الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حادث البحر ثانية!

داليا عبد الحميد أحمد

2015 / 2 / 7
الادب والفن


حادث البحر 
جلس (عامر) خلف زجاج النافذة المغلقة في غرفته الصغيرة ، التي يقضي بها معظم وقته في المنزل ، بين مكتبه وأوراقه وكتبه وكرسيه المريح المطل علي الحديقة ، وسريره الموضوع هناك بجانبه الراديو علي منضدة صغيرة.
يلملم دفء أشعة الشمس ، في يوم عطلة شتوي من أيام شهر يناير عام ألف وتسع مئة وخمسة وثمانون كما تقول الجريدة . أشعة ونور يدفئا كل برد الليلة الماضية ، ونوة البحر، وأمطار عزيزة ، وأرق وسهاد.
نهض من فراشة فور بزوغ أولي لحظات الشروق . يبحث عن أمل .. عن كوب الشاي الفارغ ليملأه بالشاي الساخن وبعض الحليب والعسل . كما أعتاد نهارا. ليبدأ مذاق يومه بشئ حلو المذاق ، منبه لرأسه المثقلة ، ولا يعرف لماذا؟ لعل عسل المشروب يسري في باقي النهار ويمتد . نسي أنه جائع أم لا ! فليس مهم عنده غير المشروب الساخن واحدا يلو الأخر . فكان لا يأكل غير وجبة واحدة في منتصف النهار عادة. طالما أنه في يوم عطلة ، أو لا يصاحبه أحد الأصدقاء .
أشعة الشمس من وراء الزجاج ، ونورها الذي يحمل أملا ما في وقت آت ، لا يعرف عنه غير التمني .. رغم أن أمنيات الماضي ظلت أمنيات . والأحلام ظلت أحلام . والأفكار تتصارع . والماضي حاضر في ذكريات قليلها حلو وكثيرها قاسي .
يرتشف الشاي بالحليب ، يتذوقه ويشعر بالدفء يسري داخل جسده، فيهدأه ذلك الشعور، وينظر إلي الراديو ، ويهم أن يديره ، ليجد موجة الأغاني تنوه عن ساعة متواصلة لأغنيات عبد الحليم حافظ .
بالأغنيات يتذكر سنوات عمره الذي تجاوز الأربعين، ويتذكر مراحل الدراسة والعمل بنجاحها وإحباطها ، وهي علاقة تخصه هو ، فهذه الأغنية "أعز الناس" تذكره بسنة من سنوات المرحلة الثانوية ، في أول يوم من أيام عطلة نهاية العام الصيفية ، وفسحة لا ينساها مع العائلة والأصدقاء والجيران علي شاطئ مرسي مطروح. وأول مرة يري هذا المكان البديع وكان معه نفس المذياع رفيقه دائما في الرحلات والأجازات، وكانت لحظة أشبه بذلك الوقت الشروق ، كان يجلس علي الرمال ، ويسمع ، وينظر لموج البحر ، والأنغام التي لا تنسي تأتي من المذياع .
توقف شريط الذكريات فجأة ! فقد وقعت عينه بمجرد أن أمسك بالجريدة علي حادث أليم لأحد أقاربه قد غرق في البحر ليلة أمس . هل ذلك تشابه أسماء ؟ تبدل اليوم بالقلق .. والأمل ..لعله ليس قريبه . فذلك ثاني حادث بنفس السيناريو يمر عليه في حياته .. فمنذ عشرين عاما غرق جاره الشاب سعيد في يوم من أيام يناير في نوة تشبه البارحة ، في بحر إسكندرية الجميل المخيف ، كره السباحة لفترة طويلة بعدها ..
توقف مرة أخري شريط الذكريات ، وهو شارد الذهن متوجه إلي الهاتف ، لعل أحدا يؤكد أو ينفي الخبر،
هاتف عمته .. صباح الخير .. كيف حالك ؟ ردت : بخير يا بني . وبسرعة أكمل : عمتي أسف علي إزعاجك في ذلك الوقت المبكر ، ولكني وجدت خبر حادث في الجريدة .. قاطعته العمة : أنا لم أنم قط حتي الأن صحيح الخبر يا (عامر) فقد غرق فريد ليلة أمس ، قالت الكلمات بصعوبة وأسي شديد وبكاء . تأسف لها وتماسك وقال : البقاء لله عمتي سأتي لكي فورا. إهدئي .أرجوكي .
كان يقول لها ذلك وهو يرتعد ولا يصدق الأمر برمته. أغلق الهاتف وشرع في الإستعداد للخروج مضطربا مشتت . وعاودته الذكريات مرة أخري ، فريد كان أكثرنا مهارة في السباحة، ولا يخاف البحر مطلقا .. يكبرني بخمسة أعوام ، كان معي الأسبوع الماضي يتحدث عن رحلة الصيف التي يستعد لها بيخت أحد أصدقائه .. كانوا يخططون لرحلة لمدة شهرين حول العالم .
تذكر (عامر) أن الشباب كانوا يتبارون في السباحة حتي الأيام الخطرة والأمواج العالية ، وكأنهم يقولون للبحر نحبك ولا نخاف منك ، وسننتصر عليك ، وكل مرة يعودوا سالمين كأنهم فازوا في التحدي الدائم مع الموج ، هكذا كان يراهم ولكن الأغرب أن من أخذهم البحر منه سعيد وفريد كانوا أمهرهم في السباحة علي الإطلاق ، وكأن البحر يقول له سأنتصر في النهاية لا تأمنوا موجي وأعماقي . فدائما سأظل غامضا مخيفا .. كما أنني مبهج وحالم وأنت تقف علي الشاطئ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟