الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا بين نارين

جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)

2015 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية



أعلن تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن والجزيرة العربية أن فرنسا باتت الآن العدو الأول له قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا التصعيد دلالات عميقة. فمثلما كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001 في أمريكا منعطفاً حاداً في ذهنية وسلوك ومقاربة الأمريكيين للإسلام والمسلمين، شكلت أحداث مجزرة أسرة أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة وأخذ الرهائن في مطبعة نائية ومتجر يهودي للمواد الغذائية ،على يد إرهابيين ينتمون لإحدى المنظمات الإرهابية وهي تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية صدمة في نفوس الفرنسيين البسطاء ، وكذلك في عقلية المثقفين والنخبة الفرنسية. وفي سياق مشاعر الإسلاموفوبيا التي تأججت في كافة أنحاء أوروبا، لا سيما في ألمانيا وفرنسا، برز شبح معاداة الإسلام ، كما سبق له أن برز في الماضي تحت عنوان معاداة السامية، خاصة في ألمانيا وفرنسا، الخوف من المسلم والإسلام وطقوسه ، صار يهيمن على المجتمعات الأوروبية ويربض على أنفاس المواطنين الأصليين، ولد شهدت بنفسي هذا الهاجس أو بتعبير أدق الهوس الذي يتملك النفوس في إحدى قطارات الأنفاق حيث صعد راكب مسلم ملتحي وحليق الشارب ويرتدي الجلباب الإسلامي على هيئة الطالبان الأفغان، وبيده نسخة من القرآن، وكأنه يتحدى الجميع وينظر إليهم بخيلاء وغطرسة، على الأقل كما كانوا هم يشعرون بها ويتلقونها منه، فما كان من الجميع قبل انطلاق القطار أن ينزلوا من القاطرة التي تواجد فيها هذا الشخص الذي اعتبروه إرهابي كامن يمكن أن يفجر نفسه بينهم في أية لحظة أو يأخذهم رهائن.وسحب جهاز الإنذار وتوقف القطار حتى مجيء رجال أمن الميترو أو قطارات الأنفاق ليخرجوا الشخص من القاطرة رغم إنه لم يرتكب أي خطأ ولم ينطق بكلمة واحدة . إذن بات الإسلام خطراً محدق بحياة الناس في الغرب ومن ينكر ذلك فهو إما أحمق أو ساذج، كما أشاعت وسائل الإعلام السمعية والمرئية والمقروءة إبان الأحداث المشار إليها في فرنسا وعلى لسان مثقفين وإعلاميين فرنسيين مشهورين من أمثال الفيلسوف ميشيل أونفراي والإعلامي إريك زيمور والروائي هويلبيك وغيرهم. إنها نفس النغمة المقيتة التي كانت تردد في القرن التاسع عشر ضد اليهود في فرنسا والتي عرفت بتسمية معاداة السامية. تطوع هؤلاء المثقفون عبر وسائل الإعلام للبحث عن جذور الشر الكامن في الإسلام من خلال نصوص منتقاة بعناية وتعمد مقصود ، لتبرير الخوف من الآخر والحقد عليه وإقصائه والاقتناع باستحالة اندماجه في المجتمع. اللازمة المتكررة تقول ، طالما تمسك هؤلاء الأجانب والغرباء بعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم الدينية وأصروا على تطبيقها حرفياً في مجتمعات هي ليست مجتمعاتهم ولا تماس أو تتبنى نفس القيم الأخلاقية المجتمعية التي يعتنقونها، فإنهم سيظلون منعزلين ويعيشون في غيتوهات وسوف يفرضون أنفسهم على المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها، بالقوة والديموغرافيا، أوالكثرة العددية السكانية، أي بطريقة فرض الأمر الواقع. فهم مواطنون ويحملون نفس الجنسية كباقي السكان لكنهم يتعمدون تمييز أنفسهم عن الآخرين وعلى هؤلاء تقبلهم كما هم في طريقة لبسهم وأكلهم وسلوكه وتصرفاتهم، فلا يحق لأحد في المجتمعات الغربية الاعتراض على لبس نسائهم النقاب والحجاب ولا يحق لأحد الاعتراض على اللحى الطويلة والزي الإسلامي المشابه لما كان يلبسه المسلمون في عهد الرسالة كما يعتقدون، ويريدون فرض منع تقديم لحم الخنزير في المدارس، ومنع الفتيات من ممارسة الرياضة والسباحة الخ.. لكن الأهم والأخطر هو التركيز على آيات الجهاد والحض على العنف ومحاربة الكفار والمشركين، حتى لو كانوا من أهل الكتاب، أي يهود ومسيحيين، وإرغامهم على اعتناق الإسلام أو الإذعان والإستسلام كذميين ودفع الجزية ، كما ورد في القرآن. وهكذا وجدت أوروبا ، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، نفسها حبيسة قيدين، تمثل أحدهما بقوانينها العلمانية المتسامحة والمقيدة بميثاق حقوق الإنسان مما جعل أبوابها مشرعة أمام طالبي اللجوء والمهاجرين الهاربين من جور أوطانهم وأنظمتها الدكتاتورية المستبدة، من جهة، وأقليات أجنبية مهاجرة أغلبها من العالم الإسلامي، تعاني من صعوبة، إن لم نقل، إستحالة الاندماج والتاقلم مع منظومة القيم الأخلاقية الغربية على كل الصعد ترغب بالمحافظة على تقاليدها ومثلها الأخلاقية المستمدة من أديانها وعقائدها، تجذرت في أرض المهجر من خلال توليدها لأكثر من جيلين أو ثلاثة من المواطنين الأوروبيين بالولادة والتربية والتعليم والثقافة لكنهم يشعرون بالتهميش والتمييز العنصري وعدم الإنصاف واللاعدالة وعدم المساواة مع أقرانهم من الأوروبيين الأقحاح. أثر ذلك على روح الانتماء والمواطنة لدى الكثيرين منهم فلجأوا إلى أديان آبائهم وأجدادهم والاحتماء بتقاليد أسلافهم ، فهاهو أحدهم يقوم بعمل انتحاري ويقتل العشرات من المدنيين الأبرياء ليثأر لنبي لا يعرف عنه شيئاً ولا يتكلم حتى لغته ولغة كتابه المقدس. لم ينتبه الغربيون إلى أن آفة الإرهاب ووحشية وبربرية وقسوة وبطش الإرهابيين وتنكيلهم، يمس المسلمين الآخرين، ممن يختلفون معهم، أكثر مما يمس ويهدد الغربيين، فالمسلمين هم الضحية الأولى للفكر السلفي الجهادي التكفيري الذي رفعت رايته تنظيمات القاعدة وطالبان وبوكو حرام وداعش وأمثالهم. يشعر المثقفون الغربيون أن الإسلام بصيغته المعاصرة عدواني ويهدد الأنموذج العلماني الغربية وقيم الجمهورية فيما يتعلق بفرنسا تحديداً، فراحوا يدققون ويبحثون في النصوص الدينية الإسلامية عما يبرر مخاوفهم بغية العثور على الدلائل الخفية التي تثبت صحة تشخيصاتهم وتوقعاتهم ومقارباتهم العنصرية. فكما فعلوا في الماضي القريب تجاه اليهود من خلال نصوص الكتاب المقدس اليهودي التوراة أو العهد القديم وبروتوكولات حكماء صهيون ووصايا موسى ليثبتوا أن اليهود عرق متميز ومتكبر لأنه يعتقد نفسه شعب الله المختار الذي لايختلط بباقي الأعراق ويتعالى عليها ويخططون للسيطرة على العالم والتحكم به، ولقد صدق العامة هذه الأطروحة لعقود طويلة ونمت بينهم مشاعر الحقد والكراهية تجاه اليهود الأمر الذي عرف في الحوليات التاريخية بمعاداة السامية. بنفس الطريقة تحاول النخب الغربية التركيز على السور والآيات القرآنية وبعض التفاسير المنتقاة بعناية للتدليل على الطبيعة الحربية العدوانية للإسلام وتجاهل النصوص والسور والآيات التي تدعو للسلام والتآخي والتسامح وعدم الإكراه واتباع سبيل الحوار. كتب الفيلسوف الفرنسي ميشيل أوفراي بهذا الصدد يقول:" لا يوجد اختلاف في الطبيعة بل في الدرجة بين الإسلام السلمي والإسلام الظلامي، لأن هذا الدين بطبيعته ووقائع تاريخيه، هو دين عنيف انتشر بقوة السلاح والغزو، فكل واحد يمكنه أن يجد في القرآن مايناسبه ويلائمه لإضفاء الشرعية الدينية على تصرفاته وخياراته، سواء كان ذلك داخل دار الإسلام أو دار الحرب . خاصة وإن أغلب المسلمين ، حسب اعتقاد أونفراي، يميلون لتطبيق تعاليم الإسلام حرفياً كما وردت في النصوص المقدسة ، أي القرآن والحديث أو السنة النبوية. فالإنتماء للأمة " الإسلامية" يأتي في المقدمة قبل أي انتماء آخر لهوية أو مواطنة ما. فالأمة عابرة للحدود والأوطان والإسلام دين شمولي أممي لاتحده حدود جغرافية ينشر رسالته عبر كل السبل الممكنة وفي وقتنا الحاضر يستغل الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي ويجمع بين المسلمين المتباعدين عن بعضهم في المكان والزمان وهو نفس الاعتقاد الذي عبر عنه إريك زيمور الذي يعتقد أن جميع المسلمين، وقرآنهم يعتبرون أنفسهم فوق القانون الوضعي الفرنسي فهم يعيشون في فرنسا لكنهم في أعماقهم لا يشعرون أنهم فرنسيون كباقي الفرنسيين فدينهم يشكل أمامهم عائقاً أمام اندماجهم الوطني. وهو نفس منطق اليهودية الأممية أي شعور اليهودي بأنه يهودي قبل أن يكون فرنسياً، أي يهودي بلا بلد ولا وطن ولا إخلاص وطني ، عدا إسرائيل بالطبع التي يعتبرونها وطنهم التاريخي والديني حسب الوعد الإلهي، كما تقول مقاربة هؤلاء المثقفين من النخبة الفرنسية كما كان حالهم في الماضي حيال قضية الضابط اليهودي دريفوس فاليهودي يبقى يهودياً قبل كل شيء وعلى مر الزمن، ونفس الشيء اليوم مع الإسلام والمسلمين . إن هذا النمط من التفكير يغطي في الحقيقة حالة من الحقد الدفين أو الكره والاحتقار والشك والريبة تجاه الآخر المختلف عن الفرنسيين الأصليين. فهؤلاء لايحبون الأجانب لكنهم لايصرحون بذلك علناً ويقولون أن الأجانب ، والمسلمين منهم على وجه الخصوص، لايفعلون شيئاً لكي نحبهم ونثق بهم. ففرنسا المعادية للسامية كانت تتمسك بنفس هذا المنطق في القرن التاسع عشر وإبان الحرب العالمية الثانية أثناء الاحتلال الألماني النازي لفرنسا. هم ينكرون أنهم من الإسلاموفوبيين لكنهم يعلنون أنهم يريدون رؤية الأشياء على حقيقتها ويشغلهم اهتمامات الناس ومخاوفهم وخشيتهم من سيطرة الإسلام والفكر الإسلامي وعقائده يوما ما على الحياة الغربية وطمس معالمها بالقوة ، أي الخوف من أسلمة المجتمعات الغربية. فالإسلام بنظرهم دين معادي للحريات الشخصية وحرية الاعتقاد وحرية التعبير والديموقراطية . العالم من وجهة نظرهم ينقسم إلى متحضر ومتخلف، ومن الأفضل للدول المتقدمة والمتحضرة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول العالم الثالث ، أي أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وتركهم يتناحرون ويقتلون بعضهم بعضاً، حتى لا نعطيهم ذرائع لمهاجمتنا وتهديد حرياتنا و قيمنا العلمانية. وأخيراً تكمن العلة بالأساس في الدين الإسلامي وبالتالي فإن التطور الذي ننتظره جميعا يجب أن يأتي من داخل الإسلام نفسه. فعلى المجتمع الإسلامي أن يقرر فيما إذا كان يريد أن يصل إلى حل سلمي مع الحداثة وخاصة فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي حول الدولة العلمانية والتسامح الديني، إذ يقف العالم الإسلامي اليوم على تقاطع الطرق نفسه الذي كانت تقف عليه أوروبا المسيحية أثناء حرب الثلاثين عاما في القرن السابع عشر، فالسياسات الدينية تقود صراعات محتملة لا نهاية لها ليس فقط بين المسلمين وغير المسلمين ولكن بين الطوائف الإسلامية في داخلها أيضا. وهو ما سينعكس على هدوء العالم وعلى وجود الإنسان في هذا الكوكب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النفاق السياسي و الارتزاق و النهب للمستعمرات
علاء الصفار ( 2015 / 2 / 6 - 19:42 )
تحية استاذ ج.بشارة
لم يكن الغرب يوما ناسيا لمصالحه, اما امريكا غتقولها صراحة نحن ليس لدينا اصدقاء بل لدينا مصالح, لقد عمل الغرب بغزو تقسيم ونهب العرب بسايكس_ بيكو,الذي فضحته الثورة البلشفية بقيادة لينين,كان الغرب يهين اليهود والغجر إذ الدولة البرجوازية هي دولة قومية بامتياز و تصل احيانا للتطرف القومي,وابدع هتلر ليصل للعنصرية إذ اعتبر الجنس الاري الاشقر الشعب المتفوق, فهكذا ان معانات اليهود والغجر كانت مرة وبتطور الامر الاستعماري وجد الصهاينة ضالتهم بترحيل اليهود وانشاء وطن قومي اي ليكون على شاكلة الدولى الغربية- فاسوء ما يكون هو ان تتحول الضحية الى جلاد- فهكذا الغرب العنصري لم يقوم الا بابعاد اليهود عن اراضيهم لانهم لا يحبوا الاقوام والاديان الاخرى فتخلصوا من اليهود بطريقة عنصرية سلبية ليتباكوا على حقهم في العيش على حساب الفلسطينيين, لذا دئما نرى صعود الفكر العنصري في الغرب حين تحل الازمة الاقتصادية, فالموروث ديني وقومي رغم الشعارات البراقة للعلمانية و حقوق الحيوا ن الناطق,لكن حين تسأل احدهم وهو في السجن لقيامه بالسطو ما انت ليقول باعتزاز انا مسيحي اصيل و أحتفل باعياد الميلاد !ن!

اخر الافلام

.. خلافات بين نتنياهو والأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول اقتراحات


.. صواريخ ومسيرات حزب الله -تشعل- شمال إسرائيل • فرانس 24




.. الانتخابات البريطانية.. بدء العد التنازلي للنتائج وترقب لمست


.. إيران تبدأ فترة الصمت الانتخابي قبل الجولة الثانية من انتخاب




.. الجيش الروسي ينشر صورا لاستهداف مقاتلة أوكرانية باستخدام نظا