الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا ديمقراطية في مغرب المستقبل بدون أمازيغية ممأسسة (حوار مع -المنعطف- منذ أزيد من 3 سنوات)

الحسين أيت باحسين

2015 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي لها باع طويل في صنع النقاش حول الأمازيغية بالمغرب. كيف ترون واقع الأمازيغية بالمغرب اليوم؟

إن الحديث عن "واقع الأمازيغية بالمغرب اليوم" يستدعي من جهة تحديد المقصود ب "الأمازيغية" ؟ ومن جهة أخرى الفصل بين ما تحقق بالنسبة إليها و بين ما لا زالت تفتقر إليه من تحقق.
بصدد المقصود ب "الأمازيغية" علينا جميعا أن نحدث قطيعة مع الطروحات التبسيطية والتبخيسية والاختزالية والسياسوية بل والديماغوجية في طرح الأمازيغية. فهي ليست فقط قضية لهجات أو حتى لغة أو ثقافة بل هي قيمها وهي قضية حقوق كما هو متعارف عليها كونيا وبمختلف أجيالها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل والبيئية. إنها مرتبطة بكرامة من تَشبّت بها وبالأرض التي ارتبطت بها منذ آلاف السنين من دون انغلاق على الذات ولا تفريط في التراث.
أما بصدد الفصل بين ما تحقق بالنسبة إليها وبين ما لا زالت تفتقر إليه من تحقق، فتجدر الإشارة إلى أن ما عانت منه الأمازيغية منذ أقدم العصور التاريخية يتمثل أساسا في شيئين: المأسسة والكتابة. ففي مختلف العصور التاريخية المعروفة؛ إذا ما استثنينا ما وصل إلينا من محاولات بعض ملوك الأمازيغ في فترة مقاومة الاحتلال الروماني؛ لم تحض الأمازيغية بمأسسة تتكفل بالنهوض بها مع تقعيد لغتها وتنميط كتابتها كباقي اللغات التي عاصرتها عبر تلك العصور كالفرعونية والعبرية والفينيقة واليونانية واللاتينية والعربية في ما بعد. كما تجدر الإٌشارة أيضا إلى أن أغلبية تلك اللغات التي عاصرتها قد انقرضت وهي لازالت قائمة ولكن بين الحياة والموت. ذلك هو واقعها اليوم.
إننا لا ننكر أن الأمازيغية بالمغرب؛ نتيجة الحركة المطلبية ونتيجة مطالب مؤسسات حقوق الإنسان الدولية والوطنية ونتيجة استجابة الدولة لتلك الحركة المطلبية ولمطالب هذه المؤسسات الحقوقية في العقد الأخير من القرن الماضي؛ قد عرفت نوعا من الإنعاش. وفي بداية الألفية الثالثة؛ مع انخراط الدولة في مجموعة من الأوراش الإصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ بدأت الأمازيغية طريقها نحو رد الاعتبار إليها والنهوض بها وذلك بمأسستها وتقعيدها وتنميط كتابتها واختيار حرف كتابتها الأنسب وذلك بإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي وكلت إليه مهام رد الاعتبار للأمازيغية والنهوض بها؛ خاصة في التعليم والإعلام.
لكن تجربة قرابة عشر سنوات من البحث وعقد شراكات مع المؤسسات المعنية برد الاعتبار للأمازيغية والنهوض بها أثبتت أن هذه المؤسسة، بدون حماية قانونية للأمازيغية، لم تكن وليست ولن تكون كافية لإنصاف الأمازيغية في عقر دارها. فالبرغم من الإمكانات التي وضعت رهن إشارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ورغم المجهودات التي قامت بها هذه المؤسسة على مستوى البحث والنشر والتكوين والشراكة والدعم وتقديم الخبرات فإن المهمتين الأساسيتين اللتين أعطيت لهما الأولوية على كل المستويات؛ ألا وهما التعليم والإعلام؛ تصادفها من حين لآخر العراقيل المرتبطة بالحماية القانونية للأمازيغية.


المغرب يعرف نقاشا موسعا بين مختلف الفرقاء السياسيين والمدنيين حول ورش الإصلاح الدستوري. ماذا قدمتم كجمعية أمازيغية من اقتراحات في هذا المجال؟

إننا في الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، من حيث المبدأ، نؤكد باستمرار بأن المدخل الدستوري للأمازيغية هو دسترتها هوية وثقافة وحضارة وترسيمها لغة. وهذا المبدأ هو القاسم المشترك بين مختلف مكونات الحركة الأمازيغية وكذا مجموعة من الفرقاء السياسيين والمدنيين.
فمنذ بداية التسعينيات، طالبت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي مع مجموعات من الجمعيات من خلال "ميثاق أكادير" بدسترة الأمازيغية وذلك بالتنصيص في ديباجة الدستور على البعد الثقافي والهوياتي الأمازيغيين وعلى اعتبار الأمازيغية لغة وطنية ورسمية.
وفي الفترة ما بين خطاب 1994 والتعديل الدستوري لسنة 1996 قامت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بجلسات حوار مع مجموعة من جمعيات المجتمع المدني الثقافية ومنظمات حقوقية وأحزاب سياسية ورفعت رسائل إلى سلطات حكومية وإلى السلطات العليا؛ كما قامت بندوات وأصدرت كتابا حول ضرورة دسترة الأمازيغية هوية وثقافة وترسيمها لغة إلى جانب اللغة العربية.
ومن 1996 إلى 1999 وفي إطار التنسيق الوطني بين جمعيات الحركة الأمازيغية وبصدد وضع ومناقشات ميثاق التربية والتكوين، واصلت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي مطالبتها بضرورة دسترة الأمازيغية هوية وثقافة وحضارة وترسيمها لغة إلى جانب اللغة العربية؛ مع التأكيد على أن مقترحات اعتبارها لغة وطنية لا تعدو أن تكون مزايدات أيديولوجية لأنها في غنى عن مثل هذا النوع من التنصيص الدستوري الذي هو تحصيل حاصل.
ومنذ سنة 2000 مع خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومع وجود عراقيل أمام إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام الذي تم التصريح به من قبل السلطات العليا والحكومية، قامت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بجولة ثانية من الحوارات مع جمعيات مدنية ومنظمات حقوقية وأحزاب سياسية وفرق برلمانية كما قامت بالتنسيق مع المكونات الجمعوية والحزبية والحقوقية التي تدعو إلى الإصلاحات الدستورية من أجل التنصيص في الدستور على ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية.
ومع الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 الذي نثمن اعتباره الأمازيغية في صلب التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، فإننا ندعو كافة مكونات الحركة الأمازيغية والجمعيات والمنظمات والأحزاب وكذا اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور المكلفة بالاستشارة مع مكونات المجتمع المغربي بأن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية؛ لأن ترسيم الأمازيغية لم يعد يقبل التأجيل أو الارتجالية في تدبير الدولة للتعدد اللغوي والتنوع الثقافي ببلدنا.


هل يكفي في نظركم دسترة الأمازيغية لكي تفرض وجودها داخل المؤسسات الرسمية، مع العلم أن اللغة العربية مدسترة لكنها غير مفعلة على مستوى المراسلات الإدارية الرسمية لصالح الفرنسية؟

أن تفرض الأمازيغية وجودها داخل المؤسسات الرسمية، يستلزم أن يتم التنصيص عليها في الدستور هوية وثقافة وحضارة وترسيمها لغة باعتبارها صلب الهوية المغربية كما أكد على ذلك الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011. وبما أن الجميع ينشد مؤسسات رسمية ديمقراطية؛ فلا ديمقراطية في مغرب المستقبل بدون أمازيغية كقضية حقوقية تخترق كل أجيال الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية وصادق عليها المغرب.
أما في ما يتعلق بالمقارنة بين الأمازيغية وبين وضع كل من العربية المنصوص عليها في الدستور المغربي لغة رسمية وبين وضع الفرنسية التي تعتبر لغة أجنبية ولم يتبناها الدستور المغربي ورغم ذلك فهي تستأثر بوضع متميز مقارنة بوضع العربية؛ فإن هذا القول الشائع لدى فئات عريضة من المجتمع المغربي؛ ظاهره حق وباطنه إنما يكرس الطروحات التبسيطية والتبخيسية والاختزالية والسياسوية بل والديماغوجية في طرح الأمازيغية، كما تمت الإشارة إلى ذلك في بداية هذا الحوار.
لقد أثبتت بعض الدراسات الأكاديمية أن تدبير التعدد اللغوي في بلادنا خاضع لأهداف أيديولوجية محددة تتمثل في الوظائف التي أنيطت بكل لغة من اللغات المتداولة في المجتمع المغربي. وتعتبر الأمازيغية، ضمن هذا التدبير الوظيفي للتعدد اللغوي في بلدنا، أدنى وسيلة للارتقاء الاجتماعي. فإذا أخذنا مثالا واحدا فقط، ألا وهو علاقة التعليم بلغة الأم، فإن أقل نسبة التمدرس وكثرة الفشل الدراسي وأكبر نسبة للانقطاع عن الدراسة يلاحظ في المناطق الناطقة بالأمازيغية حيث لغة التمدرس هي غير لغة الأم.
أما القول على أن العربية، بالرغم من دسترتها، لم تُفَعّل على مستوى المراسلات الإدارية لصالح الفرنسية، فهذا أيضا يحتاج إلى تدقيق في الحكم. فالميزانية المخصصة للعربية في التعليم والإعلام وكذا في مجموعة من المؤسسات الرسمية والخاصة لا تستمد مشروعيتها إلا من دسترتها. بالإضافة إلى ذلك فإن اللغتين العربية والفرنسية تقاسمتا مجموعة من الوظائف المنوطة بمجموعة من المؤسسات، خاصة منها الرسمية.
هذا الوضع في تدبير التعدد اللغوي ببلادنا هو إرث لسياسات تعود بواعثها لأيديولوجية، أقل ما يمكن أن يقال عنها، هي أنها ليست مواطنة ولم تسع إلى احترام المواطنة الحقة لكل المواطنين المغاربة وإلى صيانة كرامتهم. إضافة إلى هذا فإننا إذا استحضر نسبة الأمية المدرسية في مجتمعنا، وخاصة في البوادي؛ علما بأن الأمية اليوم أنواع ودرجات؛ فإننا ينبغي أن نبحث عن سبل أخرى لتدارك تأخرنا ولا أقول تخلفنا. إن الشعوب التي تفكر في مستقبلها تفكر في أجيالها القادمة، والتفكير في الأجيال القادمة لا يستدعي أن نسقط عليهم مشاكل الكبار: فأن يجد اليوم، من بيننا، كهل صعوبة في تعلم الأمازيغية أو في الكتابة بتيفيناغ فهي مشكلته وحده؛ أما جيل الغد فله من المؤهلات ما يستطيع به أن يبدأ بتعلم أي لغة وبالكتابة بأية أبجدية بشرط أن يتعاقد المجتمع الذي ولد فيه ويقرر بأن يتعلم تلك اللغة ويكتب بتلك الأبجدية.


عقدتم مؤخرا اجتماعا بمقر الجمعية لمتابعة تنفيذ توصيات لقاء أكادير. عمّاذا أسفر هذا الاجتماع؟

في البداية أريد أن أرفع لبسا بصدد لقاء يوم 2 أبريل 2011 بالرباط في مقر الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، نظرا لمجموعة من التأويلات والأقاويل بل والتوظيفات المغرضة وقد تمت الإشارة إلى بعضها في الصحافة.
هذا اللقاء هو بمثابة متابعة روح اللقاء الذي بدأ في مدينة تارودانت يوم 4 دجنبر 2010 والذي جمع، كما ورد في التقرير الذي توج ذلك اللقاء، "بين 27 إطارا من الجمعيات والتنسيقيات والمنظمات الأمازيغية في أشغال يوم دراسي حول راهن الأمازيغية (...) من أجل تقييم المرحلة وتفعيل وتعزيز التنسيق بين مختلف مكونات الحركة الأمازيغية. وقد بدأت هذه السلسلة قبل أكثر من ثلاثة أشهر من تاريخ الخطاب الملكي في 9 مارس 2011.
كما أنه بمثابة اجتماع لمتابعة تنفيذ توصيات اللقاء الثاني الذي انعقد بأكادير يوم 26 مارس 2011 حول الاستحقاقات الدستورية وذلك من أجل صياغة وثيقة حول مطالب هذه الجمعيات والتنسيقيات التي تمثل حوالي 150 جمعية وتنسيقية أمازيغية من مختلف جهات المغرب ومن أجل الاتفاق على آليات متابعة تحقيق تلك المطالب.
وبالتالي فلا علاقة لهذا اللقاء بلقاءات أخرى انعقدت بين تاريخ انعقاده بأكادير وتاريخ انعقاده بالرباط أو حتى بلقاءات تمت أثناء انعقاده بالرباط. فالحركة الأمازيغية؛ مثل باقي مكونات المجتمع السياسي والمدني، و بتياراتها المتنوعة؛ قد انخرطت في الدينامية التي تستلزمها المرحلة بصفة عامة وورش مراجعة الدستور بصفة خاصة.
أما بصدد ما أسفر عنه اللقاء، فأكتفي بالإحالة على "وثيقة حول مطالب هذه الجمعيات والتنسيقيات" وعلى البيان الصادر عن هذا اللقاء. وتعتبر هذه المطالب الحد الأدنى والقاسم المشترك بين هذه الجمعيات والتنسيقيات. وقد قامت بعض الصحف الوطنية بنشر الوثيقة والبيان في حينهما كما تم نشرهما في بعض مواقع الأنترنيت. وستعمل لجنة المتابعة على توزيعهما على جمعيات ومنظمات المجتمع المدني وعلى الأحزاب السياسية كما ستعمل هذه الجمعيات والتنسيقيات على متابعة تنفيد تلك المطالب قبل اقتراح مشروع التعديل الدستوري وعلى الترافع من أجل تحقيقها في أفق التصويت الإيجابي عليها.

ذ. الحسين أيت باحسين
نائب الكاتب العام
للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي
نشر في جريدة "المنعطف"
يوم الخميس 07 أبريل 2011، العدد 3998، ص. 6
حاوره الصحفي: السيد عبد المومن محو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: أسطول جوي قديم ومتهالك؟.. تفاصيل عن مروحية الرئيس رئي


.. الصور الأخيرة للرئيس الإيراني رئيسي قبل تحطم مروحيته وموته




.. الحرب في غزة: هل من تأثير على قطاع السياحة في مصر؟ • فرانس 2


.. تساؤلات في إيران عن أسباب تحطم مروحية الرئيس من بين 3 مروحيا




.. سيناريوهات وأسباب محتملة في تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟