الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرحة الوهم

أحمد حمدي أبوزيد

2015 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تختلف الأزمنة و العصور ، و تختلف معها قائمة الأمراض التي تنتشر في كل فترة تاريخية بعينها ، و تضيع أجيال بأكملها نتيجة لتفشي المرض ثم تأتي أجيال جديدة تفك الطلاسم و تخلق المعجزة من رحم البحث ، لتهزم المرض في ساحات العلم ، لكن تبقي قائمة من الأمراض ترافق كل العصور دون ايجاد حلول طبية شافية ، و علي قائمة تلك الأمراض التي عجزت الأقراص المسكنة و المضطات الحيوية عن الفتك بها ، هو مرض " الوهم " الذي يصيب بعض العقول !
فالأمراض تتأتي علي أجسادنا ، بالوهم ! و الثقافات الدخيلة و نظريات المؤامرة تغزو مسام الفكر بالوهم ! و الخوف يتملك من جوانبنا و يطرحنا كمخلفات من الجبن بالوهم ! و الظلم يكتسح الأزقة و يستوطن الميادين و يستعمر المدن بالوهم ! 
الوهم ! هو القضية . الوهم ! هو مرض العصر بل كل العصور .
و لنا في قصة " سقراط " عظة ، لنتفهم منها دور " الوهم " في الفتك بالنفوس ،
فقد استنكر أحد الاطباء اطلاق لقب " الطبيب الاول " علي سقراط ، و أدعى أنه أعلم منه ، فجاء الملك لسقراط و قال له ان هذا الطبيب يدعي أنه أكثر علما منك ، لذا فهو الأحق بلقب الطبيب الأول ، فرد سقراط ، إذا أثبت ذلك ، فليكن اللقب من نصيبه ! فقال الملك للطبيب ، كيف تثبت لنا ذلك ؟ فقال الطبيب ، أنا أسقيه السم الزعاف و هو يسقيني ، فأينا تمكن من دفع السم عن نفسه فهو الأعلم ، أما الذي آصابه المرض و أدركه الموت ، فهو المهزوم . فقبل سقراط التحدي ، و أعطاهما الملك مهلة بعد  ( أربعين ) يوما لتجهيز السم . و ظل الطبيب يعمل علي تجهيز السم ، بينما أحضر سقراط ثلاثة أشخاص و أمرهم بسكب الماء العذب في مدق و يدقوه بقوة ، و قد كان الطبيب يسمع صوت الدق بحكم جيرته لمنزل سقراط ، و في اليوم الأربعين ، جاء الخصمان عند الملك ، فقال الملك ، أيكما يبدأ بشرب السم ، فقال الطبيب ، فليبدأ هو ، فوافق سقراط و شرب السم الزعاف ، و بعدها ابتلع رشفة من شراب آخر ليبطل مفعول السم ، فظهرت علي سقراط علامات الاعياء ، فاصفر لونه و ابتل غرقا ، و لكن بعد سويعات ، شفي تماما من مظاهر الاعياء . ثم قال للطبيب ، أما أنا فلا أسقيك السم ، لأن شفائي دليل علي علمي ، لكن الطبيب صمم أن يشرب السم ، و أيضا جمهور الحاضرين صمموا علي أن يأخذ الطبيب دوره في التحدي ، فرضخ سقراط لارادة الحضور ، و اعطاه رشفة من ( الماء العذب ) الذي كان يدقه طيلة الاربعين يوما ، و بعد أن شرب الطبيب الماء ، سقط ميتا
فتوجه سقراط للملك و قال ، هذا ما كنت أتوقعه ، فلم أسقيه سم زعاف ، و لكنني أسقيته ماء عذب و الدليل علي ذلك أنني سوف أشرب من نفس الزجاجة التي شرب منها و انتم ايضا سوف تشربون !
و عندما سئل سقراط عن سبب موت الطبيب ، قال : أنه صريعا لايحائه النفسي ،  اذ كان يعتقد أن ما يشربه هو سم زعاف و بخاصة بعد أن سمع طيلة أربعين يوما صوت الدق .

و تعتبر قصة سقراط و الطبيب مثال حي علي تأثير الوهم في العقول ، فبعض الناس في أوهامهم سجناء ، و أكم من قاتل أفترس ضحيته بالوهم .

لذا إن أردت أن تسيطر علي قوم ، و تمحي فعل العقل من رؤوسهم ، فسرب الوهم الي نفوسهم . !
أطعمهم وجبات الوهم " المحشوة "   بالأمن و الأمان . يجعلون منك ( إله ) للوطنية و الانتماء .
أسقيهم وهم يسقونك طاعة . !

سلط أبواقا من الغربان لتسحر أذنيهم بوهم الاستقرار .! و لا تعبأ جرذان الطريق التي تنادي بالحرية ، فأنت السلطان ؛ طالما أستوطنت عقولهم بالوهم .

وهم إلصاق تهم العمالة و الشذوذ الفكري و الارهاب ! لمجرد أن تقال كلمة ( لا ) !
وهم الوطنية التي احتكرتموها بالوهم !
وهم الموهومين بأنهم قادة و صناع قرار .
وهم العروبة الذي اكتسحتم به أفق الكذب و التضليل .
وهم الرسالة و الهدف الأسمى .
وهم  نموت نموت ، و يحيا الوطن .
وهم التضحية و النبل و الشجاعة وبالكاد إن كان صوت البارود يمر بجواركم تتحسسون رؤوسكم من الخوف !
وهم المؤامرة التي أصبحت أناشيد صباح في مؤسسات الوهم !
وهم العدالة و الانسانية و الحريات " الزائفة "
وهم العدل في كسوة الظلم .
وهم الثورة في عباءة القمع .

دمتم واهمين و دمنا موهومين و دام الوطن يئن بقرح الوهم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط