الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراعات مقنّعة بالجمال – قراءة في رواية -عن الجمال- للكاتبة الإنكليزيّة زادي سميث

كلكامش نبيل

2015 / 1 / 30
الادب والفن


تناقش الكاتبة الإنكليزيّة من أصول جامايكيّة زادي سميث في روايتها الطويلة "عن الجمال" موضوعات عدّة تتراوح من الفن والحياة الأكاديميّة، مرورا بالحياة الأسريّة والعلاقات الإجتماعيّة، وعلاقات الأبناء بالأباء، وليس إنتهاءا بالصراعات الفكريّة التي تعصف بعالمنا، وحقوق الأقليّات العرقيّة والدينيّة، والإستغلال الجشع الذي تتعرّض له بعض الشعوب. فعلى الصفحات ال860 للرواية التي تأخذنا في رحلة على ضفّتي المحيط الأطلسي، بين بريطانيا والولايات المتّحدة، نقرأ عن حياة الكثير من الأشخاص من خلفيّات فكريّة وعرقيّة وثقافيّة مختلفة، لنشعر بالتعاطف معهم تارة، ونصاب بالملل معهم تارة أخرى، قبل أن تحتدم الأحداث وتزداد تشويقا في الجزء الثالث من الرواية والمعنون "عن الجمال والخطأ".

تناقش الرواية الحياة الأكاديميّة، والعلاقات الغراميّة بين الأساتذة تارة، وبين الأساتذة والطلبة تارة أخرى، كما تناقش رتابة "الفقاعة الأكاديميّة" – إن صحّ القول – وكيف أنّ بعض الأساتذة لا يجيدون عمل شيء آخر ولا يواكبون حتّى التكنولوجيا الحديثة. تناقش الكاتبة وضع جامعة ويلنغتون وكيف أنّ العديد من الناس ينظرون للإنضمام لهذه الجامعة على أنّه إمتياز يحقّق لهم المزيد على الصعيد المعنوي، وكيف أنّ العمل فيها وحده لا يجعل الشخص حقّا جزءا من ذلك العالم الذي ينظر الآخرون إليه بإعجاب.
أغلب الرواية تتمحور حول عائلتي الدكتور بيلسي – وهو بريطاني أبيض من الطبقة العاملة في الأصل – متزوّج من كيكي – وهي إمرأة سوداء – وصراعاته مع الدكتور كيبس – وهو أستاذ محافظ أسود البشرة ينضم حديثا للجامعة. كلا الأستاذين يدرّسان مادّة تاريخ الفن، وكلاها من بريطانيا وقد إنضمّا حديثا لجامعة ويلنغتون. يدور أغلب الصراع على الخلافات الفكريّة بين بيلسي الليبرالي وكيبس المحافظ، حول أمور أكاديميّة كنقدهما لأعمال الفنّان رامبرانت، وحول قضايا أخرى تتعلّق بقبول الطلبة في الكليّة ومنح من لم يكمل تعليمه الثانوي ولكنّه يتمتّع بمواهب معيّنة الفرصة لإكمال دراسته العليا. ويحتدم الصراع حول نظريّاتهم السياسيّة وكيف أنّ كل شخص ينظر إلى الآخر وكأنّ فكره سطحي وشمولي ومرعب، غير مدركين بأنّ لكلّ منهما مباديء ووجهات نظر من جانب ما. فبينما يدين الدكتور بيلسي رفض إستضافة كيبس لفيلسوف له آراء لا تتّفق مع إسرائيل ، وكونه يحرّض على معاداة المثليّة الجنسيّة، يتّهم كيبس زميله مونتي بأنّه يصادر حقوقه كمسيحي في التعبير عن رفضه لقضايا معيّنة معتبرا أنّ من حقّه – ووفقا لمباديء حريّة التعبير الليبراليّة أن يعبّر عنها – ويتّهم الليبراليين بالتضيّيق على الفكر المسيحي المحافظ وأيضا دور بيلسي في منع إعطاء المسلمين مكانا للصلاة في الجامعة. تحتدم الصراعات بين الأستاذين ولا يتّفقان أبدا حتّى النهاية، لأنّ كلاّ منهما يعتبر فكر الآخر خطرا يتهدّده، ويحاول مصادرة حريّته.

على الجانب الإنساني، نجد كلاّ من الأستاذين الكهلين منغمسين في علاقات حب مع طالبات يصغرنهم سنّا، فكيبس مع شانتيل، وبيلسي مع فكتوريا، إبنة خصمه الشرس. وتصوّر بشاعة الخيانة الزوجية من خلال إقدام كيبس على الدخول في علاقة قبل ومباشرة بعد وفاة زوجته، في حين يقيم بيلسي العلاقة مع فكتوريا في يوم وفاة والدتها نفسه. ويبدو أنّ المغامرات النسائيّة للدكتور بيلسي تنتهي بإنفصام زواجه من كيكي والذي دام ثلاثين عاما، كانا يحرصان فيها على أن يبدوا كزوجين مثاليّين.

تتّهم بيلسي زوجها في النهاية بأنّه لا يمتلك فكرا معيّنا، وبأنّه يخاف من كل من يؤمن بمبدأ واضح وصريح – تقصد بذلك خصمه كيبس – وتتّهمه بالسخرية من كلّ المشاكل وتجاهلها بتلك الأساليب الساخرة، وتذكر له كيف أنّ إبنه جيروم الآن مسيحي مؤمن، وهو يتجاهل ذلك ويسخر منه رغم أنّه قراره ويجب أن يحترمه ويناقشه بجديّة.

أما ليفي - إبن عائلة بيلسي الأصغر – فنراه ينغمس مع جماعة من الهايتيّين الذين يناضلون من أجل إيصال صوتهم للعالم، ويشارك في تظاهراتهم وأنشطتهم في بوسطن وويلنغتون، وهو ما يقلق والدته. ويلوم ليفي في النهاية أهله بأنّهم يساهمون في إستغلال هؤلاء الفقراء – من خلال دفع أربع دولارات في الساعة للخادمة الهاييتيّة التي تعمل لديهم – ويذكر بأنّ لوحة ما يمتلكها كيبس هي ملك الشعب الهاييتي ويجب أن تعود لهم، ولهذا يقدم على سرقتها من مكتب كيبس في الكليّة، وتكتشف الأم ذلك وينقذ وجود إهداء لها من السيدة كيبس قبل وفاتها – وهو ما أخفته العائلة خوفا من ضياع مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه إسترليني بسبب تلك الوصيّة الحمقاء في نظرهم – ينقذ ذلك ليفي من الإشكالات القانونيّة إلاّ إنّها لا تخفي قلقها من إنجراف إبنها مع الهايتيّين رغم أنّه لم يكن يعرف قبل عام أين تقع هاييتي على الخريطة، في إشارة إلى إندفاعات الشباب في تأييد بعض القضايا في سنيّ المراهقة.

تناقش الرواية أيضا من خلال حوار بين كيبس وكيكي – زوجة بيلسي – أوضاع السود في أميركا، فهي ترى بأنّ كونداليزا رايس وكولن باول وكيبس أيضا من السود المحافظين الذين تتشابه أفكارهم مع البيض تماما، ويكادون يكونون منفصلين عن شعبهم كما تقول، وتتّهمهم بأنّهم يحاولون تصوير وصولهم إلى مناصب عليا على أنّه تحقيق لكل المطالب ونيل لكل الحقوق، ولكنّ الأمر ليس كذلك كما ترى. إلاّ أنّ كيبس يعترض على ذلك ويقول بأنّ "الفرصة هي حق وليست منحة، وعلى المرء أن يكتسب حقّه. ولا بدّ أن تأتي الفرص من خلال القنوات المشروعة، وإلاّ سيفقد النظام قيمته بشكل جذري." ويذكر لها وضع طالبة صادفت خروجها باكية من منزله، وكيف أنّها كانت تريد دعمه للحصول على مكان ليس من حقّها في جامعة ويلنغتون فقط لأنّها سوداء وفقيرة وترتاد ذات الكنيسة التي يرتادها، لكنّه رفض وأكّد لكيكي موقفه قائلا، " ما دمنا نشجّع ثقافة التفكير كالضحايا فسوف نستمر في تنشئة ضحايا جدد، وعلى هذا تستمر دائرة التكاسل عن العمل." ونرى بأنّ كيكي تتّفق معه في النهاية وترى بأنّ أولادها حقّقوا ما هم عليه لأنّها دعمتهم وكانت تقول لهم بأنّ عليهم العمل عشرة أضعاف ما يقوم به زملاءهم البيض من أجل نيل حقوقهم. لكنّ ليفي نفسه يتّهم والدته بأنّها منسلخة عن جذورها السوداء وتزوّجت رجلا أبيض وتعيش في عالم آخر يختلف عنهم، كما يذكر لها كيف انّ معظم الفنّانين قد ماتوا وهم يتضوّرون جوعا ولا يعرفون شيئا عن الأموال الطائلة التي يربحها العاملون في نقد الفن وسوقه الآن من وراء أعمالهم.

بالإضافة إلى كل هذه الإشكالات العرقيّة والإجتماعيّة والسياسيّة، تعجّ الرواية بذكر لموسيقى موتسارت، لاسيّما قدّاسه الأخير، بالإضافة إلى العديد من أعمال رامبرات – التي تشكّل الصراع الأكاديمي الأساسي في الرواية – وكذلك عشرات أعمال الفنّانين الآخرين، وتعريفا بأوضاع هاييتي وموسيقاها الشجيّة، لنغرق في جوّ من الموسيقى واللوحات والكتب والشعر بشكل يدلّ على ثقافة عميقة تحملها الكاتبة سميث.

في النهاية الرواية جميلة وتستحق القراءة، وإن كانت رتيبة بعض الشيء في فصولها الأولى، إلاّ أنّ الجزء الثالث يشدّ القاريء بقوّة ليلتهمه بسرعة وتشوّق.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي