الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت .. فى عبوات مزركشه

ياسر العدل

2005 / 9 / 13
كتابات ساخرة


فى الأسابيع الماضية انتصرت مع زوجتى فى معاركنا المالية، انتهزنا فرص التخفيضات وكسونا أنفسنا بهدوم وأحذية وشباشب، دفعنا مقدمات دروس الأولاد وبقايا مصاريف المدارس، طبخنا مرتين لحمة رأس وكوارع عجالى، وفى العيد الكبير أكلنا حلاوة ملبن وحمصية تكفى احتفالنا بثلاثة أعياد تالية، نقلنا ديوننا من زملاء يكزّون شفاههم تجريسا لنا على تأخرنا فى دفع حقوقهم وأصبحنا مدينين للبنوك بضمان أسمائنا فى كشوف مرتبات الحكومة، دفعنا فواتير التليفون وآخر قسط من ثمن الثلاجة، أما أقساط تمليك الشقة فقد أرجأنا دفعها لمدة عام كامل، وأصبح لائقا أن نحتفل بانتصارنا فى جو شاعرى.
فى صباح اليوم الثانى من الأسبوع الماضى، تأكدت أن أولادنا ذهبوا جميعا لأشغالهم، وأن زميلى فى العمل نجح فى تسليك أمورى عند رئيسنا المباشر، وأن شمس الخريف تضم الكون فى دفئ لذيذ، وأن بقايا مرتب الشهر تكفى لجلوسى فى الشرفة مع زوجتى الطيبة، نتناول كوبين من الشاى بالنعناع نرشف معهما جرعات وصل ورضا، وحين أضاءت شمس الشرفة بهاء وجه زوجتى, واكتشفت أن لها حواجب تتحرك، رأيت أن شاى الأرض ونعناعها لا يفيان بمتطلبات الوصال بين الأحبة، وقررت النزول فورا متواثبا فوق سلالم العمارة لأشترى زجاجة مياه غازية، مؤكدا لنفسى أن العاشق الكبير لا يشرب إلا من عبوات كبيرة.
كانت الزجاجة كبيرة مليئة بمياه غازية باردة، وتماوجت أساريرى تغازل الظلال حولها فابتسم البائع وأعطانيها فى كيس مزركش مع قطعتين من اللبان الدّكر، عدت أدراجى إلى الشرفة حاملا الكيس المزركش ووضعته حانيا أمام زوجتى بجوار كوبين فخيمين من زجاج لامع، وبتمهل كبار العاشقين فتحت الكيس وسحبت الزجاجة متمهلا شمس خريفنا الرائع كى تشهد على تأجج عواطفى تجاه رفيقة دربى الطيبة.
قرر ضوء الشمس أن يعلمنا حقيقة ما نحن مقبلون عليه، الزجاجة محكمة الإغلاق، لكن لون مياهها الغازية مختلف، فجأة اكتشفت بداخلها كتلة من جسد حيوانى غير واضحة الملامح، ليست جثة صرصار فإنها أكبر كثيرا، وليست جثة حمار فإنها أصغر كثيرا، إذن هى بقايا جثة كلب أو أن أحدهم قتل غريمه ووزع الجثة على مئات من الزجاجات المشابهة، وحين أعلنت فى الفضاء أنها جثة فأر، صرخت زوجتى وهاجمها القىء وتركتنى وحيدا فى شرفة الأنس، ووجدتنى أحمل الزجاجة لأعيدها للبائع متوقفا عن تصور ما بداخلها من جثث.
ساومت البائع على استرداد ثمن الزجاجة وتنابزنا بالألقاب، تدخل بعض الجيران وساومونى على اقتسام أموال سأكسبها من رفع دعوى قضائية على منتج يستهين بأرواح المواطنين ويبيع لهم جثثا فى زجاجات غازية، وبانت الزجاجة أمامى كنزا يسدد ديونى ويشترى شقق وعمارات ويخلصنى من نكد زوجتى المخبوء ويزوجنى غيرها عشرات من الجميلات، وبدأت التفكير فى اقتناص طرق الثراء.
الأفضل أن أذهب بالزجاجة لإبلاغ الشرطة، لكننى سأقف فى طابور من يشكون إهمال جمعيات رعاية المستهلك ويطول انتظارى وأشعر بالتعب وتقع الزجاجة مهشمة على الأرض ويضيع دليل الجريمة، وتقبض الشرطة على بتهمة إزعاج السلطات والموتى، إذن لا داعى للذهاب إلى الشرطة.
الأفضل أن أعطى الزجاجة لمحام شاطر يلعب بالبيضة والحجر، لكن المحامى سيطلب منى مقدم أتعاب ويقنعنى بأن القضية خاسرة، وسيأكل المحاكم والعة ويقبض التعويض بالملايين ويبلع حقوقى، لا داعى إذن للاستعانة بمحامى من الشطار.
الأفضل أن أكتب عن الزجاجة فى الصحافة، لكن الصحف فى حاجة لدخلها من الإعلانات، وبفرض أن محتويات الزجاجة قتلتنى مع وزوجتى فلن يدفع منتج الزجاجة دية لورثتنا أكثر مما دفعته الحكومة عن كل ضحية فى قطار الصعيد، ديتنا أنا وزوجتى فى عرف الحكومة خمسون ألف جنيه فقط، وهى أقل من ثمن إعلان لمرة واحدة على مساحة نصف صفحة بالألوان فى جريدة واسعة الانتشار، إذن لا داعى للكتابة فى الصحف عن الزجاجة.
ورأيت الأفضل كتابة مقال صحفى عام، أطالب فيه جمعيات رعاية المستهلك والشرطة والمحامين والصحافة أن يهبوا من أجل صحة وكرامة المواطنين، طامعا فى بعض الصحة لأعاود الجلوس هانئا فى الشرفة مع زوجتى الطيبة نرشف أباريق باردة من الكركديه ونمضغ أطنانا من اللبان الدكر0
د0 ياسر العدل












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزراء الزراعة وقطاع الا?عمال والاستثمار والعمل والثقافة يو?د


.. لبنى.. ابنة الفنان المصري أحمد راتب تخطت صدمة وفاة والدها ب




.. نصير شمة يحتفل باليوبيل الفضي لتأسيس بيت العود العربي في الق


.. فنانة شهيرة تتمنى خروج جنازتها من المسرح القومي




.. بايدن عن أدائه الضعيف بالمناظرة: كنت أشعر بالإرهاق من السفر