الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا .. ثوابت وآفاق

بدر الدين شنن

2015 / 2 / 8
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


من المسلم به ، رغم تعدد وجهات النظر ، حول التفاصيل ، في الداخل والخارج ، أن سوريا بعد أربع سنوات ، من التنازعات والتوترات السياسية والعنفية ، ومن الحرب التدميرية الكارثية مع قوى الإرهاب الدولي ، لم تعد كما كانت .. كل شيء فيها تغير .. وأبرز المتغيرات :

- لم يعد دستور البلاد يكرس الأحادية في الحكم لأي حزب أو تيار سياسي . وأصبح الشعب هو من يختار الحزب أو التيار الحاكم ، عبر صناديق الاقتراع .
- إن حزب البعث لم يعد يحكم البلاد كحزب " قائد للدولة والمجتمع " كم كان في الدستور السابق . وإنما يحكم الآن ، كأكثرية في مجلس الشعب . وربما في انتخابات مقبلة ، يأتي حزب ، أو تحالف ، يملك الأكثرية ليحل محله .
- ولم تعد إدارة مؤسسات الدولة حكراً " للحزب القائد " وإنما هي في حال عودة الأمان والاستقرار الأمني والسياسي ، مفتوحة ، حسب القانون ، لمن تتوفر فيهم الشروط والخبرات العلمية المطلوبة .
- البنية السكانية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والعسكرية ، والاقتصادية ، لم تعد كما كانت . وإنما بفعل الحرب ، والقتل ، والتدمير ، والتهجير ، أصبحت مجروحة .. معقدة .. تحتاج إلى إعادة بناء ، وفق معايير إنسانية وديمقراطية مفتوح جديدة .
الشك المعارض .. والجهل الغبي الكسول ، لا يعترف بما حصل من تغيير . والحرب وحرائق وأحقاد الحرب .. تربك .. تشوش .. على الرؤية .

وسواء اعترف البعض بذلك ، أم مازال يكابر ، لانتزاع مكاسب مادية ، أو لإنقاذ ماء الوجه ، فإن أكثر الأطراف الداخلية مسؤولية ، في فهم هذه المتغيرات ، وتصويبها نحو الأفضل ، وتحمل المسؤولية في المشاركة بإبداع الحلول ، لعقد وصعوبات المرحلة الدموية الكارثية ، هي تلك المعارضة التي تضع الشروط الملتبسة لتتهرب من المسؤولية .
ومن الواضح إزاء ذلك ، أنه كلما تأخرت المعارضة .. أو تلكأت عمداً ، في ممارسة دورها المطلوب وطنياً ، كلما خسرت طرداً من رصيدها السياسي أمام القوى الشعبية . وكلما أسرعت عملياً في الانتقال إلى الصف المقاتل للإرهاب الدولي والمخططات الأجنبية ، كلما ساعدت على تحقيق ما لديها من ملاحظات ورؤى تعتبرها بناءة ، في عملية المتغيرات الجارية ، وتكرس الإيجابي منها .

* * *

ولفهم ما حدث من متغيرات ، ووضعها في مكانها المناسب ، والتعاطي معها وتطويرها بما يتناسب والرؤى المتعددة لمستقبل أفضل ، من المفيد قراءة ما تكرس في السنوات الأربع الماضية ، من ثوابت ، برزت وتفاعلت مع الأزمة السورية ، وأثرت في نتائج ما جرى ويجري ، وفي مقدمها :

1 - إن ما اصطلح على تسميتها بالأزمة السورية ، لم تكن مؤامرة . وإنما هي نتاج أسلوب حكم راكم الكثير من التجاوزات والأخطاء ، التي انعكست سلباً على البنية السياسية في المجتمع ، وعلى مستوى الحقوق السياسية والمدنية ، وعلى مستوى المعيشة ، ودفعت إلى الفساد ، والغلاء . وكانت تفاصيلها ، وتجلياتها ، تزيدها سوءاً . ما أدى إلى إضعاف وتشويه ما تم عبر عقود من الإنجازات ، في مجال التعليم ، والخدمات العامة ، والصحية ، والقطاع العام الخدمي والإنتاجي ، وكان لابد من طرح حلول سميت بالإصلاح .
2 - لم يكن معظم ما سمي معارضة ، يتسم شكلاً وموضوعاً بميزة الأفضلية على النظام . لاسيما في المسائل الاجتماعية والاقتصادية . بل إنها في عهد " حكومة العطري " وافقت على استبدال النمط الاقتصادي المعتمد على القطاع العام ، بنمط اقتصاد السوق المجحف والمؤلم للطبقات الشعبية . وبعضها استخدم السلاح ، بصورة مطابقة للأسلوب الذي استخدمه الحزب الحاكم سابقاً ، للوصول إلى السلطة . مع عدم حملها أي مشروع سياسي متكامل متقدم على ما هو قائم .
3 - لم تكن التفاعلات والاحتجاجات ، التي اخترقت الشارع في البدايات ثورة ، بمعناها الهادف إلى إقامة نظام بديل عادل ديمقراطي وتقدمي . فقد انكفأت إلى الخلف سريعاً . وهيمن عليها ، وسخرها ، التدخل الخارجي لأغراضه الإمبريالية والرجعية . ومن ثم دفعها إلى الذوبان في مخطط حرب الإرهاب الدولي .
4 - تأكد بالمطلق ، أن حرب الإرهاب الدولي ، التي تشن على سوريا منذ سنوات ، هي مؤامرة دولية بامتياز . وقد استغل القائمون عليها الأزمة السورية الداخلية ، التي يمكن حلها بالتفاعلات الداخلية ، لتكون مقدمة للحرب ، ولجر قطاعات شعبية مهمشة ، أو مغامرة ، أو متخلفة ، لتكون شركة بهذه الحرب ، وحاضنة لها ، لتحقيق أهداف استراتيجية إمبريالية ورجعية متخلفة ، ، وأطماع في مخزون الطاقة البترولية والغازية في الأراضي والمياه السورية .
5 - بالمجمل إن ما يدخل بإطار الأزمة ، بعد أن حمل معارضون كثر السلاح ، وتواطؤا مع الخارج ، لتحقيق غزو عسكري " أطلسي " على الطرقة الليبية ، وبعد أن حشدت عالمياً .. واستقدمت .. المجموعات الإرهابية المسلحة ، المرتزقة " إلهياً .. ومادياً .. وجنسياً " من كل أطراف الأرض ، وتحولت الجغرافيا السورية كلها إلى ساحات حربية ، موجهة من المراكز الإمبريالية والرجعية الإقليمية ، لتدمير الكيان السوري .. بعد هذا وذاك .. انتهى موضوعياً دور المعارضة التقليدي ، المعروف قبل احتدام الأزمة وتحولها إلى الحرب . وحل محله دور الشريك في هذه الحرب . وسقط عن المعارضة بكل فصائلها وتنوعها رداء المعارض الذي يجري لإسقاط السلطة ، وتطلب ارتفاع المنسوب الوطني ارتداء رداء الدفاع عن الوطن ، والالتزام بمقتضيات وحدة الصف الوطني ضد الإرهاب الدولي .

بعض المعارضة حسم أمره منذ البداية وحمل السلاح ، ومن ثم انخرط بالحرب في الخندق المعادي للبلاد ، الذي يقوده نتنياهو ، وأرد وغان ، وآل سعود وآل ثاني ، وأوباما وخلفه حلف الناتو ، وهو يتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية على خياره المشؤوم وعلى الجرائم التي قام أو شارك بها . وبعض معارض آخر يرفض السلاح ، لكنه يتكأ على حركة السلاح بيد الآخرين ، لتحقيق مكاسب مادية ، في فرص التفاوض والحوار مع النظام .
وهناك تيار معارض ، يرفض الاحتكام للسلاح من أجل التغيير الديمقراطي ، ويرفض الإرهاب الدولي ، والانقسامات العرقية والطائفية ، ولديه عناوين لحلول مطابقة ، لكنه لم يقدم مبادرة عملية ، لتجاوز المسافة بينه وبين معارضات قريبة نسبياً من طروحاته ، ولتجاوز المسافة بين طرفي الثنائية السياسية المسؤولة عن الوطن .. أي المعارضة والنظام . وقد كان منتدى موسكو للمعارضة السورية ، مناسبة لإضاءة هذه التما يزات بين فصائل وتيارات معارضة أو محسوبة على المعارضة ، التي لعبت دوراً سلبياً متوقعاً ، لاجتياز المرحلة العنفية والحربية المؤلمة المزمنة سنة تتلوها سنة التي مرت بها الأزمة السورية .

6 - لن تستطيع أية قوى داخلية أو خارجية ، أن تعيد سوريا إلى ما كانت عليه قبل الأزمة والحرب .. أو أن تعيد بناء سوريا وفق صيغة .. عميلة .. رجعية .. متخلفة .

* * *

بيد أن هذا الفصل من " الأزمة الحرب .. والحرب الأزمة " قد أسدل الستار عليه . والفصل الجاري الآن ، هو الأكثر دموية وتدميراً . ويجري العمل فيه سراعاً ليحول دون أن تكون خواتم هذه الحرب لصالح الشعب السوري . وقصف المدن السورية في الخامس من الشهر الجاري ، لاسيما مدينة دمشق العاصمة ، ليس إلاّ مشهد من مشاهد هذا الفصل . وقد تنعكس عليه تعقيداً وتفاقماً ، الحرب الأهلية في أوكرانيا ، وأحداث اليمن الأخيرة ، بالمزيد من القتلى والتدمي . وقد تتحول مختلف المدن إلى أهداف لعمليات قصف كارثية ثأرية عبثية أكثر مما هو متوقع . ما يتطلب من كل الذين ينتمون إلى قيم الوطنية .. والديمقراطية .. والتقدمية .. والقومية التحررية ، أن يلتزموا بقرار محدد .. وأن يقفوا في خندق محدد .. لصالح تحرير الوطن من الإرهاب الدولي ، ولصالح وحدته ، وإعادة بنائه ، إنسانياً ، وعمرانياً ، وسياسياً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ