الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوباني غراد

ماجد ع محمد

2015 / 2 / 8
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


من بعض المقابح التي يمتاز بها واحدنا هي أنه لا يعي قيمة الشيء إلا حين يفقده أو يُقارب افتقاده، وقد لا يكتشف المرءُ جماليات المستفقَدِ إلا بعدما يبتعد عنه أو يخسر كله أو بعضه، ومنها تلك المدينة الواقعة على تخوم جرح سايكس بيكو، والتي حظيت رغم جرحها العميق وحزنها الغامر بالتغطية الإعلامية في العام الماضي أكثر من كبريات المدن السورية، بعد أن حاصرها تنظيم دولة أبو بكر البغدادي الاسلامية لأكثر من عام، وقيامهم بغزوها بناءً على رغبة الممولين لهذا التنظيم العابر للقارات، حيث كان السبب الرئيسي في دمارها شأنها شأن مدينة ستالينغراد (فولغوغراد) السوفيتية التي طوقتها القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية عام1942 ستة أشهر ثم تراجعت النازية رغم جبروتها بفضل مقاومة أبنائها، وها هي كوباني غراد تتطهر رويداً رويدا من رجس الدواعشة كما تطهرت ستالينغراد من النازية رغم اصرار أدولف هتلر على السيطرة عليها، فها هي عصابات البغدادي وحلفائه يتقهقرون بعد أربعة أشهرٍ من إدامة الخراب والدمار، بعد أن حولوا المدينة كما ستالينغراد الى أنقاضٍ وأطلال حيث عانت المدينة وقراها ضعف ما عانته ستالينغراد.
وبعيداً عن أصوات المدافع واحصائيات القتلى والجرحى والدمار، وبعيداً عن كيل التهم للمسببين الفرعيين لمأساة المنطقة وكل كائناتها، فكثيراً ما نحتار من أين نقرأ مدينةً غدت نبراساً شامخاً لدحر خفافيش الظلام ؟ أمن خصلةٍ ذهبية الطلة في أنشودة عيشا إيبه وهي تتأرجح أمام أبصار بوزان بك؟ أم من هواجس ذلك العاشق المنشغل في غيابه بمد جسور المحبة بين شروق المدينة وغروبها نبدأ التسبيح باسمكِ، أم من أول خلية قومية انطلقت من بيوتات الأسياد وهي ترى بأن الانتماء لدين كاوا أبدى من الركوع أمام إله الفلوات، ولو كره الراصدون كل شعائر زرادشت وترانيمه المندلقة من بين شفاه واهب الطبيعة؟ أم من نداءِ عشقٍ سرمدي صاغها حنجرة باقي خدو قبل رحيله وهو يجهل بأنه تركَ خلفه إرثاً دائم الاشتعال في الذاكرة؟ أم لحبكةٍ طرزتها الكينونة مع حكايا كاني مشدي وهي تنشد الصب في أفئدة فتيان كوباني؟ أم من نغمةٍ حفرتها ريشة رشيد صوفي في مُهَجٍ تُحاكي بجسارتها من بقي حتى الرمق الأخير في قلعة "كوباني ـ دمدم" تلك الملحمة التي لم يصغها شعراً جان دوست مصادفةً وهو في الثامنة عشر من عمره، أم من روايات جان بابير المنسوجة بدموع كوفيات نسوتها وقد انعقدت طهارة جباههن مع تسكعات شخوص بابير أمام آلهة الشعر في مدينةٍ طغت سطوة واقعها على المتخيل؟ من أين نقرأكِ كوباني وفي كل التفاتةٍ إليك نزداد خجلاً من النظر الى بهائكِ وهو محاطٌ بأردية الدمار، ولكِ في كل مفرقٍ من يُذكرنا ببحة طيار علي وهي تترقرق كشذى قرنفلةٍ أودعهتا القصائد الموجعة على متن أجنحة الاغتراب، فتستحضرين مع اسمكِ عويل شاهين بكر سويركلي من أقاصي العالم، أو تفاجئيننا بترنيمةٍ صاغتها أشواق مصطفى شيخو في رياض البراعم، ولحناً تركه أحمدي جب في زاويةً مكلومة بحسرة الأماكن، ولا نزال نستمع لمن بقي شامخاً هناك وهو يُؤرخ صمودك كـ: الدكتور عزالدين التمو، مصطفى عبدي، ورامان كنجو، لنعبر من خلال رسمكِ المرزوز ببذور التصدي الى أناشيد روني علي، علي حبو، وداد نبي، إدريس سالم، مصطفى محمود، فنقرأ كلماتهم المؤلمة وكأنها تقطرت للتو من حنجرة المفارقين فردوسهم الأرضي، فيتبعها ترنيمات آل كندش الذين لا تزال تصدح آهاتهم عالياً وهي تختزن حزن الحاضر والغابر وتعتقهُ حتى يتذكر العالم مذاق ألم كوباني، ولا ننسى ونحن نعدُ سنابل الشموخ أن نقف خاشعين أمام مذبح البواسل من الـ:y p g و y p j و البيشمركة، ومن تزاحم أقدارك لا نعرف عند أية عتبة من عتباتك نخر ساجدين، فمن أي مبسمٍ نقاربكِ وفي كل كوزٍ لكِ شاربٌ أضاع تخوم الله من شدة وجده؟ من أي محرابٍ ندنو منكِ وفي كل بقعةٍ لك ِ أرواحٌ تركت عبيرها في تربكِ؟ من أية زاوية نتوضأ بك؟ وأنتِ القنديل المشعُ، فأنى لنا الجسارة على النظر إليكِ ونحن المُحملين بكامل الخفر، لأننا نُدرك تقصيرنا تجاهك، نعرف جيداً بأننا لم نحمل عنك صليبك يوماً، ولا استطعنا أن نخفف عن كاهلك ولو أقل مما تيسر من الأوزار، ولعل كل مقصرٍ سيبقى خافض الحضور من شدة ما دلهته الرزية، مقراً بُصغره أمام عظمتكِ، فكيف لنا أيتها الجليلة وصف إصرارك على البقاء طاهرةً من رجس الظلاميين؟ وأنتِ لازلتِ مطوقةً بحِراب همجٍ يجددون إرث أسلاف البغض أجمعين، ولا زلتِ كما عهدناكِ تتوضئين دوماً بأنوار الكبرياء، رغم محاولات خناقك من لدن من تمرغ طويلاً في مستنقع الافك والتسلط وثقافة الاعتداء، ورغم الدموع والحسرات المتساقطة على أشجارك والأسى المتراكم على حجارتك إلا أن عجلة التاريخ عودتنا أن الانتصار في الحروب يبقى أبداً حليف المقاومين النبلاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تونس.. فوز محسوم لقيس سعيد؟ | المسائية


.. هل من رؤية أميركية لتفادي حرب شاملة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الهلال والأهلي.. صراع بين ترسيخ الاستقرار والبحث عنه


.. فائق الشيخ علي يوجه نصيحة إلى إيران وأخرى إلى العرب




.. مشاهد لاعتراضات صواريخ في سماء الجليل الأعلى