الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فعل عنف اللغة

محمد بوجنال

2015 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


فعل عنف اللغة
من أشكال الدولة السلبية العربية إلى الجماعات المتشددة

من المسلمات المطروحة أن الفكر ،أي فكر، بنية لغوية تتشكل مكوناتها من دوال ومدلولات تفرز لنا دلالة الوجود في مرحلة محددة لمجتمع محدد؛ فالبنية اللغوية تلك تكون، على الدوام، محكومة بمستوى مكونات المجتمع التي تلعب فيها المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية أدوارا جدلية في فعلها مع استحضار تفاوت درجات التأثير والتأثر. بناء على ذلك، فالفكر الأصولي لذى أشكال الدولة السلبية العربية والجماعات الأصولية الإسلامية المتشددة هو لغة تتحدد دلالتها من حيث المعنى والوظيفة بالبنية المجتمعية العربية الإسلامية المحددة في مرحلة تاريخية محددة. انطلاقا من المسلمة تلك، يمكننا القول أن مرجعية دلالة اللغة العربية تتجسد في المقدس وطبيعة السلطة التي هي سلطة أشكال الدولة السلبية العربية وكذا الجماعات الأصولية الإسلامية المتشددة المحكومين بهاجسي التفوق الاقتصادي والاستمرار السياسي معتمدين مجالي اللغة والمقدس. فإذا أخذنا الطرف الأول، أشكال الدولة السلبية العربية، فالثابت أن ضمان استمرار سلطتها يتمثل في ضرورة امتلاكها القوة الاقتصادية والمناعة السياسية التي تعتبر اللغة كأحد أهم عوامل تقويتها وشرعنتها. واللغة هي ،في حقيقتها، مستويين: فشكلا هي لغة المقدس، وحقيقة هي الإفراز الموضوعي للواقع والطموح الماديين للخليفة أو الملك أو الرئيس. هذا، وتبعا لمعطيات التاريخ، ففي المرحلة الأولى من تأسيس المجتمع العربي-الإسلامي، بدأت عملية تدوين وتقعيد اللغة العربية تحت سيطرة سلطة الخليفة وتحت إشراف وفعل مثقفي بلاطه الذين هم التصور الفكري لبنية هذا المجتمع ذو السلطة المبنية على القوة الاقتصادية والتوسع السياسي الذي يقتضيه مفهوم الثبات والاستمرارية والاستقواء. لذا، فاللغة العربية ستعكس هذا التصور الذي يتبنى مرجعية الثبات وممارسة العنف على المجتمعات المجاورة للسيطرة عليها في إطار التوسع السياسي والسطو الاقتصادي؛ هذا دون نسيان ممارسة العنف ذاك في مواجهة كل الحركات المتمردة التي تصنف، وفق ثقافة الثبات والعنف هذه، بمثابة حركات ملحدة وزنديقة يتم تكفيرها من طرف فقهاء البلاط أو "الخاصة". لذا، فقوة سلطة الخليفة وازاها ضعف الجماعات الأصولية المتشددة على قلتها.
إنه المدلول اللغوي الذي انتقل عبر مراحل تاريخ أشكال الدولة السلبية العربية، مع استحضار التغيرات السطحية التي تخفي مضمونها الحقيقي المتمثل في شرعنة ممارسة العنف على دول الجوار وكل الخارجين عن طاعة الخليفة أو الملك أو الرئيس أو ما يسمون بأولي الأمر. بهذه الدلالة اللغوية تحدد فكر ونظام مجمل المؤسسات العربية خاصة منها قطاع التعليم حيث تثبيت شرعنة عنف اللغة تلقينا ومراقبة وفق قواعد ثابتة ومفروضة، سنها النحويون والفقهاء في الزمن الماضي خدمة لشرعنة ثبات وعنف سلطة أشكال الدولة السلبية العربية التي تتماهى في اللغة مع المقدس؛ فالمس باللغة تلك تغييرا أو تعديلا هو مس بالنص المقدس باعتباره نصا مطلقا. هكذا ، فحمولة اللغة كما صاغها نحويو وفقهاء الخليفة ذات مستويين حافظ عليهما باقي الخلفاء والملوك والرؤساء من حيث المبنى والمعنى مع استحضار التغيرات السطحية التي يفرضها الواقع: الأول ظاهري حيث تتحدد حمولة اللغة في الثبات الذي هو ثباتها كلغة للنص المقدس وبالتالي حمولة تعادي التغيير والإبداع؛ ومستوى عميق تتحدد حمولته الحقيقية في تبرير والدفاع عن ثبات واستمرارية السلطة التي هي بالكاد سلطة أشكال الدولة السلبية العربية. لذلك لا نندهش إذا تم تدوين مختلف القواعد اللغوية التي هي قواعد الأمر والنهي والعنف في كراسات اعتبرها الخلفاء ومن بعدهم الملوك والرؤساء مرجعيتهم اللغوية التي اعتبرت من اختصاص "الخاصة" في مقابل "العامة" وهي تسمية عرفت تغيرات على مستوى الشكل لصالح استمرار المضمون.
هكذا، فأغلبية طبقات وفئات الشعوب العربية-الإسلامية، بفعل عنف أشكال الدولة السلبية العربية، قد بقيت خارج حتى ممارسة اللغة تلك في أشكالها الصارمة والعنيفة، لتقدم لها في مستوى آخر هو المستوى" الشعبي" مع الاحتفاظ بأوامرها وعنفها؛ وما دامت اللغة تلك هي لغة المقدس،كان لا بد، بالموازاة مع ذلك، من ظهور ما يسمى ب" الدين الشعبي" أو "الإسلام الشعبي" الذي هو مستوى "العامة". والقاعدة هنا أنه كلما حصلت الأزمة كلما تم البحث عن حلول لها بالرجوع إلى تلك المرحلة التي فيها تم تقعيد وتثبيت اللغة الآمرة والناهية والصارمة باعتبارها حاملة المطلق. إنها الأزمة التي يتم دوما ربطها بالتخلي عن المقدس وهو ما يستوجب القول بأن الحلول تكمن في ضرورة رجوع رجل الدين أو الفقيه إلى تلك القواعد المدونة والثابتة التي ليست، في حقيقتها، سوى قواعد سلطة الخليفة وبطانته وهي ، كما هو حال اللغة، توجد في الزمن الماضي باعتباره الزمن السرمدي والمطلق الذي تقوم أشكال الدولة السلبية العربية بتطعيمه بالتكنولوجيا الحديثة. ومن هنا نكون أمام تداخل الأزمنة التي تتمثل في: "الماضي النقي" و"الديني المقدس" و"التكنولوجي المنتج" و" السياسي المنظم"؛ وفي هذا التداخل يحتل "السياسي" المستوى المهيمن الذي يقوم بتوظيف الماضي والمقدس واللغة وإظهارهم بمظهر السرمدية والإطلاقية التي توجد في "الماضي النقي" وبالتالي إخفاء الحقيقة التي هي امتلاك السلطة واستمرار احتكارها بشرعنة ممارسة أشكال العنف تحقيقا لقمع الفئات المعارضة سواء كانت مناضلة أم جماعات أصولية متشددة. لذا، تتميز لغتنا التي هي لغة المقدس بالعنف الذي هو، في حقيقته، عنف أشكال الدولة السلبية العربية. وقد نتج عن قدسية اللغة تلك ثقافة عربية-إسلامية اهتمت بالنص وأكنت العداء لقضايا الواقع المجتمعي. إنه النهج الذي ألغى العقل والإبداع وكذا القضايا والمشاكل اليومية التي يعيشها العالم العربي التي لم ليست ولم تعد، في نظر أشكال الدولة السلبية العربية بخلفائها وملوكها ورؤسائها، سوى النسخة المشوهة ل"الأصل" أو "الماضي النقي" بفعل الانحراف والتخلي عن الطريق المستقيم. وعليه ، تعتبر اللغة المجال الذي يتضمن دلالة أن الأعلى يحكم الأدنى: الله يحكم العالم، الخليفة أو الملك أو الرئيس يحكم الشعب، الخاصة أو الطبقة المسيطرة تحكم العامة؛ وإذا أردنا التدقيق وكشف عنف اللغة أكثر نقول أن الخليفة أو الملك أو الرئيس هو خليفة الله المطلق، على الشعب طاعته وإلا فهو خارج المقدس؛ فالله المطلق والمعصوم من الخطأ يوازيه على الأرض الخليفة أو الملك أو الرئيس الذي يكون،بالمثل، معصوما من الأخطاء مبررا ذلك ومشرعنا له بواسطة لغة مفصولة عن قضايا المجتمع. هكذا يصبح كل تفسير لا يحيل إلا إلى التفسير المطلق ل"الماضي النقي" الذي هو ماضي "الخليفة" ككائن معصوم من الخطأ. بهذا نفهم لماذا بقيت الشعوب العربية مرتبطة في تفكيرها وتمسلكاتها وفهمها دلالة طبيعة السلطة والعقيدة بمرحلة توجد في الماضي المقدس منقولة ومحمولة في نحو وصرف وقواعد لغة مفروضة مبنى ومعنى؛ بهذا المجال المطلق – أي اللغة – تم ويتم تشكيل بنية الشعوب العربية-الإسلامية كأشخاص وجماعات وفئات وطبقات.
هذا التسلط الذي أخذ صبغة المشروعية والإطلاقية زمن سلطان الخليفة، قد حدده وصاغه ودونه مثقفو البلاط، وبأمر منه، في لغة عبرت وتعبر عن عنف الخليفة والملك والرئيس مع استحضار مفهوم الزمن. إلا أنه خلال الوضع الحالي، خاصة العقد الأخير من القرن 20 والعقدين الأوليين من القرن21، عرفت أشكال الدولة السلبية العربية ضعفا مكن قوى أخرى من مواجهة السلطة تلك كميزان قوى على الأرض يرفض بدوره العقل والإبداع. هذه القوى الجديدة تمثلت في عدد من الجماعات الأصولية المتشددة التي تنهل من ما سمته بدورها ب"المرجعية الأصولية" التي هي "الإسلام الأول" في نظرها؛ وعليه، فقد أصبحنا أمام إسلام متعدد نختصره تعسفا في:"الإسلام الرسمي" الذي هو إسلام الخليفة أو الملك أو الرئيس، وإسلام تلك القوى الذي تمت تسميته ب"الإسلام الأصولي" بمعنى التحول من لغة الخليفة إلى لغة جماعات أصولية أكثر تشددا وعنفا من الأولى. فتداخل وجدلية الصراع الوطني والإقليمي والدولي أفرزت على الأرض ميزان قوى هذه الجماعات المتشددة؛ فحاجة القوى الإقليمية والدولية لها لوقف المد الشيوعي في أفغانستان مكنها من الاستفادة من التمويل والتدريب والتسليح والدعم لتصبح جماعات لها من التجربة والموارد المالية ما مكنها، بعد إنجاز المهمة التي أسندت لها، من أن تصبح جماعات تهدد أشكال الدولة السلبية العربية؛ وقد استثمرت جيدا في ذلك،وسائط التواصل الاجتماعي لتنتشر لغتها كمبنى ومعنى بشكل سريع معزية لغتها هذه إلى مرجعية المقدس كما توصل به الرسول. فهذه القوى الأصولية المتشددة أرجعت مختلف مشاكل المجتمعات العربية-الإسلامية إلى عامل الانحراف عن الإسلام الصحيح؛ وما عدا ذلك فهو كفر وإلحاد وجب شرعا محاربته بما في ذلك الغرب الذي قوى سابقا، موقعهم. وقد اعتمدوا في الدعوة لكل هذا، على اللغة التي حثت وحرضت تابعي الجماعات تلك، على طلب الشهادة بالجهاد في حق كل الكفار علما بأنها لغة، كما سبق القول، لا تختلف عن لغة أشكال الدولة السلبية العربية إلا من حيث التشدد وطلب الجنة. إنها جماعات متشددة ذات قناعة وتوجه عبرت وتعبر عنه لغتهم التي تعني فيما تعنيه نشر "الإسلام الصحيح" بالحرب والاقتتال والإعدام والرجم حتى الموت وإصدار فتاوى الاغتيال. ومعلوم أنه فكر ونظام وسلوك كان وما زال سائدا طول مراحل أشكال الدولة السلبية العربية كما عبر ويعبر عنها محتوى اللغة. هكذا، فكلا النظامين، نظام أشكال الدولة السلبية العربية ونظام الجماعات الأصولية المتشددة قد مارسا ويمارسان في حق الشعوب العربية، بدرجات، العنف والتسلط والوصاية والاقتتال.
وعموما، فاللغة أحد فواعل تأسيس ونشر أشكال التسلط والإطلاقية التي هي بالكاد الترهيب والتعنيف؛ وعليه، فقد ساهمت في تفريخ الاستبداد وشرعنة ممارساته على مختلف المستويات مبررة مشروعية الممارسات تلك بكونها من مقدسات العقيدة. لذا، فهي لغة، بالإضافة إلى استبدادها وتسليعها الشعوب العربية، تعتبر أداة ومجالا حارب ويحارب العقل والإبداع والتطور . وللأمانة، فالوضع العربي، خاصة منه الراهن هو، إضافة إلى التوظيف الجامد للغة، هو نتيجة عوامل أخرى اقتصادية وسياسية وطنية وإقليمية ودولية غذت وتغذي التطرف والإرهاب والاستبداد على مستويي أشكال الدولة السلبية العربية والجماعات الأصولية الإسلامية المتشددة لتبقى الضحية، منذ العصور الأولى إلى اليوم، هي الشعوب العربية خوفا من يقظتها ووعيها بمعنى وجودها المادي والمعرفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح