الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب يضرب في الأعماق

فوزي بن يونس بن حديد

2015 / 1 / 30
كتابات ساخرة



الحديث عن الإرهاب ليس أمرا يسيرا ولكنه أيضا ليس عسيرا، وبين اليسر والعسر تتشكل مفاهيم الإرهاب القديمة والحديثة وتتعقّد حسب الأيديولوجيا الواقعية لكل عصر، وتتحدد حسب التوجهات السياسية المتنوعة والمتباينة أحيانا، غير أننا يجب علينا كمسلمين أن نقف عند حدوده وحقيقته وتداعياته حتى نفهم كنهه وما يرمي إليه، فالإرهاب عموما في مفهومه لا يتعدى كونه ترويع الآخر دون ذنب اكتسبه أو جرم اقترفه، ولكن يحمل مفاهيم متعددة بعد أن صار الكل يتشدّق به وكأنه صنع اليوم بينما هو قديم قدم التاريخ، ومنذ مجيء الدين الحنيف حدّد الإسلام ضوابط التعامل مع الآخر مهما كان نوعه في إطار من الإنسانية لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، فالرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوة التوحيد تعرض لكل أنواع الإرهاب بمفاهيمه المجملة والتفصيلية، فكان أبو لهب وهو عمّه من أكثر الناس المحرّضين على إيذائه بل كانت امرأته تضع الأشواك في طريقه صلى الله عليه وسلم حتى تصيب جسده الشريف فنزلت فيهما سورة تتلى إلى يوم الدين وهي سورة المسد إذ قال سبحانه وتعالى: " تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى نارا ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسد." بينما عمّه الآخر أبو طالب كان يدافع عنه من مكر قريش وخبثها وإرهابها، وظل على العهد إلى حين وفاته، ورغم جواب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الحاسم لعمه أبي طالب أنه لا يترك الدين الجديد مهما كلّفه الأمر فإن أبا طالب لم يتوان لحظة واحدة في الدفاع عن نبينا الكريم.
في بداية الدعوة المحمدية تعرّض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه لمضايقات شديدة من قريش وأبنائها، حتى طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم بالدفاع عن أنفسهم وأن يردّوا على الاعتداء المقيت والإرهاب غير المبرر غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصابرهم ويأمرهم بالصبر على الأذى وتحمّله وتلك سمة تميز بها المسلمون عن غيرهم من البشر حينما يعتدى عليهم من أي جهة من الجهات، تعلموا كيف يردون الأذى بالتحمل أولا والتأني في الرد وعدم المجازفة حتى لا يخسر المسلمون كل شيء، وعندما نجح المؤمنون في امتحان امتصاص غضب العدو من خلال السلوك الحضاري الذي كانوا يتسمون به صاروا في موقع قوة ومنعة قادرون على تغيير الموجود والمألوف إلى الأفضل والمأمول، وهو الخروج من حالة الجهل والأمية والاستبداد والاستعباد وجو من الحرية والعزة الكرامة، وهو ما كان يأمله الفقراء والعبيد والمحتاجون من قريش، وهو ما كان يبغضه زعماء قريش وكبراؤها، ولتأمين زعامتهم لجؤوا إلى العنف والقوة كوسيلة لردع هذه الفئة المؤمنة، لكن ما الذي حدث؟ اصطدموا بحواجز نفسية وأخرى إيمانية تقف صامدة في وجه العنف والعنجهية البربرية.
واستمرت محاولات الصدّ خوفا من إقامة العدل والمساواة ومحاسبة الفاسدين حتى وصل الأمر إلى التهديد بالقتل، وقد عزمت قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من بيته الشريف إلا أن العناية الربّانية تدخلت لحماية سيد المرسلين وأعمت أبصارهم وهو يخرج من بين أيديهم في موقف تعجيزي معجزي "وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون"، هاجر النبي الكريم على إثر الحادثة إلى المدينة المنورة التي استقبلته بفرح وشوق كبيرين مرددين "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا، مرحبا يا خير داع " وأقام بها خير قيام وأسس على أرضها دولة الإسلام الراسخة على قيم العدل والمساواة والمبادئ العليا من العفو والصفح والتسامح فدخل الناس في دين الله أفواجا يعلنون إسلامهم أمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، معلنين خلع رداء الجاهلية والعصبية وكل أنواع العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، ربّى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه على الخلق العظيم وحسن التصرف حتى مع الأعداء، وصارت قريش على أهبة الاستعداد لإرهاب المسلمين الذي أبوا إلا أن يعلنوا أنهم صامدون على الحق مهما كلفهم الأمر.
وحين التقى الجمعان كانت وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم تُشنّف بها الآذان وتصدح بها الألسن وبلغت الآفاق في التعامل مع الإنسان في أي زمان ومكان، ومن لم يلتزم بهذه المعاني الراقية فهو إرهابي من الطراز الرفيع. قال رسول الله يوصي الجيش: "أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا، اغزوا باسم الله في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا ولا منعزلا بصومعة ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناءً".
هذه وصية عظيمة إلى جيش المسلمين قبل مسيره إلى مؤتة لمحاربة الروم، وهي جديرة بأن تتلى مرارا ويتدبرها رؤساء الجيوش في العالم قاطبة ويعملوا بمقتضاها حرفا حرفا - إن كان لا مناص عن الحرب ولا مفر منها –فالإسلام لا يعتدي على الآخر بأي حال من الأحوال باسم الإسلام أو لشبهة أنه كافر أو مشرك إلا إذا اعتدى عليك أو مارس في حقك أي نوع من الأذى، وحتى في أعمق الحروب كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي المجاهدين من أصحابه أن لا يجهزوا على جريح ولا يمثلون بالجثث ويعاملون الأسير معاملة راقية تنم عن حضارة إسلامية ثاقبة وفائقة في التعامل مع الآخر مهما كانت شدة اعتدائه عليه وإرهابه لهم.
ولعل السيرة الزكية للنبي عليه الصلاة والسلام هي النور الذي يستضيء به المسلمون في كل مكان يفهمون أخلاقه وتعامله مع الناس أجمعين فقبل بعثته كانوا يسمونه الصادق الأمين وبعد بعثته ازدادت ثقته برب العالمين وكان السراج المنير والهادي إلى سواء السبيل بروح من الله وعون منه، بل إنه صلى الله عليه وسلم نهى المؤمنين عن ترويع بعضهم بعضا في قول مشهور عنه " من روّع مؤمنا روّعه الله يوم القيامة" وفي ذلك تشديد واضح على عدم الاعتداء على أي كان ومهما كان توجهه وعدم إكراه الناس على فعل أو اعتقاد يرفضونه واحترام الأديان الأخرى اليهودية والنصرانية ومعاملة أتباعهما بالحسنى، فالإسلام في حقيقته ينبذ العنف بجميع أشكاله وألوانه وينبذه أكثر حينما يستخدم الدين وسيلة لتحقيق مآرب أخرى.
فالكيد للإسلام بدا واضحا من خلال اتهام المسلمين أو الذين يرتكبون أعمال عنف باسم الإسلام بالإرهاب، غير أن الإرهاب يشمل كل عمل فيه اعتداء على الآخر وهذه هي حقيقته التي نبحث عنها ونروج لها، فكل من يروج لأفكار باسم الدين أو العرق أو المنهج أو العقيدة بالقوة والعنف فهو إرهابي، ويدخل في هذا التعريف الأديان الأخرى والمعتقدات السائدة في المجتمعات فهي ليست بريئة عن الأعمال الإجرامية التي تحدث بين الحين والآخر، وإلصاق الإرهاب بالإسلام تهمة باطلة أريد بها باطل وهو الكيد للمسلمين في كل مكان وإضعاف روح الإسلام في قلوبهم، كما أن الفهم الخاطئ عند بعض المسلمين جعلهم ينجرفون وراء العاطفة التي تؤدي بهم أحيانا إلى التهلكة ظنا منهم أن هذا هو الجهاد في سبيل الله، فكلما حدثت مشكلة في العالم وكان وراءها مسلمون قالوا الإرهاب يضرب العالم وعندما يكون وراءها آخرون من جنسيات المعتدى عليهم لا سيما في الغرب قالوا مختل أو مجنون، كيف يستقيم هذا المعنى؟
لا بد قبل الحديث عن مؤتمرات للبحث عن وسائل لمكافحة الإرهاب، أن نبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى نشوئه في البلدان، ومعالجتها معالجة جذرية، لأن الإرهاب لا يكون من طرف واحد في العالم إذ يمكن أن تتبناه جهات متعددة وتمارسه دول بأكملها، وما الذي جعل هؤلاء يسلكون هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، وهل هذا هو الصواب فيما يفعلون؟ إن الشباب الذي ظهر ويظهر على القنوات التلفزيونية معصوبي الأعين ويتوعدون العدو المفترض لديهم لم يخرجوا جزافا بل إن هناك أسبابا مقنعة أحيانا لخروجهم من بينها الظلم والاستبداد والإجحاف والإحباط عندما لا يستطيع أن يمارس الشاب حياته الطبيعية ويرى الآخر يستغله ويستفزه وربما يحتقره ويقلل من شأنه سينفد صبره وسيعلن الحرب على كل من يقوم بهذا الفعل.
فالإرهاب منشؤه الأساسي إما العجرفة والطغيان أو محاولة استفزاز المعتدي واستدراجه لأخذ الحق منه، أو تبني مفهوم مغالط للجهاد، هذه الحالات كلها نعيشها اليوم، فالأول يمثله الإرهاب الصهيوني الغاصب للقدس الشريف والمحتل لأراضي الفلسطينيين، فقد عمد الصهاينة إلى إرهاب الفلسطينيين وقتلهم عمدا شيوخا وأطفالا ونساء كما في غزة مرات ومرات، والولايات المتحدة الأمريكية تبرر الجرائم النكراء بالدفاع عن النفس، وأما الثاني فيتمثل في الثورات على الظلم والطغيان والاستبداد فحينما لا تجد الثورات مبتغاها بالطرق السلمية يلجأ الثوار لاستفزاز الدولة حتى تستجيب لمطالبهم فتحدث الفوضى وينتشر الرعب في كل مكان وقد يعمد البعض إلى الاعتداء على الآمنين، بينما الثالث هو الذي نعاني منه اليوم وهو الذي يتبنى الجهاد بمفهومه المخالف للشريعة الغراء، فظهرت مجموعات تنظيمية مدعومة ماديا ومعنويا من جهات تحارب الدول باسم الإسلام وتقطع رؤوس الأبرياء في مشاهد مؤسفة ومؤلمة حقا، خربت البيوت الآمنة، اعتدت على النساء والأطفال والشيوخ، اغتصبت الفتيات، تعمّدت تجويع وترويع الأطفال والرضع، مات كثير من الناس بدون وجه حق، وانتشرت الفوضى وعمّ القتل والبلاء وصارت الدول الإسلامية في محنة كبيرة لم يشهد التاريخ مثلها، استغاثت المنظمات بكامل فروعها ورصدت اللاجئين وأطلقت صرختها العالية في جميع البلدان أنها لم تعد تتحمل الكم الهائل من اللاجئين وأنها بحاجة ماسة للمال والغذاء والكساء في وقت تجمدت فيه الأعضاء للبرودة الشديدة التي ضربت المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد