الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش والتحالف الدولي في سوريا

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2015 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



لايمثل تحرير عين العرب / كوباني، نصراً لقوات التحالف الدولي، أو نجاحاً في استراتيجية محاربة داعش والنصرة، لكنه إنجاز للقوى السورية المقاتلة على الأرض، التي أرغمتها بفعل المواجهة على الإنسحاب، وترك المدينة المنكوبة وقد تحولت في معظمها الى ركام، تسببت في معظمه عمليات التحالف الدولي، التي ماتزال حتى اليوم، وبعد مرور خمسة أشهر، مثل عزف منفرد في ريح البراري العاصفة، لم تؤثر فعلياً على تحجيم تنظيم داعش في سوريا بشكل خاص، باستثناء الضربات الموجعة لرتل في ريف حلب قبل يومين، لكنها بطريق الخطأ – أيضاً – استهدفت مدنيين في مناطق عدّة من مدن وأرياف البوكمال وإدلب وحلب والرقة، فأضافت سبباً جديداً للتهجير.
في كل الأحوال، لم تستطع عمليات التحالف الدولي، ان تمنع تنظيم الدولة الإسلامية، من ارتكاب جرائم بشعة، حيث يحكم سيطرته في الشمال السوري، ليس آخرها إعدام الصحفي الياباني كينجي غوتو، وإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة. وقد شهدت ساحات المدن والبلدات حالات إعدام فردية وجماعية لشبان سوريين، وكذلك حالات رجم وصلب، إضافة الى استمرار اختطاف عشرات النشطاء المدنيين، من أطباء وصحفيين وحقوقيين، وكتاباً وعاملين في الحقلين السياسي والإغاثي. ولم تبذل القوى الاقليمية أي جهد يذكر، لوقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الأفراد والجماعات، وحماية المواقع المسجلة، كتراث إنساني عالمي، من النهب والتخريب. فيما تمعن داعش في عمليات التجويع، لإرغام السكان المحليين المدنيين، على الخنوع لها كما يحدث منذ عدّة ايام في منطقة عين عيسى، شمال الرقة. صحيح أن تنظيم الدولة، يعيش صراعات داخل صفوفه، يصوره البعض على أنه تململً إلى درجة التمرد، وهو يتنافى مع المعتقد الذي دفعهم للإنضمام الى داعش. فيما يبدو أنه صراع على السلطة، بين أجنحة التنظيم المعروفة: الأنصار والمهاجرين، على خلفية الاختلاف حول قضايا عديدة منها قضية الكساسبة /الريشاوي. وعلّ انعكاس هذا الصراع على أهالي المنطقة، هو الأكثر إيلاماً، مع تجاهل مستمر من المجتمع الدولي، ومجتمع المعارضة السورية، لمعاناتهم وآلامهم.
استطاعت داعش استغلال الحملة الدولية ضدّها، فتمكنت من تحقيق هدفين أساسيين، هما إعادة بناء استراتيجية التعامل مع القوى الدولية والإقليمية، وبالطبع خطط اتقاء الضربات الجوية، والثاني تعزيز بنيتها الداخلية، من حيث الضبط التنظيمي، ومواجهة القلاقل في المناطق المحتلة من قبلها، بسطوة أشد، باعتبارها تواجه حلف " كفرة " يستهدف مشروع بناء الخلافة الإسلامية. وقد أكسبها ذلك قوة كلاعب أساسي في المنطقة من ناحية، والتفافاً عصبوياً اجتماعياً من ناحية ثانية، حتى وإن كان التنظيم فاقداً في الجوهر للحاضنة الإجتماعية الحقيقية، وليست القائمة على الخوف والقهر. هذه الصورة تتطابق تماماً مع استغلال النظام بقدرة متواترة، لكل الظروف الدولية، بما فيها التحالف الدولي، ليعزز مكانته ودوره كنظام يتعرض لهجمة إرهاب واسعة وشاملة، وأن كل ما يقوم به ينسجم تماماً مع التوجه الدولي في محاربة الإرهاب. وكلا الطرفين ليس ثمة مواجهة فيما بينهما، وضحايا المجازر والممارسات الإجرامية هم السوريين المدنيين، في كل المناطق التي يسيطيران عليها، ويحيلان الحياة فيها الى خراب عميم، دون يجد الطرفان من يردعهما عن الاستمرار في ذلك كما يجب..حتى اليوم.
لا زالت أوراق التحالف الدولي غامضة، فيما لا تزال واشنطن تمارس سياسة أقرب الى التعاطي مع الوضع في المنطقة من ثقب الباب، فلا هي استطاعت أن تضع استراتيجية فعّالة لضرب داعش من جذورها، ولا تمكنت من إرغام القوى الدولية والإقليمية المساندة للأسد، على الذهاب جدياً في عملية التسوية السياسية،التي لاترى واشنطن، وعواصم القرار الدولي، بديلاً عنها. ويبدو أن لقاءات القاهرة وموسكو كانت عاملاً إيجابياً في خطف الأضواء مؤقتاً، عن فشل التحالف الدولي في تحقيق إنجازات مباشرة على الأرض. وسيبقى الحال كذلك ما لم تعيد واشنطن رسم استراتيجاتها استناداً إلى عاملين أساسيين هما معالجة قضية الإرهاب بصورة جذرية في المنطقة، أي مسبباتها، وهي نظام الأسد، ووجود تنظيم القاعدة ومشتقاته. و العمل على دعم المعارضة والتنسيق معها في محاربة الإرهاب المزدوج المصدر:داعش والأسد. ولا شك في أن الشعور بالخذلان من قبل المجتمع الدولي، وبالضعف في مواجهة استبداد الأسد ومجازره اليومية، يشكلان عاملاً مهماً في دعم داعش والنصرة. وفي الحقيقة فإن المجتمع الدولي الذي لم يكترث لمجازر الأسد في سوريا 1982، لن يدفعه حجم عمليات الإبادة المنظمة اليوم، لاتخاذ أي موقف يوقف القتل، ويدفع بالقتلة – كمجرمي حرب - الى المحاكم الدولية.
الواقع، أن واشنطن تنظر الى الدورين الإيراني والروسي، في محاولة خلق مسار جديد للتفاوض، وفق رؤيتهما لحل الأزمة لسورية، من زاوية المصالح الأمريكية المتصلة بمباحثات النووي الإيراني، وفي الضغط الذي تمارسه عبر الاستمرار في خفض سعر النفط،الذي يشكل عامل ضغط كبير على القوى الدولية التي تريد واشنطن إضعافها: روسيا بشكل خاص، مع إيكال الملف السوري لها. وما لاشك فيه أن تراجع الإهتمام الأمريكي بما يحدث في سوريا بصورة مباشرة، يجعل من أي مبادرة أو جهود دولية غير ذات اهمية، ويلاحظ انه منذ إعلان اوباما قبل نحو عام عن توجهات إدارته في السياسة الخارجية الأمريكية، دخلت المسألة السورية، في الركن المهمل، وشهدت عاماً من جمود المشهد السياسي، وتراجع في العمل السياسي، مع صعود غير مسبوق لمؤشر استخدام العنف ضد السوريين، دون استثناء. ولم تستطع الجهود المبذولة، الدفع باتجاه التسوية السياسية، أو حلّ مشكلاتٍ حيوية، مثل قضايا اللاجئين ، وما يستتبع ذلك في التعليم والصحة، إضافة الى مشكلات إجتماعية وثقافية تفرض وجودها بقوة كناتج لتطوات القضية / الأزمة.
يتمدد كلا الطرفين: نظام الأسد وداعش، بوصفهما تنظيمين إرهابيين، في ممارساتهما اللا إنسانية، ويمعنان في القتل، وفي تدمير البنى الإجتماعية والثقافية لما تبقى، بفعل الحرب التي يتشاركان في شنها، على السوريين، في تبادل للأدوار وتكامل للنهج الإجرامي، الذي يبرز تناقض المجتمع الدولي في رؤيته للسلم والأمن الدوليين، ومحاربة الإرهاب، وترك السوريين هائمين حائرين كل هذه السنوات!
__________________
كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا