الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعالي والمخازي

عبد الله الشيخ

2015 / 2 / 3
كتابات ساخرة


المعالي والمخازي
عبد الله الشيخ
يتلوى كأفعى، ويتبختر كحسناء برئت من العادة، وحالت لفتح ساقيها. ابتسامته المغرية تشي بسهرات تنضح بالعسل، وخدان امرطان، لا شعر فيهما، وبضع شعرات فوق الشفتين، كما هو موجود عند المغول. وعينان ناعستان كعيني من تشتهي وتستحي. أما النشأة ففي بيت أنس وطرب، يؤمه من يريد الاستئناس بالجميلات، عائلة كلها متعة وأنس، وطرب، وغناء، بيت تديره أم جميلة قوية من حديد، تسيطر على الجميع، كانت ترحل بين الحي والحين إلى قرى ومدن بعيدة، تجلب المفتونات والساذجات والمغرر بهن، والمخدوعات، بضاعتها لسان جميل ذرب، يسفح وعوداً لا حد لها، وحنان مفتعل وإرادة قوية، وشخصية أقوى، وجيب ملئ بالنقود. ثم استقرت عندما بلغت اواسط العمر، استقرت واستقر العمل، وبدل أن تجري وراء المفتونات وقليلات الحظ، أخذ هؤلاء يجرين نحوها، وبدأ الانتقاء، جمال وكمال وحسن فريد.
أضافت الخبرة إلى العمل اجتهاداً بعد اجتهاد، قل الرواد كماً، لكنهم تضخموا نوعاً، ليؤدي بالنتيجة إلى ازدهار غير متوقع. بيت خارج المدينة بنصف كيلومتر، محاط بغابة من نخيل. لا يخشى على سمعته من يطرق بابه. بدل عشرة زائرين جاء زائر واحد، وبدل عشر فتيات، استقرت اثنتان أو ثلاث، هيبة وجبوب ممتلئة ونفوذ حزبيين كبار وتجار جملة لا بل قادة كبار، وأصبح البيت ملتقى النخبة، رجال ينحدرون من عائلات رفيعة كانوا في السابق أغوات وأفندية وموظفو محافظة مرموقون، في الإدارة والجيش، والشرطة، ورؤوساء غرف تجارة يتحكمون بالصادر والوارد. وفي نشأته ومنذ نعومة أظفاره، وما إن فك الخط، علمته الأم العظيمة كي يضع المواعيد أمام الأسماء، يوماً فيوم، ساعة فساعة، فالمحافظ في يوم السبت، في الساعة الواحدة، بعد منتصف الليل. وإن أراد ان يأتي في يوم الأحد عليه أن يعلمها قبل يوم، وإلا فلا باب يفتح، ولا وجه بشوش يستقبل. أما مساعده وذراعه الأيمن ففي يوم الاثنين في الثامنة، أما الحاج مظلوم رئيس غرف التجارة ففي ظهر الجمعة، هكذا أراد، وهكذا رتبت اللأمر. سنت السمسارة الأعظم في المحافظات الجنوبية كلها سنن وقوانين العمل. أول قانون الا يرى زائر آخر، ولا يطلع أحد على سر أحد.
العاملات رائعات، بكل معنى الكلمة. شابات صغيرات فائقات الجمال، والعناية بهن لازمة، ففي السبعينات وقبل أن تتملك البيت الواسع البعيد، لم يكن عندها حمام، كانت تحجز على حمام النساء ست ساعات كاملات في يوم الأربعاء، كل أربعاء، اما بعد أن انتقلت إلى البيت الجديد فحرصت على ان تكون الحمام واسعة كاملة سعة حمام السوق العام، ولذا أصبح بإمكان العاملات الجمسلات أن يستحممن يومياً، فما يدره جمالهن يكفي الجميع.
في بيت كهذا لا يمكن أن ينبغ طفل فيه بغير هذه الموهبة، لكن صاحبنا تمرّد عليه، ورث عن أمه قوتها وإرادتها، وعن الأب ميوعته ودفئه، تمرد على من في الدار ما أن بلغ المراهقة، لم تستطع أمه تذليله رغم إسقاطه في الغواية، فقرر الهرب. والتخلص من الماضي الملوث، حيث لا شيء في البيت، والحياة، والتاريخ سوى المخازي. قرر أن يتخلص من أمه ومن يعيش معه، وتاريخه وسمعته كلية. لم يبق على شيء قط. وحين وصل أوربا استبدل حتى اسمه، ولو كان بإمكانه أن يستبدل حتى جلده لفعل.
هناك وفي المدينة البعيدة الجديدة مشى وحيداً ولكن بشخصية أخرى واسم آخر حرص أن يكون مختلفاً كلية عن اسمه الأول، وعملاً شريفاً يجلب الخلود والرفعة، فاختار مهنة الكتاب، ومن يحب الكتب لا يفكر بالخزي، ويحيط بقلب نظيف من يساهم بهذه الصناعة باحترام شديد.
وبين المعالي والمخازي فرق بسيط جداً، كلاهما كلمة، والكلمة ذات قوة جبارة، عندئذ بدأ نجمه بالصعود، فكما صعدت امه السلم إلى القمة بالخزي، صعد هو القمة بالعلى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??