الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو الشيخ.....؟

قحطان محمد صالح الهيتي

2015 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


ما أكثرهم اليوم شيوخ الدين والعشائر، فلقد تسمى بهذا اللقب كل من هبَّ ودبَّ حتى صار الشيوخ بعدد الرعية. في كل يوم يطل علينا رجل أطر اسمه بهذا اللقب دون أن يعرف ما المقصود به، وقد تفشى هذا اللقب حتى لُقبَ به الكثير ممن لا يجيد القراءة والكتابة؛ والصحيح أنها لا تطلق إلا على من يستحقها، إما لكبره، أو لشرفه وسيادته في قومه، أو لعلمه.

لقد وردت كلمة شيخ في القرآن الكريم في أربعة مواضع هي قوله تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) هود:72 . وقوله عز وجل: (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف:78. وقوله تعالى: (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) القصص:23، وأخيرا قوله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) غافر:67.

فكلمة الشيخ لا تعني في القرآن العالم أو الفقيه في الدين، أو سيد القبيلة أو العشيرة، أو أنها بضاعة تشترى من قبل من يدفع ثمنها. إنما تعني الرجل الكبير في السن. وتعني كلمة (شيخ) في اللغة العربية كل ُّمن استبانتْ فيه السن وظهر عليه الشيبُ، وقيل هو شَيْخٌ من خمسين إِلى آخره، وقيل هو من إِحدى وخمسين إِلى آخر عمره، وقيل هو من الخمسين إِلى الثمانين. والجمع شيوخ وأَشياخ ومَشايِخُ.

فالشيخ وعلى وفق ما ورد بالقرآن الكريم لا تكون إلا للكبير في السن، ويطلق على أي رجل كبير في السن سواء كان مسلما أو غير مسلم، عالما أو جاهلا كونه مرحلة عمرية يمر بها الناس كافة.

ومع ذلك يجوز إطلاق كلمة (شيخ) لغةً وعُرفا على مَن يكثر علمه، ويشتهر بالمعرفة بين الناس؛ لأن هذا المعنى له علاقة بالمعنى السابق؛ إذ المشيخة -التي هي كبر السن وتقدمه -يفترض أن تكون سببا في زيادة العلم ودقة المعرفة، الخبرة والتجربة، ولهذا أطلقوا على من حاز المعرفة وصف (الشيخ)، كما يقول الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات في غريب القرآن (ص/469): " يقال لمن طعن في السن:(الشيخ)، وقد يُعبّر به فيما بيننا عمن يكثر علمه، لمَّا كان مِن شأن (الشيخ) أن يكثر تجاربه ومعارفه “. وعلى هذا الأساس لقب العالم بأمور الدين بالشيخ توقيرا له مثلما يوقر الشيخ الكبير. كما لقب به سيد القبيلة والعشيرة ورئيسها لمكانته فيها. فهو إذن لقب لصاحبه لعلمه أو لمكانته، ولا ينتقل بالوارثة كما جرى العرف عليه حيث يلقب ابن الشيخ بالشيخ. ولا يوهب من أحد كما هو الحال عندما يمنح الحاكم هذا اللقب لمن يريد كسب وده.

ما نراه اليوم أن (الشيخ) صار لقبا لكل من هبَّ ودبَّ، للجهلة والفتيان وغدا كنية لمن يظن أنه تزيده وقارا بين الناس دون أن يعرف معناها الحقيقي وهو الكبر في العمر. وصار لقبا لكل من يحصل على شهادة اكاديمية في العلوم الشرعية، وحتى لخريجي الاعداديات الإسلامية ممن يتولون شؤون الإمامة والخطابة والإرشاد في الجوامع. وهذا غير صحيح فلا يليق تلقيب طالبٍ مبتدئٍ في العلوم أو شابٍّ حديث السِّنِّ (بالشيخ) حتى لو اكتسب بعض العلوم أو تخرَّج من جامعة شرعية أو مركز للعلوم الشرعية، لأن المناهج الدراسية المتَّبعة قصيرة المدة ولا تفي بالغرض ولا تغطي المطلوب.

أما بخصوص العشيرة فلابد من رجل واحد يرأسها ويكون هو المرجع الأول والأخير فيها مخولا من قبل أفرادها وأبنائها من اجل الوحدة ولم الشمل، ولا بد أن يكون ذا أخلاق عالية وحسنة، وأن يكون محنكا، كريما، وشهما، شجاعا مقداما، حليما، متواضعا، فصيحا، لبيبا، طلق اللسان قوي الحجة ذا عقل راجح، وفكر مستنير، ونظر بعيد يفكر في العواقب، ويحسب لها ألف حساب حتى يستطيع دفع الظلم والحيف الذي يواجه عشيرته، وهذا الرجل هو من عرف بالشيخ.

وقد جرى العرف أن يكون هذا المنصب وراثيا أبا عن جد، فإذا مات يرثه أبنه أو أخوه وإن كان الابن صغيرا وهو الوحيد الأحق بالشيخة فأنه يكون تحت الوصاية حتى يكبر وفي هذا مضيعة للوقت بسبب هذا العرف. فلماذا لا يتقلده الوصي طالما أنه هو الذي يتحمل مسؤولية توجيه وارشاد (الشيخ الصغير)؟ ولماذا لا يتقلد هذا المنصب من تجد العشيرة فيه كل مواصفات الشيخ حتى لو كان من غير بيت المشيخة؟

إن وراثة المشيخة لا تعني أن يتولاها جاهل أو قاصر غير مدرك لعواقب الأمور لمجرد أنه ابن الشيخ المتوفى ليملأ الفراغ ويسد الشاغر الذي تركه والده. كما لا تعني أنها صفة يجب أن يحملها جميع افراد العائلة، فهي لقب يكون لمن نال ثقة القبيلة او العشيرة في حياته، وهي ليست ملكا مشاعا لأصول الشيخ وفروعه وحواشيه فيلقبون أنفسهم بالشيوخ لمجرد القرابة والنسب. كما أنها ليست ميراثاً يقسّمُ على وفق القسام الشرعي.

ولقب الشيخ ليس هبة يهبها الحاكم لمن يشاء بإرادة ملكية أو مرسوم جمهوري. كما أنها ليست عقارا يشترى ويسجل في دوائر التسجيل العقاري. وهو ليس منصبا يُستملك بالمال الذي صار اليوم في متناول الكثير، وصارت طرق الحصول عليه كثيرة سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة. وليست المشيخة مجرد سيارة وحماية وقصر ومضيف وعباءة وكوفية وعقال. فالشيخ كما هو معروف من (تشيخه) عشيرته.

اليوم صرنا نَبيت ليلنا على شيخ فنصبح على شيخين، فضلا عن ظهور مسميات جديدة منها (شيخ مشايخ) و(الشيخ أمير عشائر) و(شيخ عموم) و(شيخ عشائر) وغيرها من الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، وماهي إلا القاب للفخفخة والتبجيل، وصار من يدعي بها يطالبنا بأن نقولها له حتى لو كان موظفا أو مسؤولا إداريا أو أستاذا جامعيا ويزعل علينا حين لا نناديه بها.

نريد اليوم رجالا وطنين، عراقيين يحبون العراق قبل حبهم لأنفسهم. نريدهم مثلنا رعية لا شيوخا علينا، فقد تعبنا منهم وعاضا لم يقدموا لنا مما قالوه فعلا، ونريدهم قادة في الميدان، لا وجوها في الفضائيات، نريد منهم أن يكونوا منا ولنا ومعنا ومثلنا محبين للعراق والعراقيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد تأكيد مقتل هاشم صفي الدين.. ما تأثير ذلك على حزب الله؟


.. الجيش الإسرائيلي يرصد صاروخين في منطقة حيفا




.. سقوط عدد من الصواريخ أطلقت من جنوب لبنان على منطقة روش بينا


.. استشهاد طفل إثر إطلاق الاحتلال صاروخا على مدرسة لنازحين بدير




.. كولومبيا وإسبانيا تجليان رعاياهما من لبنان