الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عَذَابَاتُ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ في وَحْشَةِ العَالمِ

شريف رزق

2015 / 2 / 5
الادب والفن


عَذَابَاتُ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ في وَحْشَةِ العَالمِ
وَالاصْطِدَامُ بجُدْرَانِ الوجودِ
في قصِيدَةِ النَّثرِ العَربيَّةِ المُعَاصِرَةِ

يظلُّ المنظورُ الوجوديُّ للعَالمِ هُوَ الأشدُّ مُلاءَمَةً لمُقاربَةِ دِرَاميَّةِ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ في جَحِيمِ العَالمِ ، وَفي هَذا المَنْظُورِ تتبدَّى – على نحوٍ وَاضِحٍ – مَرْكزيَّةُ الكائنِ البَشريِّ في الكَوْنِ ، في سَرديَّاتِهِ الشِّعريَّةِ الدِّراميَّةِ ؛ التي تكشِفُ عنْ سَعْيهِ الدَّؤوبِ إلى التَّحرُّرِ منْ كلِّ قيدٍ ، وتشدِيدهَا على الأسئلةِ الكُبْرى الَّتي تتبجَّسُ في رِحْلتِهِ الدِّراميَّةِ ، ومنها سُؤالُ المَصِيْرِ ، وَالاخْتِيَارِ ، وَالحُريَّةِ ، وَانْهِمَامهَا بوَحْشةِ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ ، وَقلقِهَا المُتوقِِّدِ ، وَرُؤى العَدَمِ وَالعَبَثِ وَالخَرَابِ ، وَالنِّضَالِ منْ أجْلِ تأكيدِ الوجودِ وَاخْتيارِ المَصِيْرِ، وَهِيَ القَضَايَا المَرْكزيَّةُ التي صَاحَبَتْ الكَائنَ البَشَريَّ في شَتَّى عُهودِهِ .
تصْطدمُ التَّجربَةُ الإنسَانيَّةُ في هَذا الفَضَاءِ بحَوَائطِ الوجودِ ، وَثُكناتِهِ ، وَسَيِّدِهِ ، وَيتبدَّى مأزقُهَا الحَيَاتيُّ الدِّراميُّ ، على نَحْوٍ فاجعٍ وَمَلحميٍّ .
وَقدْ بَرَزَتْ ، على نحْوٍ وَاضِحٍ ، مَرْكزيَّةُ الذَّاتِ الشِّعريَّةِ ؛ بأسْئلتِهَا الكُبْرَى ، في مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ الجَديدَةِ في قصِيدَةِ النَّثرِ، وَيلحَظُ المُتأمِّلُ لمَسَارِ الشِّعريَّةِ الجَديدَةِ ، تهمِيشَ هَذِهِ الشِّعريَّةَ ، منذُ مَطَالعِ تسعينيَّاتِ القَرْنِ الماضِي ؛ لِصَالحِ شِعريَّةِ المَعِيْشِ وَاليوميِّ وَالتَّفاصِيليِّ الجُزْئيِّ ، وَهُوَ مَا صَاحَبَ التَّحوُّلَ منْ المَنْظورِ الكُليِّ إلى المَنْظورِ الجُزْئيِّ ، وَمِنْ مَرْكزيَّةِ الذَّاتِ الإنسَانيَّةِ في الخِطابِ إلى مَرْكزيَّةِ الوَاقعِ المَعِيْشِ ، وَرَصْدِهَا رَصْدًا خَارجيًّا حِيَاديًا ، في الغَالبِ ، وَتَجَنُّبِ التَّذويتِ في حَالاتٍ عديدَةٍ ، غيرَ أنَّ النزوعَ الإنسَانيَّ وَمَوْقِفَ الذَّاتِ في هَذَا العَالمِ الجَيَّاشِ ظَلاَّ حَاضِريْنِ بوضُوحٍ في سَرديَّاتِ الوَاقعِ المَعِيشِ الشِّعريَّةِ ، وَشَدَّدتْ بَعْضُ التَّجاربِ على مَرْكزيَّةِ الذَّاتِ وَاسْتِيْحَاشِهَا في هَذَا الوَاقعِ المَعِيشِ ، وَمِنْهَا تجربَةُ وديع سَعادة وتجربَةُ بسَّام حَجََّار، في مُقابلِ تيَّارِ آخرٍ شَدَّدَ على شَخْصَانيَّةِ اللغةِ الشِّعريَّةِ ، وَمِنْ أبْرَزِ شُعرائِهِ شُعَرَاءُ السَّبعينيَّاتِ في مِصْرَ.
وَتتبدَّى أزْمَةُ الوجودِ الإنسَانيِّ في خِطابِ قصِيدَةِ النَّثرِ العَربيَّةِ على عِدَّةِ مَحَاورَ، هِيَ :
- دِرَاميَّةُ الوجودِ الإنسَانيِّ ، في تجربَةِ توفيق صَايغ :
تكشِفُ تجربَةُ توفيق صَايغ (1923 - 1971) الشِّعريَّة ، بوضوحٍ ، دِرَاميَّةَ الوجودِ الإنسَانيِّ الأعْزَلِ في صَحَراءِ هَذَا العَالمِ المُوْحِشِ وَالجَحِيمِي ، وَسُخْطه على المَصِيْرِ المَحْتُومِ ، وَاحْتدامَاته مَعَ الذَّاتِ الكُبْرَى المُهَيْمِنَةِ على العَالمِ وَتَشْهَدُ عَذاباتِهِ ، وَلهَذَا كثيرًا مَا يتوجَّهُ إليْهَا بمنولوجَاتٍ شِعريَّةٍ دِرَاميَّةٍ مُلتهِبَةٍ ، تكشِفُ لوعاتِهِ وَحَرَائقَهُ الدَّاخليَّةَ ، على نحْوٍ كثيفٍ ، وتقترِبُ ، أحْيَانًا ، منْ تخومِ التَّجاربِ الصُّوفيَّةِ ، وَلكِنَّ صُوفيَّتَهُ ، كَمَا لاحَظَ مَارون عبُّود (1886-1962) ، " صُوفيَّةً مُتَمَرِّدةً عَنِيفَةً "(1) ، وَالفِعْلُ الشِّعْريُّ في خِطابِ صَايغ ، كَمَا أشَارَ سعيد عقل (1912- ) ، يُشْبِهُ الحُلْمَ ، بلْ " هُوَ مَحْضُ حُلْمٍ ، لشدَّةِ مَا هُوَ حَيَاةٌ "(2) ، وَالذَّاتُ الشَّاعرةُ عِنْدَهُ تُمَثِّلُ مَسِيْحًا جَدِيدًا ، كَمَا رأى غالي شكري (1935- 1998) ، وَلكِنَّ هَذَا المَسِيحَ " لا يَرْتَدِي ثِيَابَهُ التَّاريخيَّةَ على خَشَبَةِ الصَّليبِ القَدِيمةِ (3)، بل هو مَسِيحٌ مُتَمَرِّدٌ ، ثَائِرٌ ، يَكَادُ لا يَقْوَى على الامْتِحَانِ الصَّعْبِ ؛ حَيْثُ كانَ توفيق صَايغ - كَمَا وَضَّحَ جبرا إبراهيم جبرا - " يُعبِّرُ عنْ حِسِّهِ الفَاجعِ ، أوْ حِسِّهِ بالعُقْمِ ، بِشَكلٍ آخَر، لا عَنْ طريقِ الغَضَبِ ؛ بلْ عنْ طريقِِ المُحَاجَجَةِ الدِّينيَّة.. وَكانَ دائِمًا يَخْرُجُ بنتيجةٍ ، أنَّ هذِهِ القُوَى كُلّهَا لا تُؤدِي بِهِ ، أوْ لا تَتَخَطَّى بِهِ ، العُقْمَ الذي يَرْفُضُهُ هُوَ "(4) :
" أَكُلَّمَا مَسْمَرَ الوَحْلُ قَدَمَيَّ
وَشَلَّنِي إلاَّ يَدَيْنِ رَفَعْتُهُمَا إليكَ
تَمَسْمَرْتَ وَشَلَلَتَ يَدَيكَ
وَطَالَبْتَنِي بِالانْبِثَاقِ بِالارْتِقَاءِ إليكَ ؟
أَكُلَّمَا صَرَخْتُ وَاسْتَغَثْتُ
وَاكْتَسَبْتُ عَطْفَ مَنْ حَوَاليكَ
عَطَفْتَ لَكِنَّمَا اكْتَفَيْتَ
(يَدَيْكَ أُرِيدُ يَدَيكَ )
بِتَدْلِيَةِ حَبْلٍ إليَّ ؟
وَمَاذَا إنْ كُنْتُ في حَمْأةٍ
تَشُدُّنِي شِبْرَيْنِ قَبْلَ أنْ يَشُدَّنِي حَبْلُكَ قِيرَاطًا ؟
وَمَاذَا إنْ جَبَلتَ ذِرَاعَيَّ نَحِيْفَيْنِ عَيَّيِنِ
وَدَلَّيْتَ حَبْلَكَ قَصِيْرًا مُهَلْهَلاً
وَعَلَّقْتَهُ مُسْتَرْخِيًا بِخِنْصِِرِكَ ؟."(5)
وَتُشدِّدُ تجربَةُ توفيق صَايغ على المَوقِفِ الدِّراميِّ الحَادِّ ؛ مَوقِفِ الذَّاتِ الفَرْديَّةِ الشَّقيَّةِ ، طَريحَةِ العَرَاءِ ، في مُوَاجَهَةِ الذَّاتِ الكُلِّيَّةِ المُسْتَبِدَّةِ ، المَعْشُوقَةِ الطَّاغِيةِ ؛ لا تَسْتَطِيعُ الفِكَاكَ مِنْهَا ، ولا تَقْوَى على الفِكَاكِ مِنْهَا ؛ وَلِذلكَ هيَ في حَالَةِ خِطَابٍ دَائِمٍ لَهَا ، خِِطَابٍ يَحْتَدُّ أحْيَانًا لِيَصِلَ إلى دَرَجَةِ المُحَاجَجَةِ ، فَالعُوَاءِ ، تَتَطوَّحُ بينَ التَّودُّدِ وَالاحْتِدَادِ ، وَالانْجِذَابِ وَالمَحْوِ :
" لا أُرِيْدُنِي أنْ أفِرَّ وَلا أنْ أَتَمَلَّصَ
وَأُرِيْدَكَ أنْ تَنْشُدَني
وَتَرْفَعنِي مِنْ حَيْثُ أكُونَ أوْ لا أكُون
أُرِيْدُنِي أفْعُوانًا في جَوْفِ سَلَّةٍ
غَافِيًا
عَنْ ذَاتِهِ عَنْ السَّلةِ عَنْ كُلِّ شَيءٍ
وَأُرِيْدُكَ حَاويًا تَعَرَّى
إلاَّ مِنْ لَفَّةٍ أوْ لَفَّتيِنِ وَشَعْرُهُ القَاسِي
يُوقِظُنِي وَيُكوِّننِي وَيَرْفَعُنِي أعْلَى
وَيُرَقِّصَنِي على أنْغَامِِ مِزْمَارِهِ ."(6)
وَيَنْقَلِبُ المَسِيحُ الجَديدُ على مَصِيْرِهِ المَحْتومِ ؛ فيُواجِهُ إلهَهُ الَّذي ألقَاهُ في هَذا الجَحِيمِ الأرْضِيِّ :
" أنْتَ الَّذي حَكَمْتَ عَليَّ بالنَّفِي
وَعَيَّنْتَ في المَنْفَى مَنَازلِي ؛
وَصَمْتَ جَبِيْنِي
وَفَرَّرْتَنِي في اللامَكَانِ
أُفتِّشُ عَنْ كفَّارةٍ
تحْمِلُ لي صَكَّ الفِدَاءِ
وَأحْمِلُ لهَا التَّغني
بصَوْتٍ لمْ يُدَنْدِنْ مُنْذُ أيَّامِ الوَطَنِ.
أعْطَيْتَنِي مِفتَاحًا
أدَرْتُهُ في القُفلِ
فرَحَّبتْ مِنْ الدَّاخلِ كفَّارةٌ عَقِبَ كفَّارةٍ
حَتَّى إذَا مَا أطَلَّتْ عَليَّ
وَتَوَسَّمتُ الإخْلاصَ
رَأتْ جَبيْنيَ الَّذي وَصَمْتَ
وَالتبَطَ البَابُ في وَجْهِي
وَتَدَحْرَجَ المِفتَاحُ عَلى العَتَبَةِ ."(7)
وَإمْعَانًا في الثَّورَةِ وَرَفْضِ هَذَا المَصِيْرِ ، يدعُوه إلى المُحَاسَبَةِ النِّديَّةِ ، وَجْهًا لوَجْهٍ :
" هَلُمَّ نَتَحَاسَبُ
تَخُطُّ الصَّغيرَةَ وَالكبيرَةَ
في الدَّفترِ السَّميْكِ ،
وَتَصْفَعُ الوَجْهَ بِهِ
مُجَهِّزًا كفَّتيَّ المِيْزَانِ .
كُلُّ مَا في السِّفرِ صَحِيْحٌ
فيَدُكُ المُرْهَقةُ جِهَازُ تسْجِيْلٍ دَقيْقٍ .
وَلكِنْ تَمَهَّلْ سَاعَةً
أُدِنْكَ يَا دَائِنِي .." (8)
وَعَبْرَ حُضُورٍ إنسانيٍّ كثيفٍ يُجَسِّدُ توفيق صَايغ آلامَ الرِّحلةِ الإنسَانيَّةِ في عَرَاءِ عَالمٍ جَحِيمِيٍّ خَرِبٍ ، وَتطوُّحَاتِهَا ، وَانْفِجَاراتِهَا ، وَعَذبَاتِهَا المِيتافيزيقيَّة ، وَسَعْيهَا الدَّائم إلى الخَلاصِ وَالتَّحررِ .

- حَرَائقُ الحُضُورِ الصُّوفيِّ تجربَةِ إبراهيم شُكْر الله :
جَنَحَ إبراهيم شُكْر الله (1921- 1995) إلى آليَّاتِ التَّجربَةِ الصُّوفيَّةِ للتَّعبيرِ عَنْ عذاباتِهِ الرُّوحيَّةِ ، وَصَبوَاتِهِ ، وَاصْطِدامِهِ بجُدْرَانِ الوجودِ ، وَآثرَ نَهْجَ النَّفريِّ تحديدًا في التَّعبيرِ عَنْ هذِهِ التَّجربَةِ ، وَيُوضِّحُ ، في مُقدِّمَةِ ديوانِهِ :" مَوَاقِف العِشْقِ وَالهَوَانِ وَطُيور البَحْرِ" سَعْيَهُ إلى ،" ابْتِدَاعِ لُغةٍ جَديدةٍ ، وشَكْلٍ جَديدٍ ، يُعبِّرُ عنْ النُّزوعِ الحَارقِِ إلى الحُرِّيَّةِ الكَامِلَةِ"(9)، ويتكشَّفُ فِي هذه المقدِّمةِ انْبِهَارُهُ العَمِيقُ بِكَثَافةِ اللغةِ وَاحْتِدَامِهَا ، في كتاب: المَوَاقِف وَالمُخَاطَبَات ، بالإضَافةِ إلى وعيهِ الطّليعيِّ بطبيعةِ الإبداعِ في الشِّعْرِ الحُرِّ ، كَمَا تُجَسِّدُه تجاربُ الشُّعراءُِ الغَرْبِيينَ ، ويُعبِّرُ عنْ هَذَا الوَعْي تَعْبِيرًا وَافيًا بقولِهِ : " آثَرْتُ نَهْجَ النَّفَّريِّ ؛ حيثُ الإيقاعُ حَرَكَةُ تَنَاغُمٍ دَاخِليٍّ ، وَليْسَ تَطَابُقًا نَغَمِيًّا ، بينَ أجْزَاء خَارجيَّةٍ شكليَّةٍ ؛ بحيثُ يَتَوَحَّدُ الشَّكلُ وَالمَضْمُونُ تَوَحُّدًا جَوْهَريًّا ؛ فلا ينفَصِلُ المَضْمُونُ عنْ الكَلِمَاتِ التي تُعبِّرُ عنْهُ ، والتي تَزْخَرُ بِمَعَانٍ لا تَسْتَطِيعُهَا الكِتَابَةُ النَّثريَّةُ ، كَلِمَاتٌ تُشِيرُ وَتُوْمِئُ وَتُوحِي بأكْثَر مِمَّا تقولُ ، وَرَأيْتُ - كَمَا رأى شُعَرَاءُ الغَرْبِ المُحْدَثُونَ الذين آثَروا نَهْجَ الشِّعْرِ الحُرِّ - أنَّ التَّعبيرَ الدَّافِقَ المُنْطَلَقَ ، بِمَا يحملُهُ منْ بِطَانَاتٍ عَاطِفيَّةٍ مُكثَّفةٍ ، يَحْمِلُ كَذَلكَ مُوْسِيقَاهُ الخَاصَّةَ بهِ ، وَأنَّهُ على نَقِيْضِ الإيقاعِ التَّقليديِّ المُنْتَظِمِ أكْثَرُ تنوُّعًا وَتَهَدُّجًا ؛ يفورُ وَيَتَدفَّقُ مَعَ ارْتِفَاعِ العَاطِفَةِ ، وَيَهْدَأُ مَعَ انْحِسَارِهَا، وَيَتَكَسّرُ مَعَ ازْدِوَاجيَّةِ المَشَاعِرِ وَتَنَاقُضِهَا . وَهَكَذَا اسْتَبَحْتُ في بِنَاءِ القَصِيدَةِ مُكونَاتِهَا الأصليَّةَ : طَبِيعَةَ الألفَاظِ ، وَقِيْمَتهَا الصَّوتيَّةَ والعَروض والبِناءَ والنَّغَمَ ، وَسَعَيْتُ .. لاخْتِطَاطِ مَسَاراتٍ ، نَحْوَ التَّجريدِ وَالتَّعرِيةِ وَالكَثَافَةِ وَالتَّرَاكُمِ المَضْغُوطِ ؛ لإحْدَاثِ تَحَاويرَ حَافِلَةٍ بِالتَّوتُرِ وَظِلالِ المَعَانِي ، كَمَا جَعَلْتُ الإيقاعَ نَابِعًا مِنْ مَوْضُوعِ القَصِيدَة ، وَتَعْبِيْرًا عَنْهَا."(10)
وَتُشدِّدُ تجربَةُ شُكر الله على تجسِيْدِ حَالاتِ " الوَحْشَةِ ، وَالقَلقِ ، وَالخَوْفِ ، وَالشَّبقَ إلى المَجْهولِ ، وَالتَّشوُّقِ إلى المُطْلَقِِ ، وَالسَّعي وَرَاءَ الوجودِ الكَامِلِ "(11) ، عَبْرَ أداءٍ شِعريٍّ منولوجيٍّ اسْتِبْطَانيٍّ ، تُهيمِنُ فيْهِ رُؤى الخَرَابِ ، وَوَحْشَة الذَّاتِ الإنسَانيَّةِ فيْهَا ، وَبَحْثها الشَّاق عنْ القيمَةِ وَانتشَالِهَا مِنْ بيْن الخَرَابِ :
" تحوَّلْتُ إلى الدُّروبِ المَهْجُورَةِ
الهَاربَةِ مِنْ تحْتِ قدمَيَّ
أطْرِقُ أبوابًا مُوْصَدَةً لمْ تُوْلَجْ بَعْدُ ،
مُتَعَثِّرًا في الخَرَائبِ مِثْلَمَا
تَتَعَثَّرُ أقدَامُ الخَيْلِ المَبْقورَةِ بأحشَائِهَا ،
أسْعَى لانتشَالِ مَا ضَاعَ في العَرَصَاتِ
انْتُشِلَ ثمَّ ضَاعَ المَرَّةَ بَعْدَ المَرَّةِ
أُحَاولُ ضَمَّ الأجْزَاءَ المُحَطَّمَةَ لبَعْضِهَا ."(12)
وَتُهَيْمِنُ القتامَةُ على رُؤيتِهَا مَصِيْرِهَا المَحْتُومِ :
" رَأيْتُكَ مَصْلوبًا في سَان بَوْلِي
وَجُرْحُكَ الَّذي في جَنْبكَ يَدْمِي مِنْ جَديدٍ
وَالدَّمُ يختلِطُ بالمَنِيِّ
يَصْنَعُ خَمِيْرَةً جَدِيْدَةً
لِعَذَابٍ جَدِيْدٍ .

وَحِيْدًا في سَان باولِي
وَالصَّلَعُ يَدُبُّ وَئيدًا في مُقدِّمَةِ رَأسِكَ
وَالتَّرهُلُ يَشِيْعُ هُنَا وَهُنالِكَ
يَصْنَعُ مَآسيَ صَغِيْرَةً
وَكُوميدياتٍ للمَوَاقِفِ ." (13)
وَتتبدَّى الذَّاتُ الإنسَانيَّةُ في هَذَا الخِطَابِ وَحِيْدَةً ؛ تسْعَى في طُرُقاتٍ خَرَابٍ ، وَكُلُّهَا تَصْمِيْمٌ وَعَزْمٌ على الإنْجَازِ وَالتَّحرُّرِ، وَالانفصِالِ عنْ العَالمِ المُجْدِبِ الشَّائِهِ :
" مَاذَا أصْنَعُ الآنَ
سَأمْضِي إلى نِهَايَةِ الشَّارعِ
ثمَّ أعودُ وَحِيْدًا
مُتعرِّجًا في طُرُقاتٍ لا تنتهِي
في دروبٍ صَاعِدَةٍ
وَأخْرَى هَابِطَةٍ
وَسْطَ مَفَاوزِ منْ نفوسِ النَّاسِ
دَاخِل كُثبانِ وُجُودِي الجَدْبِ
حَتَّى أجِدَ النُّقطَةَ الثَّابتَةَ
مُلْتَقَى البَحْرَيْنِ
عِنْدَ ذَاكَ أغْتَسِلُ
وَأنفِضُ نفسِي عَنْ نفسِي
وَأسْتقبِلُ في حَنَايَايَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ
وَأجْلِسُ عِنْدَ بَابِ بيتِي
أبْتسِمُ للنَّاسِ
مِنْ غَادِيْنَ وَرَائِحِيْنَ ." (14)
وَبالإضَافةِ إلى رُؤى الخَرَابِ ، تُسيطِرُ أجْوَاءُ الأُسْطورَةِ ، وَمُحَاولاتُ التَّحرُّرِ وَالتَّخلُّصِ ، على رُؤيَةِ العَالمِ :
" في أعْقابِ الجيوشِ
يَسِيرُ البَغَايَا وَتُجَّارُ الرَّقيقِ
وَتُحلِّقُ جَوَارحُ الطَّيرِ
يمتصُّونَ الحَيَاةَ مِنْ الأشْلاءِ الصَّامتَةِ
يصنعونَ اللذَّةَ مِنْ عُصَارَةِ التَّعَاسَةِ
وَيَصِلونَ صَرْخَةَ العَذَابِ
بعربدَةِ الجَسَدِ المُتمرِّغِ
في الرُّضَابِ وَخُضَابِ الدَّمِ .

في أعْقابِ الجيوشِ
تَسِيرُ الخَدِيعَةُ وَالإثمُ .

فأيُّ قوَّةٍ قادَتْ رِجْليْكَ الكَلِيْلتيْنِ
إلى هَذا الدَّربِ يَا تيريسيوسُ الضَّريرُ
أيُّ حُلْمٍ جَنَّحَ بكَ أوْ فِكْرَة رَادَتْكَ؟
أمْ هِيَ السَّلاسِلُ الَّتي تُصَلْصِلُ دَاخِلَ نفسِكَ الحَبِيْسَةِ الَّتي هَيَّمتْكَ
تتعثَّرُ بَيْنَ الجُدْرَانِ المُنْهَارَةِ وَالشَّجرِ الذَّبيْحِ
وَأوْحَالِ المَنِيِّ وَالمَلاريَا .
آمِلاً بَعْضَ الأمَلِ أنَّ شِدَّةَ العَدوِّ
سَتُطْلِقُ نفسَكَ مِنْ عِقَالِ نفسِكَ .
أنَّ السَّعيَ في المَكَانِ
سَيُحرِّرُكَ مِنْ كُلٍّ مِنْ المَكانِ وَالزَّمانِ
وَيَرْفَعُ العصَابَةَ عَنْ عَيْنيْكَ المُطْفَأتيْنِ
وَيشْفِي غُلَّتَكَ يَا تيرسيوسُ الحَزِيْنُ ." (15)


- حَرَائقُ الحُضورِ الإنسَانيِّ الكَوْنيِّ ، في خَرَائبِ العَالمِ ،
في تجربَةِ محمَّد آدم :

لدى محمَّد آدم (1954- ) ، تبدو الذَّاتُ الإنسَانيَّةُ ذاتًا كونيَّةً ، ذاتَ أبْعَادٍ أسْطُوريَّةٍ ، مُوْحِشَة في عَرَاءِ العَالمِ ، تتلظَّى بأسْئلتِهَا الفلسَفيَّةِ وَالمِيْتافيزيقيَّةِ ؛ الَّتي يتداخُلُ فيْهَا مَا هُوَ صُوفيٌّ بمَا هُوَ فلسَفيٌّ ، وَتَصْطدِمُ دَائمًا بحَوَائطِ الوجودِ الخَرِبِ ، وَعَوالمِ العَدَمِ ، وَالخَوَاءِ اللانهائيِّ ، وَهِيَ لا تفتأُ تُلقِي أناشيدَهَا الاسْتبطانيَّةَ الصَّاخبَةَ ، في هَذَا العَرَاءِ :
" أنَا زَعِيْمُ اليأسِ الكَامِلِ وَالخَرَابِ المُنْعَزِلِِ
أنَا اليقظَةُ الدَّائخَةُ في النَّومِ وَالنَّومُ الدَّائبُ في اليقظَةِ ، آهٍ
مِنْ تِلْكَ الفَوْضَى الآتيَةِ مِنْ كُلِّ فجٍّ
وَمِنْ النِّسيَانِ الَّذي يُسَيطِرُ عَلى كُلِّ اتِّجَاهٍ ، آهٍ
مِنْ الزَّمنِ الَّذي فَقَدَ الزَّمنَ وَمِنْ الدَّقائقِ الَّتي ضَلَّتْ الحِكْمَةَ ، آهٍ
مِنْ السَّاعَاتِ الَّتي تَعْتَرِفُ باليَأسِ وُلا تُبرِّرُ الأمَلَ
مِنْ السَّنواتِ الَّتي بلا رَنيْنٍ خَالِصٍ
أوْ حَتَّى دَهْشَةٍ وَاحدَةٍ
لمْ يَعُدْ لِلْوجودِ مَعْنَى
لمْ تَعُدْ للرُّوحِ مُشَارَكَةٌ
إلى مَتَى أكونُ بينَكُمْ وَأصْمُتُ ؟
إلى مَتَى أكونُ فيْكُمْ وَ لا أتكلَّمُ ؟
سُفُنٌ أخْرَى سَوْفَ تأتِي
وَمَوَانِئُ آفِلَةٌ تتهيَّأُ لاسْتقبَالِي الحَارِّ ." (16)
وَلا رَاحَةَ في هَذا العَالمِ الشَّائِهِ ، وَلا طُمْأنينَةَ ، وَلا أمَلَ :
" أشْرَبُ مِنْ كَافَّةِ اليَنَابيعِ وَلا أرْتَوِي
أجْلِسُ تحْتَ كَافَّةِ الأشْجَارِ وَ لا أشْعُرُ بالظِّلِّ
أنْزِلُ إلى كَافَّةِ البِحَارِ
وَلا أتبلَّلُ
أسِيْرُ على رَمْلِ الشَّاطئِ
وَلا أرَى البَحْرَ
أسِيْرُ في قلْبِ الظُّلمَةِ المُعَاديَةِ وَلا أقْبَضُ وَلوْ على نَجْمَةٍ وَاحِدَةٍ ." (17)
وَلهَذَا كثيرًا مَا تقِفُ هذِهِ الذَّاتُ ، المَوْقِفَ ذاتَهُ الَّذي وَقَفَهُ توفيق صَايغ ، مِنْ الذَّاتِ الكُليَّةِ الأزَليَّةِ المَحْجُوبَةِ ، بأدَاءٍ إنجيليٍّ :
" أيْنَ أنْتَ يَا أبي ؟
لِمَ فَعَلْتَ بي مَا فَعَلْتَ ؟
أنَا الضَّالُ الَّذي فَقَدْتَ
أنَا الحِكْمَةُ الطَّائشَةُ التي قَدَّرْتَ
أنَا الشَّجَرَةُ الجَافَّةُ
الَّتي أحْرَقْتَ
أوْ أهْلَكْتَ
أنَا ...
نَهْرُكَ الوَحِيْدُ الَّذي مَا عَبَرْتَ
أنَا ثَمَرَتُكَ الحَامِضَةُ الَّتي تقيَّأتَ
لِمَ فَعَلْتَ بي مَا فَعَلْتَ
أنَا صَحْراواتُكَ الوَاسِعَةُ مِنْ المِلْحِ الشَّاسِع الَّتي مَا تَخَيَّلْتَ
فلِمَ فَعَلْتَ بي مَا فَعَلْتَ؟ "(18)
وَأحْيانًا تَصِلُ هذِهِ الذَّاتُ الإنسَانيَّةُ المُلتاعَةُ المُوْحِشَةُ إلى الاصْطِدَامِ مَعَ الذَّات الكُليَّةِ المُحْتجَبَةِ ، اصْطِدَامًا دِرَاميًّا :
" سَأنْتَصِبُ مِثْلَ قَارةٍ في وَجْهِ الرِّيحِ
وَآخذُ كُلَّ سَفِيْنَةٍ غَصْبًا ، وَأكونُ كَالقَرَاصِنَةِ ،
فَأيْنَ مَنَافِذُ الهَرَبِ ؟
سَأسْرقُ زَوَارقَكَ ،
وأُحَطِّمُ المَجَادِيفَ ،
وَأُلْقِي بِالبَحَّارةِ وَأسْمَاكِ القِرْشِ وَالحِيْتَانِ إلى الأعْمَاقِِ ،
وَأنْتَصِبُ - في وَجْهِكَ - شَاهِرًا سَيفِي ، وَهُوَ مُطَرَّزٌ بِدَمِكَ
الأبْيَض الأبْيَضِ الأحْمَرِ الأحْمَرِ الأزْرَقِ الأزْرَقِِ الأسْوَدِ الأسْوَدِ،
وَأُلْقِي عَليْكَ بِالفِتْيَانِ وَالحِجَارَةِ ،
سَأجْعَلُ عَليْكَ الليلَ سَرْمَدًا ، وَالنَّهَارَ أبَدًا ،
سَآتِيْكَ بِأتْبَاعِي مِنَ الغَرْقَى ،
وَبِأتْبَاعِكَ مِنَ العَبِيدِ وَالجَوْعَى إلى أنْ يَحْجِبُوك عِنْدَهُمْ ،
آهٍ ،
سَيَعْتَصِرُونَكَ كَالحَليبِ ،
وَيَسْكَرونَ بِكَ كَأجْوَدِ الخَمْرِ، يَاعَصِيْرَ التُّفَاحِ وَالأعْنَابِ ،
وَيَا شَجَرَ الأقَاحِ ،
يَا شَرَابَ الآلِهَةِ وَالنَّبِيّينَ ،
أعْطِنِي أيُّهَا الجَسَدُ كَلامًا آخَر ؛ حَتَّى أقْدِرَ على الكَلامِ ،
وَأسْتَسْلِمَ لِمَقَاودِ الحُرُوفِِ ،
وَمَقَابِضِ الألفَاظِ ،
أعْطِنِي أيُّهَا الجَسَدُ لُغَةً أُخْرى ،
حَتَّى أرَى اللغةَ جَهْرَةً ، لا مِنْ وَرَاءِِ حِجَابٍ
فَتُفْتَحُ المَغَالِيقُ لِي . " (19)

- اسْتِعَادَةُ وُجُودِ الرَّاحِلِيْنَ ؛ مَحْوًا لِلوُجُودِ القَائِمِ :

لدى وَديع سَعَادة (1948 - ) ثمَّةَ تشديدٌ وَاضِحٌ على تجربَةِ الفَقْدِ ، وَمِنْ بيْن آليَّاتِهَا في التَّعبيرِ عَنْ هذِهِ القضِيَّةِ ، مُحَاولتُهَا اسْتِجْمَاعَ الرَّاحِليْنَ منْ تفاصِيلِ الطَّبيعَةِ المُحِيْطَةِ بالذَّاتِ المُسْتوحِشَةِ ، وَإعَادة بنَاءِ الوَاقعِ الغَابرِ، طَعْنًا في الوَاقِعِ القَائمِ ، وَالتَّفاعُل مَعَ الكَائناتِ الأخْرَى في العَائلَةِ الكَوْنيَّةِ ؛ نفيًا لِلوَاقعِ البَشريِّ الكَريْهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قولُهُ :
" الَّذين ألِفْنَاهُمْ شَجَرًا باسِقًا
صَارُوا قشًّا حِيْنَ حَزِنُوا

وَنَزَلَتْ العَصَافيرُ وَرَفَعَتْهُمْ
بمَنَاقيرِهَا ."(20)
وَقولُهُ :
" الَّذينَ جَرَفتْهُمْ المِيَاهُ إلى الوَادِي
ارْتَفَعُوا غيومًا،
وَلمْ يُمْطِرُوا
وَقَفُوا فَوْقَ
نَظَرُوا إلى الأرْضِ
وَتبدَّدُوا."(21)
وَثمَّةَ رَوْحَانيَّةٌ عَمِيقَةٌ ، تُهَيْمِنُ على الرُّؤى ، وَيتبدَّى فيْهَا الكَائنُ الإنسَانيُّ ، مُتفاعِلاً مَعَ عَناصِرِ الطَّبيعَةِ وَكائناتِهَا:
" نسْمَتُهُ الأخِيْرَةُ
جَرَتْ وَرَاءَهُ على الدَّرَجِ
وَنَامَتْ مَعَهُ قُرْبَ عُشْبَةٍ
بيْنَ حَجَرَيْنِ

وَغَيْمَةٌ عَابرَةٌ
تَرَكَتْ ظِلاًّ خَفِيْفًا
على وَجْهِهِ ."(22)
تَرَى الذَّاتُ الشَّاعرَةُ المُرْهَفَةُ في عَنَاصِرِ الطَّبيعَةِ بقايَا بشَرٍ تَعْرفُهُمْ ؛ فتتواصَل مَعَهَا ، وَتُحَاولُ اسْتِجمَاعَهَا منْ جَديدٍ ؛ لِتستعيدَ حياةً ترفُضُ انْدِثارَهَا ، وَتَسْتعِيْض بهَا عنْ حَيَاةٍ أرْغِمَتْ عليْهَا ، إنَّ جميعَ مَا يُحِيْطُ بالذَّاتِ الشَّاعرَةِ كانُوا أصْدِقاءً في حَيَوَاتٍ سَابقةٍ :
" هذِهِ البَحَريَّةُ ليسَتْ مَاءً ، كانَتْ شَخْصًا تحدَّثْتُ إليْهِ طَويْلاً ، ثمَّ ذَابَ !
وَلا أُحَاولُ الآنَ النَّظَرَ إلى مَاءٍ بَلْ اسْتِعَادَةَ شَخْصٍ ذَائبٍ .
كيْفَ يَصِيْرُ النَّاسُ هَكَذا بُحَيْرَاتٍ ، يَعْلُوهَا وَرَقُ الشَّجَرِ وَالطُّحْلُبِ ؟!
قَطْرَةً قَطْرَةً ينزِلُ المَوْتَى على بَابي
وَمَرْكبٌ يتوقَّفُ مِنْ أجْلِي تَحْتَ الشَّمسِ
وَجَاليَةٌ فقيرَةٌ منْ الرَّعَشَاتِ تعودُ إلى الرَّملِ .
لمْ أرْتَجِفْ ، لكِنَّني جُنِنْتُ ، المَاءُ بارِدٌ، لكِنَّنِي لمْ أرْتَجِفْ ، فقطْ ارْتَعَشْتُ قليلاً ، ثمَّ جُنِنْتُ .
على سَطْحِ البُحَيْرَةِ وَرَقةٌ ، كانَتْ عينًا ، على الضَّفةِ غُصْنٌ ، كانَ ضِلْعًا بَشَريًّا .
أُحَاولُ الآنَ جَمْعَ الأوْرَاقِ وَالغُصُونِ ، أُحَاولُ جَمْعَ شَخْصٍ كُنْتُ أحِبُّهُ .
لكِنْ مَرَّ كثيرونَ مِنْ هُنَا ، جَمَعُوا وَرَقًا وَحَطَبًا ليشعِلُوا مَوَاقِدَهُمْ .
لنْ يتمَّ أبدًا جَمْعُ شَخْصٍ . لنْ يتمَّ جَمْعُ أعْضَاءٍ كامِلَةٍ ، كثيرٌ مِنْهَا احْتَرَقَ .
مَعَ ذَلكَ لابُدَّ منْ أنْ أُعِيْدَ شَخْصًا كُنْتُ أُحِبُّهُ ، على الأحِبَّاءِ أنْ يعودُوا إذَا ناديتُهُمْ ، عليْهِمْ أنْ يَعُودُوا وَلَوْ كَانُوا مَاءً ، لوْ كَانُوا أمْوَاتًا ، لوْ كَانُوا طُحْلُبًا .. على الطُّحْلبِ أنْ يَصِيْرَ إنسَانًا حِيْنَ تسْتَدْعِيْهِ ، وَيَأتي لوْ مُبلَّلاً ، لوْ مُتَرَهِّلاً ، لوْ عَفنًا ، عليْهِ أنْ يعودَ صَديقًا وَلوْ مَاتَ مُنْذُ ألفِ عَامٍ .
يجبُ أنْ تكونَ هُناكَ طَريقَةٌ مَا لِجَمْعِ النَّاسِ عَنْ الضِّفافِ ، طَريقَةٌ لإعَادَةِ الأوْرَاقِ وَالأغْصَانِ الطَّافيَةِ على البُحَيْرَاتِ ، بَشَرًا . "(23)


الإحَالاتُ والتَّعلِيقَاتُ

(1) في تعليقِهِ على مجموعة توفيق صايغ : (ثَلاثون قصيدة) : 1954 ، رَاجْعْ الأعْمَالَ الكامِلَة ، المجموعَاتُ الشِّعريَّة لتوفيق صايغ - رياض الرَّيس للكُتَب وَالنَّشر- نيسان ( أبريل) 1990- ص :11 .
(2) في تقديمهِ للمجموعَةِ الأولى : (ثلاثون قصيدة) - السَّابق - ص: 15 .
(3) د. غالى شُكري - شِعْرُنا الحديثُ إلى أين؟ - طبعة دار الشُّروق الأولى - 1991 - ص: 86 .
(4) جهاد فاضل - قَضَايَا الشِّعر الحديث - سَابق - ص : 202 .
(5) توفيق صَايغ - الأعْمَالُ الكاملةُ : المَجْمُوعَاتُ الشِّعريَّةُ - ص ص : 113 - 114 .
(6) السَّابق - ص ص: 115- 116 .
(7) السَّابق – ص ص: 27- 28 .
(8) السَّابق – ص : 121 .
(9) إبراهيم شُكْر الله - مَوَاقفُ العِشْقِ وَالهوَانِ وَطيورُ البَحْرِ- دار العَالم العَرَبي للطِّباعة - 1982 - مُقَدِّمةُ الدِّيوان - ص : 8 .
(10) السَّابق - ص : 9 .
(11) السَّابق - ص : 10 .
(12) إبراهيم شُكْر الله - الأعمال الكاملة - إعداد وتقديم : عبد العزيز موافي - المجلس الأعلى للثَّقافة – 2003- 82 .
(13) السَّابق – ص : 93 .
(14) السَّابق – ص96- 97 .
(15) السَّابق – ص 103- 104 .
(16) محمَّد آدم – نشيد آدم ، أو : أغنية اليوم السَّادس – ميريت ، للنَّشر والمعلومات – القاهرة – 2003 - ص 103 – 104 .
(17) السَّابق – ص : 23 .
(18) السَّابق – ص : 106 .
(19) محمَّد آدم - الأعمال الشِّعريَّة : أناشيدُ الإثمِ وَالبَرَاءَةِ - دَار الحِكْمَة - 2002 / 2003- ص ص: 128 - 129 .
(20) وديع سعادة – مُختارَات – الهيئة المصْريَّة العامَّة للكتاب -2004 – ص : 219 .
(21) السَّابق – ص : 221 .
(22) السَّابق – ص : 228 .
(23) السَّابق – ص ص: 242- 243 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07