الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلعفر تدفع تمن نيويورك

اسماعيل خليل الحسن

2005 / 9 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


شعور ينتابني إزاء تلعفر, لأنّ أقاربا لي لي فيها , يمتدون إلى الموصل, شعوري أنها ضحيّة, شأنها شأن جميع المدن و البلاد شرق المتوسط, فهي تتقلّى على نار الطغاة تارة, وعلى نار الغلاة تارة و على نار الغزاة تارة أخرى, وهي لم تدخل العصر إلى الآن, فلقد بكى قريب لي ذات يوم حيث لا أنترنيت و لا هاتف جوال و لا أطباق فضائيّة, فإلى متى يستمر هذا السبات في ظل سلطة ملوكيّة, تخاف كل صوت حتى لو كان حفيفا أو خريرا أو ثغاء نعجة ذبيحة, ناهيك عن صوت ناقد أو متذمّر أو ساخط.

يبدو أن البلاد لا تخرج من نفق مظلم حتى تدخل آخر, فمن استعمار ناضل أسلافنا للخروج منه, (باستثناء فلسطين التي مازالت ترزح تحت نيره) أسلمنا هذا الاستعمار إلى حكام مللنا من ذكر أوصافهم العلّيّة, فجميعهم أرسلتهم العناية الإلهيّة إلينا وفق ضرورة مقدّرة علينا, حفرا و تنزيلا, وفي نعماء سجونهم استولد القهر و البؤس روائع من ذهنيات مغالية و ذهان تكفيري, لنعود إلى الاستعمار من جديد, فلا أمل بالخروج من هذه الحلقة المعيبة, و لا يلوح في الأفق فجر جديد.

كان قريب لي وهو مخرج مسرحي في الموصل, يحدثني عن موت المسرح في الموصل, و كيف كان يشق طريق المسرح بمشقة و أناة, و أنّ المشايخ يثقفون الناس على اعتباره بدعة و ضلالة, و بعد زوال السلطة السابقة, دخلت عليهم مجموعة من الملثمين, تملي عليهم شروطا و قيودا جديدة, تحت طائلة الذبح أو النسف, من أهمّها: ألاّ تعمل السيدات في المسرح, أو تدرّس البنات في المعهد المسرحي, لقد كانوا يرسمون معالم دولة اعتقدوا أنّها قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها.

تلعفر تدفع تكاليف بهلوانات على شكل حروب و مجازر جماعيّة وتقطيع أشلاء و صواريخ كروز تدك الملاجئ فتصهرها بمن فيها و أفعال مشينة في أبي غريب يندى لها جبين العصر, حروب ليست كالحروب لها سياق تاريخي و ظرف مادي و معنوي, بل أدخلت في خشم التاريخ عنوة, ليعطسها كوارث و فقر و جهل و تخلّف, ثم يخرج علينا مثقفو التخلّف, ليبررون هذه الرذالات بقولهم نحن أمة لا ينفع معها إلا البطش و الاستبداد, إنهم يستعيدون التاريخ على شكل مهازل, وكأن التاريخ امتياز خاص أوكالة مملوكة, لكنّ الواقع أشد مكرا ودهاء يسلط على الظالم من هو أظلم, فيدفع المدينون الاستحقاق

الذي كانوا له ناكرين.

أما نحن المتفرجين على الساحر الأمريكي و هو يخرج من قبّعته جثثا و أشلاء و تمرات و هنيّات لأطفال و نهود لنساء, ومن ثمّ سيدفع الساحر إلينا قبعته لنملأها ثمنا للفرجة, فالفرجة ليست ببلاش, فنحن الآمة الوحيدة التي تدفع ثمن البضاعة مرات عديدة , و سيأتي علينا الدور احتلالا وقتلا و تفتيتا و لن يتركنا حتى يكل أمرنا إلى مستبد آخر لتعود الكرّة من جديد غزاة و طغاة و غلاة.

من تلعفر إلى منهاتن في نيويورك, كم هو الثمن باهض, دفعناه نصف قرن ضاع سدى, نصف قرن من الشعارات الفارغة, و اصطناع أمجاد بلا مجد حقيقي, تورّم شحميّ لا نمو حقيقي, بل نمو في التخلّف, و لا شيء حقيقي: الدولة و رجالها, الاقتصاد و أعماله, البطل و تمثاله, عظماء بلا عظمة, فلا مغيث لأطفال تلعفر حيث لا زاد و لا ماء ولا دواء , سوى قول للراحل عمر أبو ريشة استحضره من الذاكرة إن أسعفت:

رب وامعتصماه انطلقت ** ملئ أفواه الصبايا اليتّم

لامست أسماعهم لكنّهـــا ** لم تلامس نخوة المعتصم















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟