الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام اللببرالية و خطاياها

سلامة كيلة

2005 / 9 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تبدو الليبرالية و كأنها الحلم الذي سيغيّر الوضع كله، لهذا تميل النخب إلى تكوين تشكيلات ليبرالية من أجل " المستقبل ". لكن تتكاثر هذه التشكيلات بطريقة لا توحي بأنها ليبرالية و ديمقراطية بالتالي، بل توحي بالطريقة " العصبوية " الضيّقة التي كانت تسم اليسار في السابق. و تشير إلى قلّة نضج، و سوء تعامل مع الليبرالية ذاتها. لكنها تشير بالأساس إلى الأساس الهشّ لليبرالية في البنية الإجتماعية. حيث أن حاملها من البرجوازية أو الطبقة الوسطى مشتّت و متنافر المصالح، و لا يميل في الغالب لا إلى الليبرالية و لا إلى الديمقراطية، و هو يتلطّى خلف السلطة لكي يحقّق مصالحه.
و بالتالي، فإذا كانت الصورة الليبرالية هكذا، فإن الأوهام الملقاة على الليبرالية ذاتها تدعو للتأمّل. فهل تحلّ الليبرالية أزمة الإقتصاد؟ و هل تؤسِّس لتحقيق التطوّر الإقتصادي، خصوصاً في مجال قوى الإنتاج؟ دون أن نشير هنا إلى التمايز الطبقي الذي تؤسِّسه أية سياسة ليبرالية، خشية الإتهام بالإنحياز الأيديولوجي ( رغم أن كل إنسان هو منحاز أيديولوجياً )، و بالتالي إعتبار أن الموقف من الليبرالية ناتج عن " تحيّزٍ أيديولوجيٍّ " مسبق.
و لاشكّ في أن الوضع الضاغط ، و القوّة التي تستمدّها السلطة من وجود " القطاع العام "، و أيضاً ما يتعرّض له هذا القطاع من نهب منذ عقود، و بالتالي التدمير الذي حاق به. كل ذلك يدفع إلى " الكفر " بدور الدولة الإقتصادي، و من ثَمّ الإعلاء من شأن الحرّية الإقتصادية و إقتصاد السوق. أي الإعلاء من شأن الليبرالية و إعتبارها البديل الوحيد. و هو الأمر الذي ترافق مع رفض الإشتراكية بعد أن كانت قد إنهارت ( و لأنها إنهارت بالتحديد )، الأمر الذي جعل التفكير بالليبرالية رومانسياً إلى أبعد الحدود، ليبدو الحل السحري لمشكلات واقعنا القائم. و هو الأمر الذي يفسّر كذلك كثرة التجمعات الليبرالية و تشتّتها.
لكن المسألة لا تتعلّق بردّة فِعل على واقع ضاغط . فالسؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: هل يحلّ إقتصاد السوق مشكلة التطوّر، الذي يتلخّص في بناء الصناعة و تطوير الزراعة، و بالتالي تحقيق التطوّر المجتمعي العام؟ هل ينزع الرأسمال الخاص في ظلّ سوق حرّة، و بالتالي مترابطة مع السوق العالمي، إلى التوظيف في القطاعات المنتجة؟ حيث أن أزمات البطالة و تحقيق الفائض الإقتصادي، و تعديل الميزان التجاري مع الخارج، و بالتالي تعديل ميزانية الدولة، و تطوير التعليم و الصحة، كل ذلك و مسائل أخرى تفترض بناء القوى المنتجة، و تأسيس بنية إقتصادية إنتاجية.
هذه المسألة هي التي تستأهل النقاش، لأن تأسيس مجتمع مستقرّ يفترض إستيعاب العمالة الوافدة، و تحسين الوضع المعيشي لمجموع السكان، و تحقيق التراكم الرأسمالي الذي يفضي إلى نشوء دينامية إقتصادية تحقّق التشغيل الأعلى للعمالة. حيث أن الأمر لا يتعلّق بأحلام بل بوقائع، لأن الواقع هو الذي يجعل الأحلام ممكنة أو أنه يلقي بها في سلّة المهملات. إن فكرة أن إقتصاد السوق قادر على أن يوجد التوازن الضروري و يحقّق التطوّر باتت فكرة قديمة في بعض الأوساط الرأسمالية العالمية ذاتها، و أصبح تدخّل الدولة ضرورة ملحّة حتى لدى أكثر الليبراليين حماسة لليبرالية. و الأمر أكثر تعقيداً في الأمم المخلّفة، حيث أن عالمية الرأسمالية و اللاتكافؤ الذي أوجدته، يمنعان أي ميل لدى الرأسمال لتحقيق التطوّر الصناعي و بالتالي المجتمعي. و هذه الفكرة جديرة بالنقاش لأنها تشير إلى ظرفٍ موضوعيّ و لا تؤشّر إلى ميل أيديولوجي، فالتشكيل الرأسمالي العالمي يؤسِّس لآليات تفرض إستمرار تمركز الصناعة في الأمم الصناعية، و بالتالي تؤسِّس لإستمرار الطابع الهامشي لإقتصادات كل الأمم الأخرى حينما تعتمد هذه الأمم على حرّية السوق، حيث تضع إقتصادها الهشّ في مواجهة إقتصادات متطوّرة و تمتلك ميزات هائلة و قدرات مالية ضخمة و خبرات عالية المستوى. و هو الأمر الذي يقود إلى دمار ما بُني و وقف الميل الإستثماري في القطاعات المنتجة الأساسية، خصوصاً في الصناعة التي باتت عماد أي إقتصاد قويّ و قادر على المنافسة.
و سياسات العولمة تقوم على الإفادة من هذه الميزات الهائلة من أجل الهيمنة على إقتصادات الأمم المخلّفة التي حاولت التمرّد خلال سنوات الحرب الباردة مستفيدة من وجود المنظومة الإشتراكية. و هي بالأساس سياسات الشركات الإحتكارية الإمبريالية و الطغم المالية التي باتت تعتقد بأن قوّتها العسكرية و الإقتصادية و السياسية تسمح لها فرض تكوين عالمي يقوم على تحكّمها به. و لهذا باتت سياسات الليبرالية الجديدة هي سياساتها في مواجهة الأمم الأخرى، لأنها تحقّق لها الوضع الذي تكون هي فيه القوّة القادرة على المنافسة و بالتالي على الهيمنة. و هذه الشركات تضغط من أجل إنتصار الليبرالية الجديدة في كل العالم، لأن الليبرالية الجديدة هي التي تهيئ الظروف لكي تتسيّد.
هذا الوضع هو الذي يفرض البحث الجاد في مشكلات الليبرالية هنا. حيث ستكون المدخل لتسيّد الإقتصاد الطفيلي، و إلى إلحاق إقتصادنا بالشركات الإحتكارية الإمبريالية، و بالتالي تعميق النهب الذي بدأ مع الفئات الحاكمة. لينتقل من إطار مشاريع و نهب، خدمات و نهب، كما هو الآن، إلى تعميق النهب و تراجع المشاريع و الخدمات، و بالتالي توسيع دائرة الفئات المفقرة، و تهميش الإقتصاد
إن ترك التطوير الإقتصادي لآليات السوق ( التي تفعل كالسحر في الإقتصاد )، لن يجدي شيئاً، لأن آليات السوق تفترض ميل الرأسمال الخاص إلى الإستثمار في القطاعات المنتجة لكي يحقّق التراكم الرأسمالي، و هي عملية تنعكس إيجاباً على كل التكوين المجتمعي. لكن هل الرأسمال الخاص يميل إلى ذلك؟ هنا يجب أن ندرس ميل رأس المال. و لما كان الربح هو المؤسِّس للإتجاهات التي ينزع إليها رأس المال، فسنلحظ بأن أي مشروع رأسمالي يتأسّس على ضوء ذلك. و بالتالي فإن المشكلة ليست في أننا نرفض الرأسمالية من منطلق أيديولوجي، بل نشير إلى أن الرأسمال لا يميل إلى تحقيق مشروعٍ مجتمعيٍّ ضروريٍّ، مشروع قامت به البرجوازية الأوروبية الناهضة، و يتعلّق ببناء القوى المنتجة الحديثة، أي الصناعة.
المسألة هنا تتعلّق بالتكوين العالمي لرأس المال، و ممكنات النشاط الإقتصادي الذي يدرّ الربح. أي أن هيمنة الرأسماليات الأوروبية الأميركية اليابانية على الصناعة و الزراعة و البنوك، هي التي تحدِّد القطاعات المربحة و القطاعات الخطرة نتيجة المنافسة، و كذلك القطاعات مستحيلة الإختراق. و هذه مسألة لا تحظى بإهتمام، لأن الميل " السياسي " هو الطاغي، و بالتالي يُهمل الإقتصاد، رغم أنه المؤسِّس لكل السياسات. فنشوء الإحتكارات في الصناعة فرض أن ينزح الرأسمال المحلّي إلى النشاط في قطاعات مكمّلة، مثل التجارة و الخدمات أو البنوك. لأن هذه القطاعات لا تعاني من أخطار، و هي تدرّ الربح كذلك.
و مادام الرأسمال مرتبط بإقتصاد السوق، و بالتالي بالمنافسة، فإن الإحتكارات الإمبريالية ستبدو كإحتكارات عالمية، أي ذو تأثير في مجمل الإقتصاد العالمي القائم على إقتصاد السوق. و هو الأمر الذي جعل نشاط الرأسمال المحلّي يبتعد عن المخاطرة، لهذا فهو ينشط في القطاعات المكمّلة بدل النشاط الصناعي ( و ربما في الصناعات الهامشية و الزراعية الممكنة فقط ). و هو الوضع الذي لا يسمح بتجاوز التناقضات الداخلية عبر خلق ديناميكية إقتصادية يوجد فرص عمل و تحقّق التراكم الرأسمالي. و بالتالي يزيد من حدّة الصراعات المحلّية.
هذا الوضع يجعل إقتصاد السوق إشكالياً، حيث من الضروري من التحكّم بأثر الإحتكارات العالمية في الإقتصاد المحلّي من أجل التمهيد لتحقيق التطوّر، عبر الحدّ من أثر اللاتكافؤ القائم و إختلال توازن القوى الإقتصادية. و هو الأمر الذي فرض دخول الدولة مجال النشاط الإقتصادي، لأنها منْ يفرض الحماية التجارية، كما أنها تمركز الرأسمال لتشكيل مشروع إقتصاديٍّ ضخم. و على ضوء هذه الضرورة يمكن أن نناقش إشكالية النمط الذي تأسّس منذ الستينات لتلمّس الأسباب التي جعلته إستبدادياً و قادت إلى تأزّمه و إتّجاهه نحو الإنهيار.
و إذا كان دور الدولة ضرورة في إطار الوضع العالمي للرأسمالية، فإن ذلك لا يعني إلغاء الملكية الخاصة، بل يعني تحديداً أن تلعب الدولة دوراً أساسياً في بناء القوى المنتجة و حماية السوق المحلّي، دون أن تمنع الرأسمال الخاص من النشاط الإقتصادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يدعو إلى «تحالف كبير» في مواجهة اليمين المتطرف


.. الألعاب النارية سلاح المتظاهرين في فرنسا




.. الانتخابات البرلمانية الفرنسية.. اليمين المتطرف يقترب أكثر م


.. اشتباكات بين متظاهرين والشرطة الإسرائيلية بالقدس للمطالبة با




.. وجه فرنسا يتغير.. اليمين المتطرف يتصدر الانتخابات البرلمانية