الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل أن نعاقد المتلقي على مسمى رواية

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2015 / 1 / 28
الادب والفن




سأجوّز لنفسي القول بأن الرواية عالم مقترح وبديل للواقع المعيش.. وعليه فإن هذا العالم الذي يقترحه كاتب ما، يجب أن يتوفر على عناصر غير العناصر التي يعيشها الواقع، أو تنسجه عنه الحكاية، بشكلها التجميلي.. وهذا يعني أن الرواية لا تعني ولا يجب أن تكون صورة فوتوغرافية عن الواقع، وأيضا ليست صورة فوتوغرافية (معدلة على الفوتو شوب) لتناسب (قيم) وعادات مجتمع ما؛ بل أن الرواية عامل خلق إزاحي، يقوم على فكرة إقتراح البديل المتوفر على عناصر الدهش والقدرة على توريط المتلقي في قبوله والتفاعل معه، كعالم بديل، قابل للحياة، لتوفره على عناصر وجماليات يفتقر إليها الواقع.
وبهذا المعنى تكون الرواية عملية إلتواء ولي الواقع المعيش ليكون أكثر جمالا وأكثر قدرة على الحياة بذاته، وأكثر امتلاء بذاته، وأكبر قدرة على إستيعاب عمليات الإحلال وجدلياتها، وتقبل مضافات فعل الحياة، خارج إطار المعهود والمتقبل، بما يسمح بكسر القوالب وإعادة تلوين بعض أجزاء اللوحة، بما لم تألفه الذائقة العامة، والبورجوازية (البورجوازية بمعناها الاستاتيكي المحافظ) منها، على وجه التخصيص.
فعل الحياة، ومنذ سقوط آدم وحواء من على حفافي نهر العسل (اسطورة الخطيئة الأولى)، ينطوي على أحجية مريرة، لا تملك ما يكفي من مبررات الإقناع والتوصيل، ولهذا اخترع الانسان اللغة والكتابة، من أجل عملية التعبير عن رؤيته لنواحي الخلل في تلك الأحجية، ومن ثم إخترع وسائل التعبير عن تلك الرؤى، في هيئة الأجناس الأدبية... والتي كانت من بينها الرواية، كشكل لتدوين الإقتراحات الجمالية وطرح البدائل، وأيضا لتسجيل الإحتجاج على مفارقات وإختلالات بنية المعيش اليومي.
ووفق هذا التصور، تكون الرواية عملية خض وتقويض لمألوفات البنى الإجتماعية والقيمية، من ناحية، وعملية ردم لفراغات الحياة، وما أصطلح عليه بقوانينها، بالخيال، من ناحية أخرى، من أجل أن تكون أكثر جمالا، وأكثر إنسجاما مع نوازع الانسان وإشتهاءاته، التي ناصبتها الفلسفة العداء، بإعتبارها مناقضة لمنطق العقل، متناسية أن تلك النوازع والإشتهاءات هي جزء أساسي من تركيب وفطرة الإنسان، وهذا ما إشتغل عليه العملاق، غابريل غارسيا ماركيز، على سبيل المثال، في معظم رواياته، وبالأخص في رائعته (مائة عام من العزلة).
الرواية ليست عملية تجميل للواقع، على طريقة رؤية البدوي للجمال، عن طريق حجب أو تغطية الأجزاء غير الجميلة في سلوكه أو عاداته، بل هي عملية إختبار وتفكيك للوقائع وإقتراح البدائل الجمالية، مهما كانت مناقضة ومعادية للمألوفات، والإجتماعية منها، على وجه الخصوص.. وبهذا المعنى يكون مجال إشتغالها توريطيا ومقوضا وناسفا لأرضية أسس المسلمات، إجتماعية وقيمية، وإحلال بدائل عنها، أكثر جمالية وإنسجاما مع مخيال الإنسان وليس مع إحتياجات معيشه اليومي وقوانين الربح والخسارة التي تحكمه.
ويكمن إشتغال الرواية الحقيقي، في الوهدة التي تطفو فيها حيوات شخوصها وأحداثها عن أرض الواقع، لتبني حياة جديدة، تترك خلفها أوزار وأعباء الواقع اليومي ومراراته، وتفتح نافذة للتشوّف والتطلع ورؤية الحياة بلا آلام وبلا إنتظارات... وحرق المسافات والمراحل، بين مدى بصر الإنسان ونهاية نفق حياته... معيشه اليومي... والوصول به إلى نهاية تقبلها نوازعه وإشتهاءاته (هل عليّ أن أستخدم مصطلح علم النفس وأقول عقده النفسية؟) حتى وإن كانت بمنتهى المأساوية، وهذا هو بالضبط ما يسقط عن فن الرواية تهمة تزويق الواقع وغش المتلقي بالأوهام وأحلام اليقظة الكاذبة أو العصية على التحقيق.
الناس تقرأ الرواية لتتجاوز أو لتنسى همومها لبعض الوقت، كحد أدنى من القبول، وعليه يكون على الرواية تقديم أكبر قدر من الدهش والطفو على الواقع ومشاكله العصية على الحل، وهذا هو بالضبط ما تراهن عليه الرواية في خلق فرص إنضاج الأفكار وتيسيّر عملية قبولها في الوجدان الإنساني، كفرص ممكنات لعملية التغيير وإحلال البديل الأكثر إنسجاما مع فطرة الإنسان وصيغة الجانب البدائي في تكوينه الطبيعي الذي وجد عليه.. وهذا يعني أو يماثل، بطريقة من الطرق، عملية إلقاء حجر في مياه المستنقع الراكدة.. ولكن حجر الرواية، وبالتأكيد، هو أكثر مضاء من مجرد حجر اصم، لأن حجر الرواية الكبيرة، يجب أن يكون مشبعا بالكثير من الأفكار والرؤى الجديدة..، وأيضا الخاضة والدافعة للتفكير والتمرد على سلبية الحياة اليومية ورؤيتها بعين واحدة... وأيضا صبغ المعيش اليومي للأشياء من حولنا بلون واحد... لون قوانين الإتفاق البورجوازي أو سلطة المجموع الإجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع