الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آن الأوان لتطهير الدين من السياسة

منعم زيدان صويص

2015 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تثبت الأحداث، يوما بعد يوم، أن الفوضى التي تعم المنطقة العربية، والحروب والاشتباكات في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان وباكستان، وفي نيجيريا وما حولها، هي حروب واشتباكات بين المسلمين أنفسهم، بين مذهبين أو طائفتين، أو بين طائفة معينة وطوائف الأخرى، وأحيانا بين مجموعات من الطائفة الواحدة تختلف في تفسير النصوص الدينية. والهدف من هذه الحروب الداخلية سياسي وهو السيطرة على الحكم وإقصاء الطرف أو الأطراف الأخرى. وكل من هذه الأطراف يؤمن، أو يدعي على الأقل، أن إسلامه هو الصحيح، وهو مستعد دائما أن يأتي ببراهين ليثبت ذلك. بعض هذه الخلافات استمرت قرونا من الزمان وبعضها طور حديثا بالاعتماد على أفكار قديمة. هل تستطيع الدول والشعوب أن تتقدم وهي في حالة نزاع داخلي؟

فبعد قرون عديدة من سيطرة السنة على الحكم في العراق حاولت الطائفة الشيعية، وهي الأكبر بين طوائف العراق، أن تلعب هذا الدور من خلال الانتخابات التشريعية بعد الاحتلال الأمريكي، فتأسست أحزاب شيعية واستولت على أغلبية من المقاعد البرلمانية مكنتها من الحكم، ورغم نجاح إياد علاوي الشيعي، عام 2010، في تأسيس تجمع علماني سُمي "القائمة العراقية،" والذي ربح 91 مقعدا في البرلمان، وشكل بذلك أكبر كتلة برلمانية، إلا أن الأحزاب الشيعية القوية أتحدت ضده، وبدعم من إيران، ولم تمكنه من تأليف الحكومة. واتهم القادة السنة قادة الشيعة باحتكار السلطة، ولا يزال التقسيم الطائفي والكوتا الطائفية سائدين، والنتيجة استمرار الخلافات الطائفية التي أدت في النهاية إلى سقوط الموصل بيد داعش.

في سوريا بدأت الاحتجاجات في 2011 على حكم بشار الأسد ، الذي وعد بإدخال نوع من الإصلاحات، ولكنه واجه، باستعمال القوة، الأحزاب الدينية السنية التي دخلت على الخط ، وظن هؤلاء أنهم يستطيعون أن يقلبوا النظام بمساعدة الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية، ولكن روسيا وإيران وحزب الله اللبناني مكنا النظام من الاستمرار، والنتيجة الحتمية كانت الحرب الطائفية التي نراها الآن والتي دمرت سوريا وحولت ملايين عديدة من السوريين إلى لاجئين في الخارج وفي الداخل.

وفي مصر، بدأ الشباب ثورتهم ضد نظام مبارك بداية 2011، وكان واضحا أن الإخوان المسلمين أصابهم الذهول وأسقط في يدهم عندما عبأ شباب مصر المستنيرون الشعب المصري وبرزوا كقادة المستقبل المحتملين، ولم تمض بضعة أيام إلا وكان الشيخ يوسف القرضاوي في القاهرة ليقود الإخوان ويمكنهم من الاستيلاء على الثورة، فأوقفوا ما كانوا يصفونه "بإسلامهم المعتدل" والحديث عنه، لأن الوضع في رأيهم، لم يعد بحاجة إلى تنظير بل إلى التطبيق العملي. وانتخب مرشحهم محمد مرسي رئيسا للجمهورية، لأن الأحزاب الأخرى لم تُجمع على المرشح المنافس له. وعندما شعر المستنيرون والتقدميون في مصر أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بدأ بالتدهور، تيقنوا أن المسألة مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر، فخرجوا إلى الشوارع بالملايين وحثوا الجيش بقيادة السيسي على التدخل. ولكن الإخوان لم يستسلموا بعد تدخل الجيش وانتخاب السيسي، وها هم يحاولون أن يُسقطوا النظام الجديد بالقوة وبمساعدة مجموعات مسلحة.

وفي ليبيا نتج عن دخول المجموعات الإسلامية المدعومة من قطر وغيرها، وخاصة أنصار الشريعة، حالة من عدم الاستقرار وبدأت محاولات الإسلاميين السيطرة على البلاد بالقوة بالاصطدام مع الجيش.

وفي اليمن، وبعد سنوات من فشل مطالب الشباب المستمرة في تغيير النظام بآخر يحقق الحرية والعدالة، قامت الطائفة الزيدية، التي تؤيدها إيران، والتي يقودها عبد الملك الحوثي، بالاستيلاء على السلطة، وقد أدهش الحوثيون العالم بعد أن برهنوا على أن أعدادهم كبيرة وأنهم منظمون ويملكون الأسلحة الكافية لتنفيذ أهدافهم، رغم أنهم يواجهون أيضا منظمة القاعدة المعادية للمذهب الزيدي الشيعي والتي لم يستطع نظام علي عبد الله صالح أن يحد من نفوذها رغم المساعدات الهائلة التي كان يتلقاها من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
لا يتسع المجال للحديث أيضا عن الطائفية التي تشل الحياة السياسية في لبنان، ولا عن نشاط المعارضة الشيعية في البحرين، ولا عن إرهاب حركة طالبان في باكستان وأفغانستان وانشغال الحكومات بحماية الناس من شرورهم، فيكفي أن نتذكر الهجوم على مدرسة في بيشاور في 16 كانون أول الفائت وقتل حوالي 150 تلميذا ومعلما. كلنا نعرف المنظمات التي ولدتها القاعدة، والتي تدعي أنها تطبق الإسلام، في الصومال وشمال إفريقيا، وحركة بوكو حرام التي تنشر الدمار والإرهاب في نيجيريا والدول المجاورة وتهاجم قرى كاملة وتمسحها من الخارطة، والمذابح التي تنفذها ضد الناس، مسلمين وغير مسلمين، والتي خطفت في نيسان الماضي 276 فتاة مراهقة وأعلنت أنها ستبيعهن في سوق النخاسة. ولا يمضي يوم دون أن نسمع هجوم بالقنابل أو عملية انتحارية ضد مسجد شيعي في باكستان أو أفغانستان يقتل فيه العشرات.

القول بأن "قوى خارجية" تخلق الطائفية والحركات والمجموعات الدينية المحاربة لكي تضعف الشعوب العربية والإسلامية وتديم شرذمتها وتفتيتها، غير مُقنع. يمكن أن ينطبق هذا على منظمة أو اثنتين أو أكثر ولكن من المستحيل أن نصدق أن هذه القوى الخارجية لديها الوقت أو الوسائل لخلق ورعاية المئات وربما الآلاف من المنظمات ذات الطابع الديني التي تحارب الأنظمة أو التي تحارب بعضها البعض في سوريا وغيرها.

يتضح مما سبق أن المصائب والحروب التي تضرب العالم العربي والإسلامي سببها استعمال الدين لتحقيق أغراض سياسية، وأن السبيل إلى انتهاء هذه الحروب والحفاظ على وحدة الشعوب والانطلاق نحو المنعة والتقدم، هو تجريد السياسة من غطائها الديني. على كل دولة أن تسن قوانين تحرم تشكيل الأحزاب والمنظمات السياسية على أساس ديني، لأن الاختلاف في تفسير المبادئ الدينية سيولد باستمرار أحزابا سياسية ومنظمات متعددة، كل منها تعتبر مبادئها السياسية مقدسة لا تقبل النقض. جميع المنظمات المنهمكة في تدمير المجتمع العربي والإسلامي وتشويه الدين، ولدت من رحم الإسلام السياسي، والحل الوحيد هو تطهير الدين من السياسة، التي هي علم وأفكار من صنع الإنسان، تحتمل الصواب أو الخطأ، والنجاح أو الفشل، وتخضع للتطوير والتعديل والمناورة والتفاوض، أما المبادئ الدينية فلا يجوز للمرء، ولا يستطيع، أن يفاوض عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العاهل الأردني يستل سيفه تحية للأجهزة الأمنية والعسكرية


.. غانتس: يجب أن نعمل معا من أجل الوصول إلى انتخابات نشكل بعدها




.. وزير الخارجية الأميركي يبدأ جولة جديدة في المنطقة لبحث سبل ا


.. مصادر يمنية: مهمة إيصال الأسلحة إلى الحوثيين تنفذ عبر جماعات




.. تحقيق أمريكي يفضح فظائع الاحتلال في معتقل سدي تيمان