطنا السياسى العام، لنجد أن قوانا السياسية التى لاتزال حية إكلينيكياً عاطلة عن العمل والتأثير سياسياً لاتزال تراوح مكانها، تصر على اجتراح المستحيل واللامعقول وتخاصم طبيعة الأشياء فى التقدم مع حركة التاريخ الذى هو تقدمى بالأساس، فتقف على مسرح الأحداث عاجزة عن القيام بأدوارها، وبدلاً من محاولة تطوير أفكارها وأدائها تبادر بالاشتباك مع الجمهور من النظارة، وتشاغل حراس المسرح وإدارته وتستهلك وقتهم وجهدهم، وتتمسح بتلابيب المؤلف علها تقنعه بإعطائها فرصة للظهور على المسرح، كلنا نعرف أنها لن تكون مجدية.
ولقد سبق أن كتبت لك عن مشهد السياسة فى بلادنا فى مقالى بالأخبار فى يوليو 2011 تحت عنوان "ثورة تبحث عن مؤلف" مانصه: "إنه مشهد عبثي تتناوشه اعتبارات وتوجهات وشخوص أشبه ماتكون بـ "ست شخصيات تبحث عن مؤلف في مسرحية لويجي بيرانديللو الشهيرة. وبعيداً عن حرفية المسرحية وشخوص أبطالها: الأب والأم والابن والابنة وشابين يافعين ذهب كل منهم يقدم نفسه وأحلامه وأفكاره لجمهور النظارة وكأنه يلتمس طريقا للخلاص والتحقق، إنها شخصيات حقيقية ذهبت لتبحث عن مؤلف يقدم مأساتها علي المسرح طلباً لتعاطف الجمهور وتأييده، ولما عجز المؤلف عن مجاراة الواقع والحقيقة وتشابك الأحداث وعمق مغزاها طردهم جميعاً من خياله، فذهبوا يرتجلون علي المسرح كل منهم يبرئ نفسه وربما أدان الآخرين في محاولة تشف عن الطلاق البادي مابين الحقيقة كما هي وكما ينبغي أن تكون، وما بين الخيال الذي يتوهمه كل من الشخصيات الستة، الذين تجلت مأساتهم في تشرذمهم واختلافهم، فلا أحد منهم ينشد رؤية للخلاص الجماعي والتحقق الجماعي، إنما هو يقدم نفسه بديلاً لكل الآخرين، وأهلاً للحقيقة عن كل الفرقاء، فلم تقنع كلماتهم أحداً واستقبلهم الجميع باستخفاف بما فيهم المخرج ومدير المسرح وحتي النظارة والمتفرجين. وتظل الشخصيات الستة في اشتباك واحتراب وتنافس تضيع معه قضيتهم ويتشتت الناس في استقبال حجتهم وتصديق مقولاتهم ورؤيتهم. ولم يكن من قبيل الصدفة أو التعسف وتطويع الأفكار، أن نري المشهد السياسي في بلادنا تتناوشة ستة شخصيات اعتبارية لايزال كل منها يبحث عن مؤلف، ذلك أن حجته لاتزال غير مقنعة، وأن واقعه يكذب خياله، وحاضره ينبيء عن محاولات افتعاله وارتجاله".
حينها، فى 2011 رأيت في المشهد ثورة ناهضة وثوار شرفاء )الطبقة الوسطى من أبناء الشعب)، وفي المشهد قوي متربصة وأوغاد حانقين علي الثورة متآمرين عليها يمدون جسورهم لكل طامع (الرأسمالية الطفيلية والكومبرادور من وكلاء الاحتكارات الدولية وبقايا بارونات الحزب الوطنى)، وفي المشهد يمين رجعي انتهازي يحاول اصطياد الفرصة، يستقوي بالمقدس ويتطاول في البنيان بالتمويل السخي والإعلام الغبي (الإخوان والسلفيين)، وفي المشهد يمين ليبرالي يحاول أن يمد جسوره مع الجميع ليجد له مكاناً تحت شمس الثورة (حزب الوفد وبقية الأحزاب الكارتونية)، وفي المشهد يسار باهت وبقايا أحزاب ضعيفة (الثوار الاشتراكيون و6 أبريل)، وفي المشهد حكومة فاشلة رجعية متخلفة لاتمت للثورة في شئ. ويبقي خلفية المشهد جمهور النظارة العريض ينتظر لحظة جلاء الحقيقة وفتح الستار عن مشهد انتصار الثورة الذي لن يستطيع كتابته إلا مؤلف محترف فاهم وواعي لاتخيل عليه الحكايا والأباطيل، مؤلف يضع كل شخصية في مكانها الصحيح وزمانها الصحيح وسياقها الصحيح في الأحداث والواقع العام في بلادنا والمشهد السياسي حولنا. فى حواره الفكرى المتصل معى، طالبنى أستاذ الإدارة ومستشار المؤسسات الدولية د. محمد حسن العزازى أن أسمى هذه الشخصيات الإعتبارية، فلم يعد مقبولاً ان أتركها هكذا ABSTRACTED ، وقام على الفور بالإفصاح عنها على النحو الذى يقابل ترتيبها بين الأقواس السابقة، حتى يعرف الناس ويتحسبون.
فى 2011 كنت أرى أن: "مصر في مفترق الطرق، ومالم ننتبه فإن احتراب الفرقاء آخذنا لامحالة إلي خيارات أحسن مافيها مر، وسواء كان ذلك بحسن النوايا والحماس أو بالحمق والغفلة أو جراء الانتهازية والطمع فإننا أمام مشاهد الفوضي وسيناريوهاتها تتحقق علي الأرض. وهي فوضي لاتعيق مسارات ثورتنا العظيمة فحسب، وإنما تهدد كيان الدولة ووحدتها وأركانها". هذا ماكنت أراه وقتها، لكن الأمور بحمد الله تغيرت وماعاد الخوف على كيان الدولة عنصراً ضاغطاً علينا، فقد انتقلت مصر إلى مكان ومكانة تثبت فيهما أركانها وأدوارها وكيانها يوماً بعد يوم، فقد جرت منذ ذلك التاريخ فى النهر مياه كثيرة، وأن خارطة المستقبل التى وضعتها ثورة 30 يونيو تقدمت بنا إلى تحقيق استحقاقاتها الواحد تلو الآخر، وبدا أن المؤلف الذى كلفه الشعب جاهز وقادر ومحتشد لاستكمال مسيرته وتحقيق طموحات الوطن وأهداف الثورة. ولئن عانت مصر طويلاً من جراء موات السياسة، فهى الآن تعاني أكثر من شطحات السياسة وغباء توجهاتها واستغلالها ومغامراتها التي باتت متهمة بتحقيق أقصي أحلام وأمنيات أعداء الوطن والمتربصين له والمتآمرين عليه، فلا يزال مشهد السياسة فى بلادنا عبثياً، وكأن الفرقاء جميعاً تحولوا دون أن يدروا إلي لاعبين مغيبي الوعي فاقدي القدرة علي الرؤية، يقدمون أدواراً شريرة علي مسرح أحداث هو نفسه فخ منصوب لهم ولنا، في مسرحية الفوضي الخلاقة التي يقوم بإخراجها وانتاجها وتوزيعها قوي ظلامية وأخري هلامية وكثيرون من أصحاب المصالح والمطامع والمغامرة، المدهش أن علي خشبة المسرح ستة شخصيات هي نفسها التي لاتزال تبحث عن مؤلف، وكما قلت من قبل: " أخطر مافي المشهد هو أن هذه الشخصيات في اندماجها في أداء دورها المرتجل لا تتورع أن تتاجر في دماء الشهداء، وأن تطعن الثورة والدولة، وتشوه أنبل أبنائها ورجالها، وأنظروا ماذا حدث ليلة 25 يناير ومسلسل الدم الذى يؤشر على أن قوانا السياسية لايزال لسان حالها ينطق "الليلة نرتجل".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد