الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين التاريخ والدراما .. متى اللقاء؟!!

يسرا محمد سلامة

2015 / 1 / 31
الادب والفن


الأمة التي لا تاريخ لها لا مستقبل لها، والشعب الذي لا يعرف تاريخ أمته شعب أضاع هويته، والتاريخ لا يُعرف إلا إذا عُرفت مصادره، إذ أن دراسة التاريخ دراسة قصصية وروائية لا تكفي لتكوين المعرفة الحقيقية الصحيحة، التي نستطيع أن نُسميها علم التاريخ؛ فدراسة التاريخ تحتاج أولاً إلى معرفة مصادره ومراجعه، مع تدقيق وتمحيص ونقد واستخلاص نتائج ومنهج يضبط ذلك كله.
تنقسم المصادر التي يستقي منها المؤرخ ودارس التاريخ بوجه عام الحقائق والمعلومات إلى ما يلي:الآثار والنقوش، المخطوطات، الوثائق، المؤلفات، الدوريات، وأخيرًا المشاهدة الفعلية والتحقيقات الشخصية
التاريخ والهوية
كان لتلك المقدمة ضرورة مُلحة؛ لأبدأ حديثي عن ما أود قوله، فإذا كان تاريخ أمةٍ ما، يُعد ركنا أساسيا في هويتها، فإن الفن وما يُقدّم خلاله من أعمال درامية يُعد هو الآخر ثقافة أمة ويسير في خطٍ متوازٍ مع تاريخها، لأننا لو اعتبرنا التاريخ نبض ماضٍ عاش فيه أسلافنا، فالفن نبض حاضر نعيش فيه نحن، وهو مرآة لواقع نتعامل معه يوميًا.
وعلى المبدع أو من يقوم بنقل هذه الصورة الواقعية في أى عمل درامي أن يمتلك أدواته جيدًا، من موهبة، وقدرة على إقناع، وأسلوب حواري مميز، وانتقاء الفكرة التي تجذب المشاهد، وهى أمور لابد من توافرها في أى عمل، يود مؤلفه أن يَرقى به، ويدخل معه وبه في ذاكرة المشاهدين على مر السنين.
لكن، على كاتب العمل الدرامي التاريخي عبء آخر غير ما ذكرته، هو توصيل هذا الحدث التاريخي بكافة تفاصيله دون ملل أو إسهاب للمشاهد، وهذا يحتاج مهارة غير عادية من الذي يريد القيام بهذا العمل، فجهوده في الكتابة هنا مُضاعفة؛ لأنه لزامًا عليه أن يكون قارئا للتاريخ ودارسا له، لديه العديد من المصادر التي من الممكن أن يستعين بها في كتابة عمله الدرامي، وفي نفس الوقت يكون لديه المَلَكَة على الإبداع دون المساس بالخط التاريخي المزمع كتابته، ولا أقصد بما قُلته عن مَلَكَة الإبداع أن يؤلف ويتخيل أمورًا لم تحدث – بالعكس – فتاريخنا به من الدراما ما تكفي لأعمال درامية عديدة، فقط عليه أن يمسك بزمام مصادره، ويتوغل فيها ويقرأ تفاصيلها، بل والذي بين السطور فمنه يستطيع أن يخرج بالدراما المطلوبة، دون أن يتطلب ذلك منه جهدًا في التأليف.
فالتاريخ لم يقم إلا على الانسان وبالانسان، وبطله الوحيد هو الانسان، والفرد فيه نواة لأى حدث تاريخي؛ لذا فالصراعات الموجودة بداخله كفيلة وحدها بصناعة عمل درامي، من مقوماته الجيدة"الحبكة" التي يسعى إليها المؤلف وينشدها من أجل اتمام ما كتبه.
كما أنه لم يَعد في سيرته الجافة التي تعودناها، ساردًا لسير الملوك والحُكّام، واصفًا المعارك الحربية، مُهملاً حياة الأفراد والشعوب التي تتكون منها الأمم، بل اتسعت آفاق دراسته اتساعًا كبيرًا بحيث أصبح موضوعًا لدراسات مختلفة، فيقول عنه بوركار(1)"إن التاريخ سيد الحياة"، ويعقّب نيتشه(2) على ذلك بقوله"إن الانسان يجب أن يُلم بالأحداث الخاصة بحياته خلال الأزمنة المختلفة، فمعرفة الماضي مطلوبة لكى تكون في خدمة الحاضر والمستقبل، وليس لإضعاف الحاضر أو لاجتثاث جذور القوى الحيوية للحياة في المستقبل"، ويذهب سينوبس(3) إلى أن التاريخ"أستاذ الحياة يزودنا بنصائح عملية تُفيد السلوك، وبدروس تُفيد الأفراد مباشرة، كما تُفيد الشعوب" .
(1) جون لويس بوركار(1784-1817)، رحالة ومستكشف سويسري.
(2) فريدريك فيلهيلم نيتشه(1844-1900)، فيلسوف وشاعر ألماني.
(3) شارل سينوبس(1854-1942)، مؤرخ فرنسي.
وفي النهاية أقول لكل مُبدع يُفكر في كتابة عمل تاريخي، نعم إنه خطؤك إذا لم تكتب تاريخ بشكل صحيح في هذا العمل، وتَذرعك بحجة أنه "دراما مستوحاه" لا يُبرر جهلك بتاريخك؛ لأن الأعمال الدرامية ذاكرة أمة وإرث نتركه لأبنائنا وأحفادنا لكى يتباهوا به، اقرأ كثيرًا، حاور من تراهم شاهدون على تاريخ معاصر تود كتابته، استفد من تجاربهم، أبحر في سفن معارفهم، دع مُخيلتك تسافر إلى أى عصر مضى، امتطي صهوة زمان لم تعشه قط بتوحدك مع مخطوطة أو وثيقة أو مرجع يعود لهذا العصر، لا تقف مكتوف الأيدي آسفًا على عدم دراية جيل تتعايش معه بتاريخه، لأنه لم يقرأ في زمن تُسيطر التكنولوجيا على كل مفرداته اللغوية، لا تكتفي بأضعف الإيمان بل اسعى لأن تُغير بيدك، فمن المعروف أن وسائل الإعلام المرئية هى أهم مُحفز ودافع لتوجيه الأفراد لتكوين رأى ما، وفقًا لنظرية الاتصال، استخدم كل أدواتك الفكرية والمادية من أجل تثقيف هذا الجيل وتعريفه بتاريخه على الوجه الصحيح.
صلاح الدين الأيوبي و كليوباترا
ومثلما كنّا جميعًا نتذكر العمل السينمائي الرائع "صلاح الدين الأيوبي" للفنان المتميز أحمد مظهر، الذي كفى به من أعمال لديه لكى نفخر بما قدمه من فن، وتغنينا برائعة إليزابيث تايلور "كليوباترا" والذي تم إنتاجه عام 1963، آن لنا أن نحشد كل مُبدعينا لكى يرتقوا بثقافتنا الفنية التاريخية، وليبعثوا للمشاهد بالرسالة التي من أجلها كُتب التاريخ، وهى أنه "للعظة والعبرة"، وأنه "لا يُكرر نفسه" نحن بأخطائنا وعدم تعلمنا درسه نجعله يتكرر، ومن لا يتذكرون الماضي محكومٌ عليهم بتكراره، فكيف يكون لدينا كل هذا التاريخ ونكتب "دراما مستوحاه"؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال