الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إكشفوا الذئاب قبل محاربة الإرهاب

محمد السعدنى

2015 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


فى تراثنا حكمة وعبرة و دروس لمن ألقى السمع وهو شهيد، ولعل من مأثورات الملك عبدالله رحمه الله حكاية موحية وحكمة صافية، كان ولياً لعهد المملكة العربية السعودية حين استقبل فى مقره مادلين أولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب احتلال الكويت. كانت أولبرايت تحشد المنطقة وتجيش لدخول القوات الأمريكية للخليج بحجة حمايته من أطماع صدام حسين واحتمالات توسعه، وكان مما قالته لولى العهد رحمه الله فى سبيل إقناعه بتقديم تسهيلات عسكرية ولوجستية سعودية للقوات الأمريكية، أن هذا هو السبيل الوحيد لإيقاف صدام عند حده والخلاص من تهديداته، وانتظرت طويلاً لتسمع من ولى العهد، وإذا به يروى لها قصة من تراث الجزيرة العربية، مفادها "أن ذئباً شرساً كان يترصد قوافل الأعراب فى رحلات الرعى، يهجم على القوافل كل يوم ويأكل شاهاً ثمينة من قطعانها، ولقد حاولوا التخلص منه دون جدوى، فاجتمعوا لتدارس الأمر والتشاور، واستقر الرأى على استقدام عدداً من كلاب الصيد الشرسة المدربة لحماية القطيع والتصدى للذئاب. بمرور الأيام لاحظ الأعراب أن الكلاب حمت قطعان الرعى وأبعدت عنهم خطر الذئاب، لكنها كانت تأكل كل يوم وليلة ثلاث شياه سمينة لتتقوت استعداداً لمقاومة الذئاب، وهنا تجلت المعضلة، فقد كانت تكلفة كلاب الصيد والحراسة أكثر ثلاث مرات مما يكلفهم الذئب المفترس". صمت ولى العهد بعد أن قص حكايته، وابتلعت مادلين أولبرايت ريقها بصعوبة، ومعها كبريائها الأمريكية المهدرة، لما سمعته من مقابلة جارحة بين قواتها والكلاب المتلمظة للقنص والصيد على حساب الحماية والمقاومة.
كانت هذه هى حكمة ولى العهد ورؤيته، ولئن حالت ظروف المنطقة والمملكة ودول الخليج فى عدم إعمالها، واستعانوا بالفعل بالقوات الأمريكية ودفعوا فى مقابل استقدامها ثمناً فادحاً، إلا أنه سجلها للتاريخ، ولمن ألقى السمع وهو خبير. وفى تقديرى أن هذه الرؤية ظلت حاكمة لمواقفه رحمه الله حتى تولى حكم المملكة، وكان من تجلياتها وقفته الحاسمة مع مصر ودعم 30 يونيو إقتصادياً ودبلوماسياً، وكان لديه مايبرر تشككه وتخوف مجلس التعاون الخليجى، ماعدا قطر، من أن يأتى التقارب الأمريكى الإيرانى على حساب مصالح الخليج ولخدمة أحلام التوسع الإيرانية فى المنطقة، الذى جاءت شواهده فى التسليم الأمريكى بدور كبير لإيران فى العراق، وفى اليمن، وأيضاً فى استغلال ورقة "داعش" لتهديد وابتزاز العالم العربى واستغلال ثرواته واستنفاد مقدراته بدعوى محاربة الإرهاب، وهم من يصنعونه ويمكنون له ويمدونه بالسلاح كما فعلوا مع القاعدة، وكما يفعلون مع تنظيم الإخوان والجماعات الإرهابية الناشئة من أحضانها وأفكارها وتطرفها، وهم يسبغون عليهم الحماية، ويرفضون وضعهم على قوائم المنظمات الإرهابية، بل يضغطون هم وحلفاؤهم الأوروبيون لإدماجهم فى الحياة السياسية المصرية ليمكنوا لهم من جديد فى محاولة للوصول للحكم أو على الأقل لمناوئة النظام الجديد فى مصر وتعطيل تقدمه نحو بناء دولة حداثية قوية. ولعل من تجليات السياسات الأمريكية المتواطئة مع الإرهاب تراخيها الشديد فى إظهار جدية فى محاربة داعش، وفى تغاضيها عما يقوم به الحوثيون من تحويل اليمن إلى دولة فاشلة، وعن إصرارها على تعويم قوى التطرف فى ليبيا بمنع ضربها وبتمسكها بالبرلمان المنحل والموالى للإخوان والإصرار على إدماجهم فى معادلة الحكم والسياسة فى ليبيا التى يعملون على تقسيمها وتمكين الإخوان من حكمها.
ولقد اتضحت فى العمليات الإرهابية الأخيرة فى مصر أن ورائها أصابع مخابراتية دولية تخطط وتدرب وتدعم وتسلح بهدف تركيع مصر وتعطيل برامج تقدمها ونهضتها والتحرش بجيشها، ولقد أشار الرئيس السيسى أكثر من مرة إلى هذا، وفى تقديرى أن الرئيس يمارس أقصى درجات ضبط النفس حتى لايوسع دوائر الخلاف مع الولايات المتحدة وحلفائها المتآمرين فى الإتحاد الأوروبى وقطر وتركيا، ولم يعد فى قوس صبر المصريين منزع، وعلينا أن نعتمد سياسات جديدة تضع العالم أمام مسئولياته، وأن تشير صراحة إلى الدور الأمريكى وحلفائه فى دعم الإرهاب واستخدامه لتحقيق أغراضهم فى المنطقة. لاتكفى الاشارة المبهمة لمن يدعمون الإرهاب ويستخدمونه ضدنا، وعلى الخارجية المصرية أن تطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، نقدم فيها صراحة ماتوفر لدينا من معلومات وقرائن ضد الدول الراعية للإرهاب، ومساءلة أميريكا لماذا تمانع فى وضع الإخوان وتوابعهم على لائحة المنظمات الإرهابية، وقد أسفروا دون مواربة عن الوجه القبيح فى تبنيهم العنف الذى وصل حد التهديد للسياح والأجانب فى مصر وإعطائهم مهلة حتى 11 فبراير للخروج من مصر وإلا عليهم تحمل مسئولية ماسيحدث لهم. إنه التهديد المباشر بالقتل والعنف والإرهاب وقد أعلنوه من قنواتهم الفضائية فى تركيا ولندن ومسجل صوت وصورة بما يثبت تورطهم فى العمليات الإرهابية والدعوة للمزيد منها والتحريض عليها. ولابد من فضح الدول الداعمة لهذا الأرهاب ولاينبغى للدولة المصرية أن تكتفى بالإشارات الخجولة لهذه الدول مهما كبرت أو صغرت، ولاينبغى أن تخدعنا تصريحات مخاتلة لجين ساكى أو غيرها عن تضامن الولايات المتحدة مع مصر فى موقفها ضد الإرهاب، ففى الوقت الذى تقتر فيه كلماتهم بمعسول الكلام تتقاطر من أصابعهم دماء التواطؤ مع الإرهاب ودعمه وحمايته. وعلى الدولة المصرية أن تطلب من أميريكا توضيحاً لاستقبالها وفداً من قيادات الإخوان فى الخارجية الأمريكية والكونجرس، ليخرجوا بعدها بإعلان عن نجاح محادثاتهم مع أميريكا وتفاهماتهم معها والوصول لنتائج مرضية لهم، فماذا عساها تكون هذه النتائج وهذه التفاهمات التى تأتى بعدها بسويعات عملياتهم القذرة فى سيناء؟.
ولقد حذرنا فى مقالات سابقة وبكل الوضوح من أننا ذاهبون لجولات جديدة من الإرهاب، بدأت شواهدها منذ تسليم أميريكا طائرات الأباتشى والتوقف عن انتقاد الموقف المصرى والرئيس المصرى، فيما يمكن اعتباره بداية لسياسات الاحتواء التى تؤسس دائماً للحرب الباردة، ولقد بدءوها ضد مصر كما فعلوا مع روسيا وشواهدها حاضرة ومستفزة وينبغى مواجهتها بكل الوضوح والسفور والجدية. وعلى حكومتنا المرتعشة إما أن تتجرأ وتواجه صراحة، أو تستقيل، وماعدنا نوافق على أن مصر تم تجريفها من الكفاءات، فهذا غير صحيح حتى لو أقنعوا به رئيس الجمهورية. مصر مليئة بالكفاءات وهذا وقتها لتقوم بدورها. إكشفوا الذئاب قبل محاربة الإرهاب، فمصر على خط النار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو