الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحسنت... معالي الوزير...!

جلال محمد

2015 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


أحسنت..معالي الوزير.....!ِ
قبل أيام أعلن وزير الاوقاف في حكومة أقليم كوردستان، السيد كمال مسلم بانه قرر في يوم الاحد المصادف الاول من شباط 2015 وحسب القانون طرد ( الملا شوان الكردي) من وظيفته. و كان هذا الملا، كما تعلم جماهير كوردستان العراق ، قد ترك وظيفته " امام وخطيب احدى جوامع مدينة دارتو" الواقعة بين اربيل وكركوك في شهر تشرين الثاني عام 2014 والتحق مع افراد عائلته بداعش وظهر خلال اليومين الماضيين على شاشة الفيسبوك وهو يهدد سكان اربيل وكركوك بانه جائهم بالذبح.
معالي الوزير يشرح قراره المستند على القانون كما يلي: " اذا انقطع احد ما عن وظيفته ، فاننا نقوم وحسب القانون بابلاغه بضرورة عودته الى وظيفته ، فاذا رفض نقوم بعدها بطرده ، هكذا تعاملنا مع هذا الملا وقررنا حسب القانون اصدار امر طرده"
الى هنا يجب الثناء على ما قام به معالي الوزير لانه قام بتنفيذ واجبه القانوني في هذا البلد الذي يشكو الكثيرون من ابنائه من عدم سيادة القانون. ولكننا حينما نطلع على اقول ناطق من وزاة الاوقاف ( الذي فضل عدم ذكر اسمه) يتضح بان الامر مختلف. يقول الناطق :" ان طرد الملا المذكور جاء لان وزارة الاوقاف نسيت ان تطرده في حينه ولم تتذكره الا بعد ظهوره على شبكات الفيسبوك مهددا ، مما دفع وزاة الاوقاف لاصدار قرار عاجل بطرده" . يستطرد المصدر قائلا: " الملا شوان ترك وظيفته منذ ثلاثة أشهروقد التحق بداعش مع جميع أفراد عائلته.....". ان التزام الوزارة الصمت ازاء اقوال المصدررغم مرور عدة أيام ، يؤكد بان معالي الوزير لم يصدق مع جماهير كوردستان بل كذب عليهم او على الاقل اعتبرهم حمقى ..! اننا لانتحدث عن احتمال كون هذا الملا هو احد دواعش الظل ( هذا التعبير مشتق من موظفي الظل، اطلقته جماهير كوردستان على الاعداد الكبيرة من المحيطين بالاحزاب السياسية الذي تم تعيينهم بوظائف وهمية وهم يتلقون رواتب ضخمة دون ان يمارسوا اية وظائف فعلية) ولكننا نقول: اذا كانت الحكومة تحترم القانون وحرمة مواطنيها فان هذا الوزير يجب ان يطرد من منصبه وان يقدم الى المحاكمة لانه قصر في اداء واجبه ولجأ الى الكذب امام جماهير كوردستان ايضا.
ولكن واقع الحال هو ان مجمل جوانب المأساة التي فرضتها الاحزاب القومية على جماهير كوردستان لا تقتصر على عدم سيادة القانون و الفساد واهانة حرمة المواطن السائدة الان ، ان هذه الجوانب ، رغم اهميتها ، تعجز عن تبيان المحتوى الطبقي لهذه السلطة ووحشيتها ازاء عمال وكادحي كوردستان. من اجل تسليط الضوء على جوانب من هذه المسألة تعالوا نتمعن اكثر بأقوال وزير الاوقاف وناطق وزارته.
يضيف الناطق متحدثا عن الملا شوان : " الملا شوان خريج احدى المعاهد الدينية في كوردستان ، ها قد قمنا باعداد عدو لنا على حسابنا الخاص " . ويشرح معالي الوزير ايضا هذا الجانب قائلا" التحق حتى الان 48 منتسبا من وزارة الاوقاف بداعش ، من هؤلاء من كان قارئا للقران ومن كان مؤذنا او موظفا".
قبل سنوات قليلة أطلق( مريوان النقشبندي) احد المسؤولين الكبار في وزارة الاوقاف، في احدى المؤتمرات الاسلامية مجموعة من الارقام و الاحصائيات( لاتحضرني جمعيها مع الاسف) الا انه اشار الى ان هناك في كوردستان العراق خمسة الاف مسجد وبان عدد المشاركين في صلاة الجمعة هم 700 الف مصلي ويشير الى العدد الكبير من المدارس و المعاهد و الكليات و الجامعات الاسلامية في كوردستان العراق ولو أضفنا المبالغ الطائلة التي تبتلعها الاحزاب الاسلامية مباشرة من ميزانية حكومة الاقليم لاتضح لنا حجم الموارد التي تبتلعها هذه الطفيليات من قوت جماهير كوردستان. ان السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه الان هو : بأي هدف تربي حكومة الاقليم من موارد عمال و كادحي كوردستان هذه التيارات الاسلامية ؟ بعبارة اخرى ما هي الخدمات التي بامكان هذه القوى الاسلامية الوحشية ان تقدمها للنظام الاجتماعي - السياسي الراهن في كوردستان؟
قبل ان أجيب مباشرة على هذا السؤال ، بودي التطرق الى بعض الادعاءات الرائجة والتي يطبل لها الاسلاميون بالذات وهي ان اكثرية جماهير كوردستان يعتنقون الاسلام ويقبلون به دينا لهم وبان الاحزاب و المجموعات الاسلامية تعمل بدعم من الجماهير المسلمة بشكل قانوني و علني وهم يشاركون في الانتخابات البرلمانية لعدة مرات ولهم مقاعد برلمانية . هل صحيح ان بروز وتطور قوى الاسلام السياسي في كوردستان خلال السنوات السابقة هو بسبب دعم جماهير كوردستان لها اولان الجماهير يعتنقون باكثريتهم الاسلام وبان نفس الاحزاب القومية الكردية وجماهيرها و قادتها ( والتي يدعي الاسلاميون بانها احزاب علمانية) هم مسلمون؟.
ان تأريخ كوردستان منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي وخاصة منذ نهاية عقد الثمانينات يثبت عكس ذلك تماما. فتلك الفترة شهدت انهيار الكتلة الشرقية التي كانت تسمى ( الاشتراكية) و بروز النظام العالمي الجديد وكانت فترة صعود وترسيخ نظام الجمهورية الاسلامية ونظام طالبان الاسلامي في افغانستان ، كانت مرحلة انفلات الرجعية والخرافة و الاستبداد على مديات واسعة في مناطق العالم المختلفة، كانت مرحلة ظهور النزاعات و الصراعات القومية و العرقية التي كانت البشرية مضطرة الى استخدام ارقام فلكية من اجل تعداد ضحاياها ، في تلك المرحلة وقعت كوردستان تحت طائلة الحصار الغربي والحصار البعثي والحرب الداخلية بين حزبا الحركة الكردية الرئيسيان و التدخلات العسكرية المتكررة من ايران و تركيا بمساعدة حزبي البارزاني و الطالباني ....خلال هذه المرحلة برزت الاحزاب والقوى الاسلامية في كوردستان من خلال تدفق الاموال والمساعدات العسكرية الخليجية و التركية وحتى الايرانية الطائلة عليها . في تلك الفترة صارت هذه القوى الرجعية تمتلك في كوردستان العديد من الجرائد و المجلات ووسائل الاعلام الاخرى ولم تبخل حكومة او حكومتا الاقليم بدورها بالصرف ببذخ عليها او بقيامها بانشاء العشرات من الجوامع و المدارس و المعاهد و التكايا الدينية على حساب جوع الجماهير التي كانت تئن تحت وطأة الحصار و البطالة الرهيبان، كانت كوردستان في تلك الايام تشهد بين الحين و الاخر بروز احدى المجاميع الاسلامية ، تماما كالدمامل المتقيحة في جسد المجتمع الكوردساني الجريح، في احدى مدنها او قصباتها، او احدى مناطاقها النائية ودائما في مناطق متاخمة للحدود الايرانية او التركية ، لتعلن الحكم الاسلامي وتطبيق شريعة الله ، وفي مدن كوردستان الرئيسية كانت القوى الاسلامية تنفق بعض من اموال امارات الخليج الطائلة وتحت يافطة مساعدة اليتامى و العوائل الفقيرة ، شرط ان يتمسك افراد تلك العوائل باقامة الفرائض الاسلامية كالصلاة والصوم ....وان ترتدي نسائها الحجاب الاسلامي . الا انه رغم كل ذلك لو القينا نظرة سريعة في الوقت الراهن وخاصة بعد ثورات الربيع العربي وانهيار سلطة الاخوان في مصر، على واقع نفوذ هذه القوى في المجتمع الكوردستاني لتبين لنا تراجعهم الواضح او على الاقل فشلهم في اقامة سلطة اسلامية . ان واقع فشل هذه الحركات او بشكل ادق تراجع نفوذها ، رغم كل مساعدات وجهود دول المنطقة ورغم رعاية حكومة اقليم كوردستان السخية لها، يعود لسبب رئيسي واحد هو كون المجتمع الكوردستاني مجتمعا مدنيا يرفض نمو مثل هذه القوى فيه .
والان بالعودة الى السؤال السابق اقول بان حكومة الاقليم تمثل الطبقة البرجوازية وأغنياء المجتمع الكوردستاني ، لم تبرز حدة التناقضات الطبقية والتناقضات العدائية بين البرجوازية و الطبقة العاملة و الكادحين في المجتمع في اية فترة تاريخية كما هي حالها في الوقت الراهن، ان السلطة السياسية الراهنة في كوردستان تجسد مصالح الرأسمال الداخلي و العالمي التي لاتتوحد مصالحهما فحسب، بل انهما يشتركان في المصير ايضا. ان الانتاج او عملية الانتاج الاجتماعي في كوردستان هي عملية تجرى في اوضاع احتكارية تسيطر عليها قوى الاحتكارات العالمية ، بمعنى ان علاقة العمل بالرأسمال تجري ، في سياق عملية الانتاج، في اوضاع احتكارية وهذا ما يحدد لكردستان موقعا محددا في السوق العالمية فهي تشكل مصدرا لقوة العمل الرخيصة وسوقا لتصريف و استهلاك البضائع المصنعة في بلدان المتروبول.على صعيد اخر تأمين قوة العمل الرخيصة يستلزم الابقاء على الطبقة العاملة ، طبقة خاملة لاحراك ولاطاقة نضالية فيها ، اي طبقة تقبل باية اجور واي حرمان من الحقوق و الامتيازات.
أثبت تاريخ الرأسمالية بان القمع المباشر و العلني من خلال الشرطة و القوة العسكرية و الامن وقوة القانون و المعتقلات، لايجدي البرجوازية نفعا في احايين كثيرة. ولذلك تلجأ الى وسيلة اخرى لتحميق الطبقة العاملة والجماهير المحتجة ولوضعها في دوامة تنظر فيها الى حلفائها الطبقيين وكانهم أعداء لها والى اعدائها الذين يستغلونهم بشكل وحشي وكانهم حلفاء لها ، بامكاننا الاشارة هنا الى الايديولوجية القومية و الديمقراطية كامثلة بارزة تستخدمها البرجوازية لهذا الغرض ولكن من بين هذه الوسائل يلعب الدين ومن بين الاديان يلعب الاسلام و الاسلام السياسي في ايامنا الراهنة، دورا مميزا للغاية في خدمة البرجوازية . فهو ، على سبيل المثال يجعل من الرجل عدوا للمرأة على صعيد العائلة الواحدة من خلال النظر الى المرأة بوصفها مصدرا للخطيئة التي يقع الرجل فيها ان لم يكن حذرا تجاهها ولذلك على الرجل ان يسيطير عليها ويستعبدها ان اراد الوصول الى الجنة والمرأة تشكل في معظم المجتمعات و المجتمع الكوردستاني نصف القوة العاملة وهذا يعني ان تجعل من نصف الطبقة العاملة عدوا لنصفها الاخر، الاسلام يفرض على اتباعه ان يطيعوا الحاكم اوخليفة المسلمين لانه ظل الله على الارض وهذا يعني ان احتجاج العامل على السلطة ممنوع بامر الهي والاسلام يشق الطبقة العاملة منذ الوهلة الاولى من خلال تقسيم الناس الى مسلمين وغير مسلمين ويجعل من الصعب توحيد صفوف العمال ( المسلمين ) مع العمال ( المسيحيين و اليهود و الصابئة و الائيزيدين و..) بل انه يجعل من( جهاد) العامل المسلم ضد العامل غير المسلم شرطا لقبول الله لاسلامه وفوزه بالجنة . باختصار يشكل الاسلام بوصفه ايديولوجية ونهجا للحياة و التفكير طاعونا قاتلا لنضال الطبقة العاملة يعادي حتى النخاع تحررها من عبودية العمل المأجور ولذلك فان نقد الاسلام و الدين بشكل عام هو شرط ضروري لنقد النظام الرأسمالي و اسقاطه. هنا يكمن السر الذي يدفع حكومة الاقليم لرعاية الاسلام والحركات الاسلامية المتعددة وهذه الحركات تعمل على رد هذا الجميل من خلال تربية جيش من العمال المخدرين و الساكنين القانعين بكل ما تمنه البرجوازية بها عليهم.
على صعيد اخر يجب الاشارة الى الازمة الراهنة للنظام الرأسمالي والتي أدت من ضمن ما ادت الى بروز صراع ومنافسة حادة بين كتل البرجوازية و اجنحتها المختلفة على مسألة الارباح وبقائهم في السلطة ، الاسلام السياسي بوصفه تيارا برجوازيا رجعيا للغاية برز بوجه الكتل البرجوازية الاخرى وهو يمارس صراعا دمويا في البلدان المصابة بداء الاسلام في الشرق الاوسط وافريقيا والبلدان الاسيوية الاخرى من اجل الوصول الى السلطة وهذا ما يؤدي وبشكل يومي الى خلق الكوارث و الماسي الانسانية في هذه البلدان .
واخيرا فانه وبقدر تعلق الامر بحكومة الاقليم يجب الاشارة الى انها وكأية سلطة برجوازية لجأت الى استخدام الاسلام، بعد ان فقد سلاحها القومي " الاحساسات القومية" حدته في صفوف جماهير كوردستان لانها بحاجة ماسة لتحريف نضالات الطبقة العاملة والجماهير الغاضبة عليها ولذلك لم تقصر فعلا خلال عمرها الذي تجازو العشرين عاما في دعم هذه الحركات البربرية الاسلامية .
تواجه كوردستان والمنطقة منذ عدة شهور وضعا سياسيا- عسكريا : داعش الذي يشكل تيارا اسلاميا سياسيا يضغط على المنطقة وكوردستان وهو يواجه الان حكومة الاقليم ويشكل قلقا و خطرا جديا عليها وعلى نفوذ حلفاءها مثل امريكا و دول الخليج و.... هذا الواقع يجسد الازمة السياسية لهذه الكتلة من البرجوازية في المنطقة ، فهذه الكتلة بحاجة الى الاسلام و الاسلام السياسي من اجل ترسيخ سلطتها الرأسمالية في المنطقة ، الا انها بحاجة الى اسلام مقيد وضمن حدود مصالحها هي ، و تيارات الاسلام السياسي وصلت الى درجة من الاقتدار صارت تواجه الانظمة السائدة في المنطقة وترى في نفسها البديل الانسب للابقاء على سلطة الراسمال في المنطقة ، ان الحفاظ على النظام الراسمالي في المنطقة، يشكل القاسم المشترك بين الاسلام السياسي والانظمة الراهنة مع حلفائها الدوليين طبعا ، الا ان ما يفرقها من جهة اخرى هو كعكة السلطة ولذلك فانه ليس بمقدور الانظمة الراهنة ولا حلفائها الدوليون مواجهة داعش حتى النهاية و القضاءعليها.
ان القوة الاجتماعية الوحيدة القادرة بحكم موقعها الاقتصادي و الاجتماعي على التصدي لداعش والاسلام السياسي حتى النهاية و القضاء عليه، هي الطبقة العاملة والجماهير الكادحة ، الا انها ومن اجل انجاز هذه المهمة بحاجة الى تنظيم جماهيرها في حزبها السياسي ومنظماتها الجماهيرية تحت راية الثورة الاشتراكية.
جلال محمد
سدني 7-2- 2015










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب