الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكسة أم هزيمة؟

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2015 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


نكسة أم هزيمة؟

بالرغم من كونهما كلمتان متقاربتي المعنى، لكن ما يجمعهما ببعض بشكل تام بالنسبة لكل عربي هو أنهما يُشيران ليوم الخامس من حزيران 1967، وهو وأن يكون مشؤوم من وجهة نظرنا كعرَب، لكن اليهود لا يرونه سوى يوم مبارك وسعيد، والسبب باختصار هو أننا خسرنا وهم انتصروا.
واليوم الحاسم في هزيمتنا ونكستنا كان في الواقع خمسة أيام... حرب الأيام الخمسة، تلك الأيام غيّرت تاريخه العرب والإسرائيليين للأبد مثلما غير 2 آب تاريخ العراق وتاريخ أهله.
ومع أن الفلسطينيين والإسرائيليين لا يطيقوا بعض ولا يتفقوا على شيء سوى أذية الآخر، لكن لنبحث عن أساس المشكلة بين الاثنين ونحاول البدء بوضع خطة طريق لحلها...
العقدة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ليست بنت قرن واحد من الزمان، وإنما تمتد في عمق التاريخ، بل هي التاريخ نفسه... مَن هُم أصحاب الأرض، أو بشكل أوضح، من هم (الأحق) بالأرض؟
أحداث التاريخ واحدة، لكن هناك قراءتان له، الجيل العربي يقرأ تأريخ الصراع كما كتبه آبائهم وفيه حقائق وفيه حشو وكلام فارغ... بغباء، لذاعلينا أن لا نتقبله كله كي نصل للحقيقة، وبالمقابل فإن اليهودي يقرأ ما تُسخره الصهيونية من أدوات مكر ودهاء... وبذكاء !
هم حققوا أمام العالم كل ما سعوا إليه، بدليل أن ما نراه هنا في أوربا، حيث يميل الرأي العام ويتعاطف مع إسرائيل، وهو نابع من قراءتهم لصفحات تاريخ فلسطين التي كتبت بحبر الصهيونية العالمية، فطبلت له من خلال المؤتمرات والندوات وفي الصحف والقنوات.
في المقابل نحن لدينا إعلام ساذج لا يقول الحقيقة ولا يعترف بعجزه، من بين ذلك عجزه عن الإفصاح بلغة الأرقام التي صارت الدليل في قراءة الخبر وإعلانه على الملأ.
طفل إسرائيلي قُتل في باص مدرسة نتيجة عملية (فدائية) بتل أبيب، أستغلها الإسرائيليون ونشروا صوره، وحتى الباص المدمر لفّوا به بلدان العالم يحكون قسوة الفلسطينيين وفتكهم بالـ (مساكين) الإسرائيليين...
ماذا استطاعت الأموال العربية أن تكشف من جرائمهم بالمقابل؟
إن الأوربيون يجهلون اليوم من هم الضحايا الفلسطينيون، ولا يعرفوا حتى بأن شعباً مشرد يسكن الخيام منذ سبعون عام؟
× × ×

من وجهة نظري البسيطة وأرجو أن لا ألام عليها ـ فلست بقارئ جيد للسياسة ـ ومادام أصبح لدينا قراءتان للتاريخ، أن بداية الحل تكمن عندما يتفق جيل جديد من الفلسطينيون والإسرائيليون على أن يكتبان تاريخ موحد لهذه المنطقة، تاريخ يبدأ منذ هجرة اليهود من مصر لها ومنذ وصول أقوام يُقال أنها أصل الفلسطينيون لنفس الأرض، كي نبدأ نكتب تاريخ هذه الأرض سويتاً بدون تشنج وبشكل موحد كي يقرئه جيل الطرفان القادم في المدارس والمكتبات...
أول مشكلة يجب أن تُحل هي تسمية الأرض، فهل هي أرض فلسطين أم أرض (يهودا والسامرة) كما هم يسمونها؟ التاريخ يقول أن التسميتين صحيحتين، لكن كلٌ منها في زمن...
على الطرفين أن يقتنعا ويعترفا بأن أجيالا منهما قد سكنت وتناوبت العيش في تلك الأرض، أو أنها أحياناً تقاسمت الأرض بنفس الفترة وحكمتها خلال حقب متتابعة من التاريخ.
ستكون أولى الخطوات حين يتقبلا بعض على أنهما إنما شريكان، وسيزول الكره والحقد والتوجس في جيل شباب لا يُربى على الحقد والكره بعضه للآخر، وان يعترفا بأن للآخر أيضاً حقوق وعليهما قسمتها بالحق، وبالنتيجة عليهم قسمة الأرض أيضاً، وهذا بطبيعة الحال سيقلل من حالة الاحتقان المستمرة بين الأجيال المتعاقبة.
× × ×

ولكي أخرج بمقالتي من هذه المعادلة الصعبة، أسرد لكم حكاية واقعية لا تخلو من عِبر...
في عام 1978 كان والدي المرحوم قد توفي منذ عامين، وكنا الأخوان جميعنا لا نزال طلبة بالجامعة، فأختل توازن العائلة بسبب مصاريفنا، فاشترينا عن طريق دلال، دار حديثة بالسيديه كي نؤجرها لتغطية مصاريفنا، وقد أستدانينا مبلغاً لإكمال السعر...
أتصل بي شخص معرفاً بنفسه، مترجم بشركة (كرافت يونيون) الألمانية غربية التي كانت تبني محطة كهرباء الدورة، وقد أرسله نفس الدلال، وقال انه يريد استئجاره لمدير الشركة كون الدار لم تُسكن بعد، وقال أن الشركة ستدفع 3000 دينار سنوياً (أي 250 شهريا) بدفعة واحدة، وهذا مبلغ ـ في وقته ـ مغرٍ جداً، كون المستأجر العراقي حينها لا يدفع أكثر من (100 دينار) كل رأس شهر.
وأشترط أمور بسيطة كأن نضع ستائر ومبردات وكاونترات للمطبخ، وهم يتكفلون بتأثيث الباقي للمدير حسب ذوقهم، كما أراد (وكان هو الأهم) أن يستلم مقدماً (كومشن) ألف دينار، حسبناها ووجدنا مبلغه كبير لكننا وافقنا مع أننا سوف لن نستطع تسديد كل الدين في أول عام... وقررنا أن نعيش حالة تقشف ونشد الحزام سنة قادمة ثم نسدد الدين كاملاً.
... قبل أسبوع من انتهاء السنة، ذهبتُ لمقر الشركة، وكان في بستان بالدورة بجانب موقع المحطة على نهر دجلة، وكان (كامب) متكامل وكأنه منتجع، فاستقبلني المدير (الألماني) وضيّفني ووعدني بأن الصك سيكون داخل مظروف حال انتهاء السنة بالضبط، ولا أخفي عليكم كيف ابهرني البناء الجاهز والتكييف المركزي والتأثيث الفاخر، مما ساقني الفضول أن أتجول بداخل مكتبه واُدقق بتمعن بما حولي، حتى وقَع نظري على خارطة العالم كبيرة وملونة ومكتوبة باللغة الألمانية، لم أرَ مثيلها من قبل، بحثتُ عن بلدي الحبيب العراق لأجده متربعاً ملكاً في وسطها.
وما هي إلا لحظات حتى شرعتُ بالصراخ والتهديد والوعيد، ركض المدير إليَّ يستفسر بعد أن وجدني أضرب بكلتا يدي على الخارطة، وكانت الكلمات تنبع بكل لغة ولهجة، ثم دخلَتْ السكرتيرة وهدّئت من روعي وهي تعدني كل خير، بينما كنتُ لا أزال ممتنع بكل جبروت.
أخيراً خرجتُ وأنا المنتصر، واضعاً حداً لهذه (المهزلة) المرفوضة، نافشاً (ريشي) أمام الآخرين... ولِمَ لا وأنا صاحب الحق... بل الحق كله.
كيف تصل (الوقاحة) بهم لوضع كلمة إسرائيل بدل كلمة فلسطين !
× × ×

في الموعد المحدد، كنت ببرود أعصاب قد وصلت لمقر الشركة، كان مظروف بالاستعلامات بانتظاري، وقعت لهم واستلمته، ولكن لم يكن فيه الصك المنتظر الذي سيحل مشاكلنا المعلقة كلها...
تسديد الدين وتغطية مصاريف الدراسة وتمشية أمورنا الأخرى...
كان يحتوي على (مفاتيح) البيت بعد أن قاموا بإفراغه وإعادة طلائه كما كان منذ سنة خلت !
× × ×

عدت للبيت وإذا بالوالدة ومجموعة أسئلة فورية متوالية...
(ها يمه استلمت الإيجار؟ ودّيت الدين؟ كم تبقى لنا مصروف؟)
غمغمتُ: طلعت الشركة وتركت البيت، ولا تسأليني ليش... لأن ما أدري!
... يا ترى، هل فعلاً كنت لا أعلم (ليش)؟
... ما ترتب على ذلك أننا اضطررنا أن نبيع الدار بضغط تسديد الديون ومصاريفنا الأخرى، وبنينا مشتمل على جانب بيتنا بالقادسية ببقية الفلوس لنأجره بمائة دينار كل شهر.

عماد حياوي المبارك

(العبرة) قد تعلمتُ مبكراً أنه...
أولاً: لو تكون على حق في شيء، يتوجب عليك إظهاره بأسلوب حضاري، كي لا يضيع.
ثانياً: أن تبيع بيت وتبني بسعره مشتمل غير صحيح، لأنك ستخسر الأرض.
ثالثاً: تعلمت معنى (الكومشن) وعرفتُ أنه يكون أساسي في أحيان كثيرة لضمان نجاح كثير من الصفقات التجارية !
... لا تحل المسألة الفلسطينية مستقبلاً... بكتابة أسطر على الورق ولا بالتظاهر في الشوارع ولا حتى بالدبابة والمدفع، السياسة... هي من وضع خارطة اليوم، وهي التي ستثبّت خارطة الغد.

رد فعل أعجبني...

الاخ العزيز عماد المحترم:
فيما يخص مقالتك فانك ابن نخوة وعربي أصيل عندما غلى الدم
في عروقك وأعلنت احتجاجك بشكل لا إرادي أدى بك في النتيجة
إلى خسارة صفقتك الرئيسية... كما خسر العرب بعد تاريخ الحادث المسجل
في ذكرياتك قضية فلسطين والى الأبد.
والفرق الوحيد أنهم سلموا مفتاح فلسطين بأيديهم وبكل فخر إلى إسرائيل!
سلام جاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حدث في فيينا
اّرام ( 2015 / 1 / 29 - 11:54 )
شاب عراقي كردي لاجىْ في النمسا وبينما هو يتمشى في احد شوارع العاصمة وكان الوقت نهارا واذا به يسمع ضوضاء وصياح وبعد لحظات شاهد شخصا وبيده سكينة صغيرة وهو يقفز هاربا من احد المحال فما كان من هذا الشاب وهو اعزل من اي سلاح الا مطاردة الجاني ومحاولة المسك به وقد اصابه الجاني ببعض الجروح لا يقافه عن مطاردته ..واخيرا وهو المهم زاره الشرطة في المستشفى التي كان يعالج من الاصابة التي حصلت له وقال له ضابط او مامور الشرطة نحن نشكرك على حرصك ولكن ذلك لم يكن من واجبك فهي من واجبات الشرطة فلا تكرره مرة اخرى ..رجاء ..اظن ان الاخ عماد حصل له نفس الشىْ بدافع من الحرص والوطنية وكانت هناك جهات مسؤلة ان تمنع الشركة في عرض تلك الخارطة في بلد تعنبر اسرائيل عدوها الاول و لا تعترف بكيانها رسميا ..وليس شعبييا ! .

اخر الافلام

.. تغريم المجر بسبب سياسة اللجوء | الأخبار


.. وصول الفرنسي لوي أرنو إلى باريس بعد الإفراج عنه في إيران




.. الحوثيون يؤكدون استمرار عملياتهم بالبحر الأحمر إلى أن -تتوقف


.. انقسامات في اليمين الفرنسي.. سيوتي يطعن بقرار طرده وزمور يست




.. الدبابات الإسرائيلية تتوغل غرب رفح.. ليلة أخرى من الرعب