الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية من الاغلبية الشعبية إلى الأقلية الاوليغارشية.

صادق رشيد التميمي

2015 / 2 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تبقى الانتقادات التي وجهت إلى الديمقراطية منذ انهيار أثينا فعالة في نقاشات تقييم تجاربها بالرغم من انها أصبحت صيغة شائعة للحكم تفرض نفسها بقوة في عملية تنظيم الحياة السياسية. تتمحور هذه الانتقادات حول فكرة مركزية في أن الديمقراطية تقوم على أساس المساواة العددية لا على أساس الجدارة والكفاءة. لخص هذا النقد إشكالية التعارض بين الديمقراطية والنزعة الأرستقراطية في الديمقراطيات القديمة على اعتبار ان المفهوم المبكر للنزعة الأرستقراطية كان يحيل إلى المعرفة والحكمة في مواجهة الاهواء ورغبات العوام التي طالما خضعت لها الديمقراطية الشعبية . عكست ايضا هذه الانتقادات حينها ازدراء وتعالي الفيلسوف الذي يرى أن شرور الحكم المدمرة، لا يمكن أن تتوقف إلا في حالة تنصيب نفسه واستبعاد الجمهور بعيداً عن السياسة اي عزلهم عن تسيير شؤون الحكم قدر الإمكان، باعتبار ان الانتخاب الديمقراطي يقود الى اقصاء الحكمة والحكماء وسيادة الرعاع وغرائز الارتجال في السياسة مما يضع البلاد دائماً عرضة لخطر الانهيار والتدمير، اذ يصبح محتوماً مع الديمقراطية المفرطة تآكل سلطة القانون، وشيوع عدم الاستقرار، وتمكن الميول التناحرية والانشقاقات الداخلية والحروب الأهلية وفي أفضل الأحوال يدفع التهميش الذي يصنعه ذلك النوع من الديمقراطية إلى ازالة الفوارق والتراتبيات الاجتماعية تأسيساً على مبدأ المساواة مما يعني إمكانية صعود الاستبداد استبداد الدهماء الذين يشكلون أغلبية في الديمقراطية غير المفلترة أرستقراطيا . من هنا كان يمكن تفهم الدوافع التي تولد الحساسيات النخبوية الأرستقراطية الحادة إزاء النزعات الجمهورية التي طالما ربطت سابقا بمفهوم الاغلبية الشعبية والتي كان ينظر لها على أنها تفسح المجال واسعاً لسيادة سطوة جماعات غارقة في الجهل والخرافات. رددت مثل هذه الأفكار النقدية لاحقاً ضد النزعات الرديكالية التي تنحاز لصالح الحكم الجمهوري في مواجهة حكم الملكيات في أوروبا بوصف الحكم الجمهوري هو نظام يكمن فيه التقاطع والتنافر بين المصلحة العامة وبين مصالح الفقراء الذين يرتكز عليهم هذا الحكم.
إن أوضح مثال حديث عن سيادة الديمقراطية الاوليغارشية هي الولايات المتحدة. كان يطلق على ماديسون الذي يعد احد العقول التي دبرت عملية تصميم وتمرير الدستور الأميركي بالقارئ الذي يشبه دودة خشب تلتهم كل شيء، إذ تشير الروايات إلى أنه بعد أزمة الدين الكبير الذي تعرضت لها الولايات الأميركية الثلاثة عشر آنذاك والذي نتج عن حروب الاستقلال الثورية كثف قراءته من أجل التعمق في فحص التاريخ كوثيقة سياسية للوصول الى استنتاجات حاسمة تتعلق بتجارب الحكم السياسي. استعاد ماديسون ذات الإشكالية التي ولدتها الديمقراطيات الكلاسيكيةِ وهي التعارض المتواصل بين الديمقراطية المفرطة وبين النزعة الأرستقراطية ولكن هذه المرة المعنى الذي يحيل إلى الملكية والتملك باعتبار لا معرفة ولا حكمة من دون ملكية واسعة، توفر متسع من الاسترخاء والتفرغ، يمكن اصحاب الأموال من احتكار ملكة الممارسة السياسية. كان السؤال الذي يطن في عقل مصممي الدستور الأميركي هو كيفية صناعة نظام يوفق بين الديمقراطية والنزعة الارستقراطية، أو بعبارة أخرى كيفية تأصيل الامتيازات الارستقراطية في نظام ديمقراطي يقوض إرادة الدهماء الديموغوجيين في إدارة الحكم.
حفز التمرد الفلاحي المسلح الذي اندلع كرد فعل على مظالم فرض تحمل العبء الضريبي للدين الحكومي الذي نشأ لصالح حاملي السندات الحكومية التي أصدرتها الحكومة آنذاك لتمويل حروب الاستقلال النخبة المالكة في ضرورة احداث انعطافة حاسمة في صميم النظام السياسي. انتهى ماديسون وجماعته الارستقراطية بعد هذه الأزمة العنيفة التي انتجتها الديمقراطية المفرطة إلى خلاصة مضمونهما إن التحكم السياسي ينبغي أن يكون بيد الأقلية من اصحاب الملكية الكبيرة، وإن الاستثمار الاقصى لطاقة العمل ينتج عنه ايرادات عالية من الضرائب المفروضة. كان الفلاحون يرفضون التسديد كما أن ممثليهم السياسيين في برلمانات الولايات خضعوا لضغوطهم، واحتضنوا مطاليبهم في رفض التسديد، والامتناع عن تمرير أي قانون يفرض زيادة الضرائب، الأمر الذي قاد إلى افلاس الدولة، وإضعاف ثقتها المالية في طلب القروض من دول أخرى، وشلل النظام القضائي في استحصال الديون كما أن المصارف توقفت عن الاقراض بسب العجز المالي. كانت الحكومة الأميركية تسعى إلى فرض الضرائب واستعمال القوة لقمع التمردات، وفرض سلطة القانون بالامتثال لتسديد دين اصحاب السندات التي قدرت نسبتهم آنذاك بعشرة بالماىة من عموم شعب الولايات إلا أنها لم تكن تملك تلك الصلاحيات الدستورية التي تخولها القيام بذلك. دفعت هذه الأزمة ماديسون ، آدمز وجيفرسون الذين كانوا من المضاربيين العقاريين وتجار الأراضي والذين تعطلت تجارتهم أيضاً ولم يعد بإمكانهم الحصول على المزيد من القروض من أجل توسيع تجارتهم العقارية إلى التفكير بوسيلة لحل الأزمة، وإيجاد نظام يضمن فرض المزيد من الضرائب لسداد الدَين ويكره المتمردين على الخضوع، ولم يكن ذلك ممكناً إلا عبر صياغة دستور فدرالي واقراره بالوسائل كافة بما فيها الحيلة والابتزاز والتضليل، والتي تم استخدامها بشكل واسع ومحكم لضمان تمريره. لذلك يذهب بعض النقاد إلى أن الدافع الذي يكمن خلف إقرار الدستور، كان لسداد دين حاملي السندات من المضاربين كما يشرح الكاتب الاميركي وودي هولتون معنى العبارات التي وردت في مقدمة الدستور والتي عكست على وجه التحديد أزمة الدين الحكومي وضرورة تسديده، إذ تشير عبارة (تحقيقي العدالة) الواردة في مقدمة الدستور إلى معنى ضرورة تسديد دين حاملي السندات الذي تضاعف سعره مرات كما تشير عبارة (خلق الاستقرار الداخلي) إلى إنشاء جيش فدرالي يقوم بقمع تمردات وعصيان الولايات التي لا تمتثل لتطبيق نظام ضريبي يفرض فدرالياً وإجبار المكلفين على الخضوع والتسديد وايضاً لضمان التحرك غربا للاستيلاء على أراضي الهنود الحمر وبيعها لحل مشكلة الدين وإذ كانت بعض النخب المعاصرة تجادل في أن الأقلية الاوليغارشية صممت نظاماً سياسياً لا يسمح بظهور أي بديل، فإن الغالبية من الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة والغرب مقتنعة بأن بديلاً للرأسمالية، تتمدد فيه الديمقراطية أبعد من الحق بالتصويت لتشمل الفعاليات الاقتصادية غير ممكن في الوقت الحاضر طالما أن المنافع والمكاسب (الرفاه التراتبي) الذي أصلها نظام العمل الليبرالي لصالحهم ما زالت امتيازاً واضحاً مقارنة مع أمم أخرى على الرغم من قساوة الأزمة الاقتصادية هناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا