الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبادة الكرد وأنفلتهم ثقافياً

دانا جلال

2015 / 2 / 2
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


بعد أنْ تمَّ تجريد الكرد مِنْ هويتهم الثقافية وترحيلهم قسراً في التاريخ الذي كُتِبَ بحدِ السيفِ جوار خيمةٍ بدويَّةٍ أو قصرٍ تركــيٍّ أو فارسيٍّ، لجأ الكردي للجبلِ صديقاً ليحمي هويَّته وفي الطرف الآخر لجأ أعداؤه إلى حافاته لتجريد مَنْ هُم دُونَ الجبل من بقايا الهوية بعمليات تَعريب، تَتريك، تَفريس، بل ونفيهم من الجنس البشري بتجريدهم من أدميتهم. بذلك تُحوِّل الكردي إلى ضحية تاريخية لحملاتِ إبادةٍ ثقافيةٍ، من إمبراطوريات سبقت الإمبريالية الثقافية واللغوية وبأشكال أكثر همجية وجعلت الكردي يمارس دانا جلالبحق ذاته التائهة الإبادة الذاتية ليصبح بذلك جزءاً من حالة الاغتراب مع الهوية التي تتجلى بطقوس اللعنة، بالإضافة إلى عداء الكثير من كرد جنوب كوردستان لأجدادهم في دولة كافران (وادي الكفار) الذي قاوموا الاحتلال ومسح هويتهم. إنَّ لعنة البعض لتاريخنا الثوري ومقاومتهم للمحتلين جزء من حاضنة فكرية وتكفيرية تتجدد بتكفير الكرد الأصليين من الايزديين. كما أنَّ “السادية الثقافية” شكل من أشكال “الإبادة الذاتية” الذي يمارسه الكرد تجاه تراثهم القومي والثوري يقابله “مازوشية ثقافية” تـمارَس في أغلب أجزاء كردستان، حيث يتم تقديس قادة الاحتلال وجعل شخصياتهم مزارات مقدسة أو أسماء لمدن كردستانية تعيش حالة الاغتراب مع تاريخها في فضاء مكانها. أما “الإبادة الذاتية” التي يمارسها الكرد تجاه تراثهم الثوري سواء إن كانت سادية أو مازوشية، لا تفسر ظاهرة الارتزاق (الجحوش) في المجتمعات الكردية فحسب، بل أنها تنتج كحاضنة فكرية لأجيال جديدة من المرتزقة المهاجرين والعابرين للحدود والهوية كما هو عليه الحال بالهجرة الإرهابية التكفيرية لبعض شباب كردستان للقتال مع داعش ضد الحركة التحررية الوطنية الديمقراطية وضد الطليعة الثورية حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) وقوات الحماية المرأة ( YPJ) وقوات الحماية الشعبية (YPG) في روج آفا بعد نجاحهم بنقل المقاومة الكردية من الجبل إلى المدينة، هي سابقة تاريخية لها تأثيراتٌ كبيرةٌ على صعيد التناغم ما بين هوية الكردي المقاوم في الجبل وهويته في المدينة.
الشكل الآخر للإبادة الثقافية الذي تعرض له الكرد هي عملية الصلح المزورة بين الكردي وتاريخه. يعتقد غالبية الكرد بأنَّ أجدادهم قد دخلوا الإسلام طواعيةً وبشكل سلمي، وهي حقيقة تنفيها المصادر الإسلامية قبل غيرها. الحقيقة أنَّ حدَّ السيف سبق الرسالة قبل أنَّ يتسنى للكردي قراءتها كي يتَّفاعل معها ويتَّقبَّلها، ففي فتوح البلدان امتنعت سري كانية (رأس العين) على عياض بن غنم ففتحها عمير بن سعد وهو والي عمر على الجزيرة بعد أن قاتل أهلها المسلمين قتالاً شديداً. فدخلها المسلمون عنوةً ثم صالحوهم بعد ذلك على أن تكون الأرض لهم وتُدفع الجزية وهي أربع دنانير لكل رأس، ولا تُسبى نساؤهم ولا أولادهم. وفي مختصر تاريخ دمشق (قال خليفة: إن أبا موسى الأشعريّ افتتح الرّها وما والاها عنوةً. وكان أبو عبيدة بن الجرّاح قد وجَّه عياض بن غنم الفهريّ إلى الجزيرة فوافق أبو موسى بعد فتح هذه المدن، فمضى ومعه أبو موسى فافتتحا حرّان ونصيبين وطوائف الجزيرة عنوةَ. إن إلغاء العقد المزوَّر بين الكرد وفاتحي مدنهم لا يعني بالضرورة رفض الجوانب الثورية والاجتماعية في الدين الإسلامي قدر تعلقه بكشفٍ لتاريخ تلك العلاقة، ومن ثم تغيير مفاهيمنا حول طريقة تفاعل الكردي مع الآخر وإعادة رسم صورته بجوانبه الإيجابية والسلبية والتحرر من كونه متلقي لصورة الآخر المفروضة على وعيه الذي تم تشويهه بألف صورة.
إن عمليات التتريك، التفريس والتعريب الذي تعرض له الكرد وكردستان اتخذ من الخطاب الديني وسيلةَ لإحداث عمليات التغيير الديموغرافي واللغوي باعتبارهما جزءاَ من عمليات الإبادة الثقافية الذي تعرض له الكرد. عمليات التعريب بدأت مع الفتح الإسلامي على خلاف ما يعتقد الكثيرين بأنها بدأت مع سياسات الحكومات العراقية والسورية عقب تشكيل الدولتين بموجب خرائط سايكس بيكو. وقد ذُكِر في فتوح البلدان البلاذري “لما انصرف عياض من خلاط إلى الجزيرة بُعِثَ إلى سنجار ففتحها صلحاً وأسكنها قوماً من العرب”. إنَّ حملات التعريب لم تقتصر على شنكال لوحدها بل شملت الموصل “وحدثني العباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن جده قال: أول من اختط الموصل وأسكنها العرب ومصرها هرثمة بن عرفجة البارقي”. إن الإبادة الثقافية بخطابها الديني جعل عدداً من القبائل الكردية وبغرض تأكيد وتثبيت سلطتها الدينية في المجتمع الكردستاني يلجؤون إلى إنكار هويتهم القومية والافتخار بالانتماء للقومية العربية وبالذات إلى البيت الهاشمي كي يعيدوا بنسلهم إلى الرسول كما يفعل الكثير من سادة العشيرة البرزنجية في جنوب كردستان. إنَّ عملية تغليب الديني على القومي بعد وضع الكردي بين خيار الاختيار بين قوميته أو دينه يمثل انحطاطاً لادِّعاء الخطاب الديني وإهانة للشعب الكردي الذي جُعِل في هذا الوضع من بين الشعوب الإسلامية قاطبة. يمثل الكرد الفيليين وهم أحفاد الإيلامين، وورثة أقدم الحضارات الكردية، وهم من اتباع مذهب آل البيت نموذجاً لانتهازية الخطاب الديني بطرحهم لعملية المفاضلة بين القومية والمذهب التي تمارسها المرجعيات المذهبية بحق شريحة الكرد الفيلية وهي غنية بمكونات هويتها. أحزاب السلطة في جنوب كردستان انجرَّوا لساحة الخطاب المذهبي باستخدام سؤال المفاضلة والعمل على إلغاء أحد المنابع الخاصة بهويتهم الكردية ألا وهي الانتماء لمذهب آل البيت.
الشكل الآخر للإبادة الثقافية هو ما تعرض له الشبك بعد قيام نظام صدام حسين بتسجيلهم عنوةً في الإحصاء السكاني على أنَّهم جزء من القومية العربية. أما الجريمة التي ارتُكِبَت بحق الكرد في غربي كردستان من خلال مصادرة هويتهم القومية والوطنية تمثل أنفلة لما يزيد عن ربع مليون كردي في روج آفا في مقابر جماعية. حيث أُجري عليهم الإحصاء الاستثنائي الخاص بمحافظة الحسكة عام 1962 والتي نتجت عنها ما يعرف بأجانب الحسكة والمكتومين الذين يعيشون مأساة إنسانية قلَّ نظيرها في التاريخ البشري. الشكل الآخر للإبادة الثقافية الذي تعرض له الكرد هي محاولات الأقوام المجاورة بالاستيلاء على منتجهم الثقافي والحضاري من خلال تفريس وتتريك وتعريب الأدباء والفنانين الكرد أو أسلمتهم مع تغييب انتمائهم القومي. ويُعتَبَر تغيير أسماء المدن الكردية جزءاً من حملات الإبادة الثقافية، لأنَّ ذاكرة المكان لها تأثيراتها السيكولوجية على الإنسان وتشكل جزءاً من هويته القومية. حروب الابادة الثقافية الموجَّهة بحق الكرد وعمليات السرقة والتشويه التي تعرَّض لها النتاج الثقافي والحضاري للشعب الكردي شملت لغتهم التي تمثل العمود الفقري لهوية أية أمَّة، حيث فرضت الامبراطوريات القومية العربية، الفارسية والتركية والمُغلَّفة بالخطاب الديني الكثير من مفردات لغاتها واخترقت بمفرداتها لغة عامة الناس.
لمقاومة حروب الابادة الثقافية يجب أن نبحث في تاريخ شعوب المنطقة بمنهج علمي وديمقراطي، لأنَّ الكثير من التاريخ الكردي قد تمَّ ترحيله قسراً إلى تاريخ الشعوب التي نشترك معها في فكِّ الاشتباك التاريخي وكتابة التاريخ، أمرٌ لابُدَّ منه مع ضرورة الحذر من النزعات القومية الضيقة. كما يُفتَرَضُ علينا الدخول في مجاهل التاريخ بغرض إعادة كتابته، منطلقين من أكثر مناطقه تنازعاً، ولا يمكننا النجاح في هذه العملية المعرفية إن لم نتسلح بالفكر الديمقراطي، ونعتبر ما انتجه شعوب منطقتنا هو جزء من التراث الإنساني المشترك، لأنَّ الصهر القومي ومواجهته ينطلق من جذوره الاجتماعية كما يؤكِّد المفكِّر والقائد الشرق الأوسطي عبد الله اوجلان ” أنَّ الصَّهر هو أحد السياسات الاجتماعية التي غالباً ما تلجأ إليها أحلاف الحرب والسلطة”. إنَّ فكَّ الاشتباك التاريخي على أصعدةٍ منجزة يجب أن يّقتَرَنَ بالنضال من أجل الأمة الديمقراطية التي تمثِّل قوس قزح لتداخل متعدد الألوان والثقافات دون إلغاء الخصوصيات لأنَّ الأمة الديمقراطية وكما أشار المفكر والقائد عبدالله اوجلان “الأمة الديمقراطية هي الأمةُ المتعددةُ الهوياتِ والثقافاتِ والكياناتِ السياسيةِ مَقابِلَ وحوشِ الدولةِ القومية”. إنَّ فكَّ هذا الاشتباك التاريخي ليس عمليةً سهلةً، وقد تؤدي في ظل الدولة القومية إلى مضاعفة للمشاكل القائمة أساساً بين الدول القومية وشعوب المنطقة، لذا فإنَّ الحل الأفضل لخلق حالة التوازن بين الشعوب وتعايشها السلمي هو النضال من أجل الأمة الديمقراطية ضمن إطارها المؤسساتي المتمثل بالكونفدرالية الديمقراطية التي بدأت خطواتها العلمية والعملية في غربي كردستان من خلال إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تُمثل خطوة مهمة لمواجهة حروب الإبادة بتعدد أشكالها ضدَّ الأُمَّة الكردية. إنَّ نضال الكرد في روج آفا وتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية تأكيدٌ كرديٌّ وكردستانيٌّ على تصدُّرِ الِّنضال من أجل شرق أوسط ديمقراطي يجد فيه الجميع بأنَّ التاريخ الإنساني والحاضر الذي نعيشه والحلم الإنساني الذي يجمعنا يمكن تحقيقه ضمن مفهوم الأمة الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصعروبية المقيتة أخطر من الصهيونية
HAMID KIRKUKI/ SAYADI ( 2015 / 2 / 2 - 11:10 )
لكون هذه الحركة( الصعروبية) ملفوفة بعباءة وعلم لا إلاه إلا الله و محمد رسول الله وسيف آل سعود المرتزقة وسماسرة أمريكا إنها أخطر من الصهيونية والنازية لأنها تأخذ الروحية والشعور القومي من الناس السذج والأمين ويسوقهم كأغنام في مواكب دينهم ومعابدهم والشعوب الموبؤة بداء الصعروبية لا حول لهم لأنهم مغسولي الدماغ من قبل الدين المقدّس ويتوجهون ك-روبات- للصلات والتكلّم بلغة أوغاد العربية المقدّسة! كالحمير يركبهم الملّا والشيخ ويعلمهم كيف يكونون أرقى إذا إستعربوا و إستسلموا وحتى لدرجة الشعور بالسفلية والمادونية! ولذلك نشاهد أكثر قبائل الكورد أصبحوا سادة أي جائوا من قضيب محمّد القرشي الهاشمي،فمثلا: الجبارية،البرزنجية،الكسنزانية،القادرية،الخ،،، إنها صهر و تهميش حاذق تسمى من الان فصاعدا ❊-;-الصعروبية❊-;- على وزن الصهيونية الرجاء تعميم هذه الكلمة في مخاطباتكم لأن ليس اليهود فقط لهم حركة وإنما العرب لهم أخطر حركة لا إنسانية شمولية وقذرة وتسمى صعروبية!


2 - اخي المناضل
Jugurtha bedjaoui ( 2015 / 2 / 2 - 20:37 )
شكرا على المقال اخي المناضل الفد والجرئ الاستاد دانا جلال ان قضيتكم عادلة وحقكم في العيش الكريم لا نقاش فيه ونحن الامازيغ نفرح كثيرا لانتصاراتكم ونراها انتصارا لنا كدلك لاننا نعاني من نفس المستعمر الصعروبي على لسان المفكر المستنير الاستاد حميد كركوكي الدي احيه بالمناسبة واشد على يديه بان يكون هاد هو الاسم الصاءب للغزاة وسنحاول نشره في كل المنتديات وبكل الطرق انه فعلا اسم على مسمى كما اهنأ اخواني الاكراد على انتصارات كوباني واقول لهم قليلا من الصبر والمثابرة فالنصر حليفكم لانه وبكل بساطة قضيتكم اكثر من عادلة تحياتي

اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا