الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميكافيلية الهوى

أحمد حمدي أبوزيد

2015 / 1 / 29
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


ميكافيلية الهوى

كثيرا ما يقابلنا الشعور بالندم تجاه تصرف أو سلوك معين قد فعلناه ، و ربما ! يكون هذا الشعور مصحوب ببعض عبارات اللوم و العتاب و أحيانا التعنيف لأنفسنا ، و تتوالي الأسئلة ، فلماذا لم أفعل كذا و كذا ، و لماذا لم أقول هكذا . و قد يصل المطاف بالبعض بأن يتخذوا من هذه الموقف درسا  ينفعهم في المستقبل القريب ، و البعض الآخر لا يستخلص العبرة أو الحكمة المرجوة من التجربة ، و ربما يقع في نفس الاشكالية أكثر من مرة بنفس سوء النتائج السابقة بل و ربما أكثر سوء .

و قد قابلت إحدي صفحات مواقع التواصل الإجتماعي و الخاصة بشؤون المرأة و تفنيد قضاياها علي الجمهور ، من باب الدردشة أحيانا ، و أحيانا أخري من باب عرض المشكلة و استطلاع الآراء المطروحة في شكل حلول مستخلصة من جمهور القراء . و علي تلك الصفحة قرأت مشكلة طرحتها مديرة الصفحة و هي عبارة عن رسالة بدون اسم من سيدة تبلغ من العمر ٣-;-٠-;- عاما ، مطلقة ، و طبيبة بإحدي مستشفيات التأمين الصحي . و علي "حد وصفها " فهي تقول ؛ أنها مميزة من ناحية الشكل الإجتماعي و الوظيفي و الجمالي أيضا ، و برغم أنها مطلقة إلا أنها تشعر بإستقرار نوعي في حياتها . و تبدأ في عرض مشكلتها ، فتقول : أنها تعاني أحيانا من بعض التناقضات ، فهي دائما ما تجلد ذاتها بعد تصرفات معينة تقوم بفعلها ، تجاه بعض زملاء العمل مثلا ! ممن  يحاولون في استمالة ( رغباتها المكتومة ) و سرعان ما تبدأ بتوبيخ نفسها ، إذ أن موقفها كان يجب ان يخلو من الابتسامة فقد ربما يعتقد بعض من يطربها بعبارات الإطراء انها تميل ناحيته ، ثم تعود بذاكرتها إلي الوراء ، فتقول كنت أثناء دراستي بكلية الطب ، أحفز نفسي بمكافاة ، ( أعشقها ) إذا استطعت ان أنهي جدول مذاكرتي علي أكمل وجه ، و قد كانت تلك المكافاة ثمة ترك المجال قليلا لإستمتاع جسدها ، بممارسة العادة السرية ، و الغريب في الأمر أنها تعترف بإدمانها لتلك العادة حتي أثناء فترة زواجها ، و تستطرد بأنها تكون في قمة سعادتها ! و هي تمارس الفعل نفسه . لكنها تحتقر نفسها بمجرد وصولها لمرادها ، و من ثم تستنكر في كل مرة " فعلتها " من أيام الجامعة الي يومها هذا الذي تكتب فيه رسالتها ، ثم تتوجه بتلك الأسئلة لنفسها و لجمهور القراء .
هل انا مريضة ؟ و لو كنت كذلك . فما هو تصنيف مرضي في جدول الأمراض ؟ و كيف أتعافي وأنا أضعف في كل مرة أفعل فيها تلك الفعلة ؟ و لماذا أستمر في فعلتي برغم أنني أوبخ نفسي و احقر منها ؟!
و تنهي رسالتها بعبارة صارخة فتقول ؛ ( أعرف ) أنني سوف أواجه تعليقات في منتهي السخافة من ضمنها ، ألا  " تخجلي من نفسك " ! ، و "بالتأكيد أنت ناقصة التربية و فاقدة الدين "  .
لكني علي يقين أن أغلب من سوف يقومون بالنقد اللاذع  هم أنفسهم من يعانون من نفس مشاكلي و اضطراباتي ، و ربما اكثر . و أعلم ان هناك من ستقرأ ثم تخرج في صمت . لأنني ضغطت بإصبعي فوق معاناة طويلة ظلت ترافقها في حياتها . أعلم أنني لست وحدي ، لكن جلد الذات أدماني ، فكفاني ملام و كفاكم مثالية .!

الحقيقة أن تلك الرسالة أعتبرتها " نموذج حي " في " جلد الذات " و " نقدها " و " تحفيزها " أحيانا من أجل الوصول إلي الغاية المنشودة و إسقاط الإشكالية الأخلاقية علي الآخرين من باب " لست وحدي " ، للتخلص من عذاب الضمير و خصوصا أنها علي يقين أن صمت الآخرون سيكون برهان يقيني لها بأن هناك من يفعل دون إعتراف ، فتلك القضايا الملتهبة في مجتمعاتنا ، تزداد تقرحا نتيجة لدفنها أسفل أعماقنا .

" نموذج واقعي " لمجموعة من التضادات ، و التناقضات ، أفضت بإزدواجية كاتبهاو قارئها في نفس الوقت . !
فهي تبدأ رسالتها بملف تعريفي يبهر القاريء ! من فرط الانتظام الإجتماعي و ربما يحقد البعض ! علي مكانتها الوظيفية و الاجتماعية بحسب وصفها .
ثم يقفز اشمئزازها و جزعها من نفسها بعرض المشكلة التي ترافقها طيلة حياتها ، ثم تلجم القاريء بالترهيب اللفظي ، فإن كان  التعليق فيه توبيخ ، فليتحسس صاحبه رأسه ثم يتحسس نظرات الاخرين  .
ثم تعري بعضهم ممن يعانون من نفس الإضطرابات ، لكنهم لا يملكون الشجاعة الكافية لمواجهة المجتمع ، بل لا يملكون الشجاعة لمواجهة أنفسهم  ،
ثم عبرت عن  إمتعاضها من أي عبارات لائمة بالتسويف لما قد يحدث ، و أن تلك العبارات التي تتوقعها لا تنفي عن صاحبتها الفعل ، بل ربما تلصقه بها  .
ثم تتبع المنهج الميكافيلي ( باحتراف ) في أن غايتها تبرر وسيلتها ، لكنها لم تبريء وسيلتها فحسب ، بل قتلت كل من سوف يتعرض لوسايلتها . التي هي في الاساس تراها صلب معاناتها .

" مقرر منهجي " في كيفية مواجهة النفس بإضطراباتها و كيفية إيجاد طرق فعلية واقعية حقيقية  للتخلص من أمراض ترافقنا ، بعيدا عن تلك النصائح الصماء التي يكررها الأطباء و الاخصائيين النفسيين علي مسامع مرضاهم في شكل روشتات كادت أن تقتل الملل بمللها .
و ربما قد شاركت تلك السيدة بعرض معاناتها النفسية التي طفحت منها لكي تنشرها علي الملئ فتسقط عن نفسها كاهل الذنب لتلصقه بجوانب الآخرين .

و لكني أربأ بالآخرين أن يعتلوا أبراج المثالية و يلقون بنظراتهم الدونية لمن يعترف بامراضه و إضطراباته النفسية ،  و ليس شرطا أن يكون الإضطراب المتعلق بالناحية الجنسية او الغرائزية فقط ، لكني أقصد الإضطرابات النفسية في العموم _ ففي رأيي الشخصي _ أن هذا الذي يعترف بمرضه ! ، بالفعل قد وضع أقدامه علي أول طريق العلاج ، بل و ربما إعترافه في حد ذاته يجعله انتصف طريق العلاج ، ويبقي النصف الآخر معلق علي إيمانه بالشيء ، إيمانه بالهدف الذي يريد الوصول إليه ، و من ثم إرضاخ الذات و هزيمتها . فكما قال " الشافعي " ( إن معركة الانسان في ذاته ، فمن استطاع منكم أن ينتصر على ذاته ، فهو قادر علي أن يخوض اي معركة بنجاح ) !

و في تفنيدي لتلك الحالة ( المنعجمة المشاعر ) أجدها قد افتقدت الإيمان بما تريد أن تفعل لانها لا تريد أن تتوقف عن ما تفعل  . نتيجة شعورها المزمن بأنها ضحية و جاني في نفس الوقت .
و تحضرني عبارة قالها " رالف والدو إمرسون "  ( إفعل ما تخاف )  ، لكنها بالتأكيد فشلت في أن تفعل ما تخاف في الإبتعاد عن تلك العادات . و هذا أمر طبيعي لأنها حجمت نفسها و إختزلت سعادتها في منتصف دائرة محيطها كان من ( الرغبة ، الحاجة ، المتعة ،الاحتقار  ، الجلد ) . فغالبا ما تكون اعتادت احتقار نفسها ، وجلدها  كهذا الاعتياد الذي أدمنته في ممارسة فعلتها  .

ولا أكاد ان أخفي هذا الشعور الذي راودني في أن تلك المشكلة المعروضة لم يكن الهدف منها البحث عن حلول واقعية للتخلص من معاناة حياتية ، لكن القصد الحقيقي منها هو إرساء بعض المفاهيم التي أرادت أن ترسلها للآخرين في شكل قصة حياتية تهدف منها أن تقول :
أن لا نصم عورات الاخرين بالتهكمات و الانتقاص من شأنهم ، فبعضنا موصوم بعورات أوقح . و التبعيض هنا حتي لا نغلق الدائرة الشريرة بقتامة السوداوية ، فربما بيننا من استطاع أن يتصالح مع نفسه أمام الملأ كما فعلت هي  ، لكن دون وصمات أخلاقية . مع كامل اعتقادي بأننا كلنا مرضي و كلنا نعاني ! " و من يعتقد في نفسه أنه سليم معافى مائة بالمائة فهو مريض مبتلي مائتان بالمائة " . و أن تلك الشخصيات " الأفلاطونية السليمة نفسيا " غير موجودة سوي في احلامنا . او في محاولة بحثنا عن إقتناص الأفضل لأنفسنا ، أو في احتكار  النبل و ( إقصائه ) علي ذواتنا .
لذا فإنه من الفضيلة أن لا نعلن فضيلتنا . و أنه من الآدمية أن نعترف بأمراضنا ،  و ان نواجه أخطائنا و أن نتخلي عن ادوار البطولة في تقديم الأخلاق التي ربما نفتقدها .
فكما قال ؛ " موليير " ( أن أكثر الناس تصديرا للفضيلة هم أكثرهم احتياجا لها ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| تصاعد أعمدة الدخان عقب اعتراض مسيرة في سماء صفد شمال إ


.. ضابط دفاع مدني يتفاجأ باستهداف الاحتلال منزله بحي الزيتون في




.. من الحرب إلى الموت.. مأساة سودانيين توفوا بطريقهم إلى مصر


.. ولي العهد السعودي: عدم تمكنا من المشاركة بقمة مجموعة السبع ت




.. سخرية من اتهامات حوثية.. معتقل يمني يواجه تهمة -التأثير على