الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التخطيط الاجتماعي والنخب المفكره

علي سلمان البيضاني

2015 / 2 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قد درج الكتاب والمفكرون على وضع فصول ختامية لما يكتبون لكي تكتسب صفة المعقول ولكن الواقع ان الحياة هي التي تضع خواتم الاعمال الفكرية، فاما ان تحكم عليها بالتقدير والقبول او تنساها فتهمل في مزبلة الفكر. وقد تكتشف ثانية، ويعلل سبب ذلك بقولهم ان المجتمع لم يكن مهيئا لقبول هذا اللون من التفكير، او انه سابق لأوانه وانتهاك لتسلل المراجع وكان على المفكر ان ينتظر حتى ينضج المجتمع فيبصق بعبقرته فوقه، وكأنه عصفور بليد ينتظر تفتح زهرة الصباح فاذا تم ذلك رشف رحيقها العفن.

هذه خبالات وأوهام تعيش في اذهان غير سوية او غبية لان مهمة الفكر ان يرفع الناس لا ان ينزل الى مستواهم. وبذلك يستطيع المفكر ان ينضج عوامل التغيير والتغير لا ان يتركها تنضج وحدها لانها قد تطبخ خلافا لما كان يريده وعليه في هذه الحالة ان يفرغ المركب في وعاء جديد ويشرع في العمل منذ بدايته وهذا عين ما تعانيه المجتمعات في البلدان النامية حديثا. فان هذه المجتمعات تحتاج الى تغيير لا تغير وتجديد للبناء لا ترقيع له مما يجعل مهمة المفكر صعبة ومحفوفة بالمخاطر ولكنها ملذة اذا تمت اشراقة الشمس مبددة اضواء قوس قزح الخادعة.



ان الواقع يؤكد لنا بان ما تعانيه البلدان النامية من مشاكل وتعقيدات توجب خلق ظروف مواتية للعمل والبناء واستمرار عملية التغير والتغيير لكي تظهر جذور المشاكل طافحة على السطح وبذا يمكن عزلها وتخليص المجتمعات في البلدان النامية من صعوباتها.

وكم هم مخطئون اولئك الذين يتصورون بان مشكلة البلدان النامية انما تكمن في رفع مستوى انتاجها الزراعي والصناعي او زيادة نسبة الاقبال على التعليم، لانهم في الواقع يفتقرون الى الدراسة او التجربة او كليهما معا، فأن توفر الحاجات الضرورية والكمالية لا يعني تطوير التفكير الاجتماعي وزيادة ثقة الافراد بالمجتمع. بل بالعكس فقد يكون ذلك دليلا على توجيه المستوى الفكري نحو الحاجات الضرورية وقصر الحياة الانسانية على الاكل والملبس والجنس. وهي امور ثانوية اذا قيست بمسؤولية الانسان في البلدان النامية ودوره في بناء الحضارة المستقبلية .

ولكن بناء هذا الوعي الحضاري لا يمكن ان يصبح حقيقة واقعة الا باتباع تخطيط دقيق وشامل لكل جانب من جوانب الحياة في المجتمعات المتطورة حديثاً، فالزواج والطلاق وانجاب الاولاد والدراسة والوظيفة والانتاج وما اليها من أمور يجب ان تخضع خضوعاً تاماً لمخططات واعية وواقعية كما ان تكوين المؤسسات الاجتماعية الجديدة سيسهم في حل المشكلة ولكن هذه المؤسسات يجب ان تسبق بقاعدة مهيأة تاتي الى واقع الحياة والحركة عن طريق تقدير صحيح لحاجات المجتمع في حاضره ومستقبله فيجب ان لا تترك امور مثل تحديد النسل وضبطه وتعليم المرأة وعدمه والزراعة والتصنيع والهجرة من الريف الى المدن تلح في طلب اجوبة لها فتنقلب الى سرطان ينخر في قابليات الافراد الفكرية وتجاربهم على قلتها.

ان الفرد يجب تحريره في البلدان النامية من مشاكل انجاب الاطفل وتهيئتهم لأعانته في المستقبل كما يفعل مدرب السيرك حينما يعد كلابه للعرض. فان ايجاد الراتب التقاعدي من جهة وضمان حياة المواطن المسن والمريض من جهة اخرى يصحح الكثير من وجهات نظر الافراد في البلدان النامية ويغير من الصلات بين الاجيال ما تبقى معضلة السيطرة بين الاجيال فان الجيل المسيطر قد ضمن حياته في المستقبل لذا فهو لا يهتم اذا اتفق او اختلف معه الجيل الجديد. ولكن الامر كان ومازال على العكس فالجيل الجديد يجب ان يخضع لمن قبله لكي ينفذ رغباته عندما يهرم الجيل السابق ويصبح غير قادر على فرض نفوذه بالقوة.

والنسل وانجاب الاطفال يجب ان يفك ارتباطه بالارث . ويتصل بالتخطيط. فاذا احتاج المجتمع الى قوة عاملة او مستهلكه في المستقبل فانه سيطلب حتما زيادة في المواليد ورفعا للحالة الصحية للضعفاء او تقليلا للوفيات. والا فان ضبط النسل او تحديده هو الاسلوب الجدير بالاتباع وعند ذلك نضرب بالعاطفة الزائفة عرض الحائط فالقصة ليست زواجا وطلاقاً وانجابا ًوانما قصة تخطيط ومستقبل مجتمع وقد يعترض على ما مرّ ذكره بان معظم البلدان النامية تفتقر الى النخبة المثقفة التي تجمع الدراسة والتجربة والموضوعية والاخلاص. وان مركز الثقل في نجاح التخطيط الجديد هو اكتشاف هذه الجماعة واطلاق يدها في التفكير والعمل، وهذا صحيح. فان مسؤولية الفكر قد انتقلت من طورها النظري الى مستوى عملي يحمل في طياته تأكيدا على التضحية والتصميم لكي تسير قافلة التقدم في البلدان النامية حديثا في الطريق الصحيح. فالواجب يحتم على كل مجتمع من مجتمعات البلدان الحديثة التطور اكتشاف هؤلاء المفكرين او بناءهم واعادة احياء من ماتوا من علمائها ومفكريها خصوصا اولئك الذين اسهموا في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية لخلق نهضة علمية فكرية فكم هو معيب حقا ان نعرف في الشرق العربي الكثير عن البحتري والمتنبي وابي العتاهية. ولا نعرف الشيء الكثير عن الرازي والخوارزمي وابن النفيس وابن سينا وابن خلدون.

وبعد ان يتم اكتشاف النخبة المفكرة تترك اليها مسؤولية اختبار الواقع ومعرفة عناصر القوة ومكامن الضعف فيه. لكي تأتي العملية التخطيطية واضحة وواقعية في تقديرها لابعاد المعضلات التي تعيشها البلدان النامية. وهنا يبرز دور القاعدة الشعبية التي تكونت بفعل المؤسسات الاجتماعية الجديدة في ترجمة التخطيط الفكري الى واقع عملي بوجه العلاقات الاجتماعية بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية. ومما لا شك فيه ان تحرر الانسان في البلدان النامية من مصاعب الحاجة الى كسب غذائه وتمكين سكنه من جهه وفهمه للجنس وواقعه من جهة اخرى ترفع هذا الانسان فوق المتطلبات المحسوسة. حيث تقوم جمهورية المعرفة التي ينضج فيها الفكر الحضاري مما يساعد البلدان النامية حديثا في اجتياز دور النمو الى التكامل ومنه الى دور الاشعاع الفكري وبذلك تتمكن من احياء مجدها الحضاري القديم والوفاء بالتزاماتها الثقافية الحاضرة والمستقبلية.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير