الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة رسم الصورة

قاسم علي فنجان

2015 / 2 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قاسم علي فنجان
في مجرى التطور التاريخي للمجموع البشري الاجتماعي والاقتصادي والسياسي,وفي نقطة أو درجة معينة من هذا التطور بلغها الإنسان, بدأ هذا الكائن يرسم لنفسه حدودا جغرافية على ارض سكنها مع إقرانه الذين عاش معهم وبينهم, ومن خلال هذا السير التطوري بدأ يعبئ المجموعة التي عاش معها للدفاع عن هذه البقعة من الأرض التي ملكها وأطلق عليها وعلى مر التاريخ تسمية "الوطن", وبدأب وجهد كبيرين سعى إلى فرض هذه الفكرة "الوطن" بكل أشكال القوة, وكان جادا بإقناع -وقد نجح إلى حد ما في ذلك- كل المجموع البشري بأن هذه الفكرة "محمولة على الجينات الوراثية", كما فعل مع"الدين والعائلة", وهو مثلث الخطوط الحمر بالنسبة للإنسانية, مع إنها منجزات ومبتكرات الجنس البشري, فإذا ما أرادت أي قيادة في العالم شن حرب فعليها فقط أن ترفع شعار"الدفاع عن الوطن", فهو المقدس الذي يحوي كل المقدسات, فلنحاول مس هذا المقدس -على الأقل لدى"الوطنيين"- وأن نحاول قدر الإمكان أعادة تشكيل ورسم الصورة مره أخرى, وسنأخذ العراق مثالا.
ما نريد قوله في هذه الأسطر الموجزة جدا عن تاريخ فكرة "الوطن" قد يسهل علينا ما سنذكره حول الواقع السياسي في العراق, وما يجري فيه من تطورات متلاحقة وسريعة, تأخذ شكل إشارات وعلامات على تفكك هذا "الوطن" وعودته إلى حالة بدئية ليست بالقديمة جدا هي"نظام الولايات", لكن الرجوع هذه المرة سيكون على شكل ولايات طائفية وقومية, وتشكيل بقع جديدة "أوطان" تأخذ أسماء معينة يعطي معنى هذه الأسماء قادتها الجدد, الذين يقاتلون ويستميتون في سبيل نشأتها ووجودها (الدولة الإسلامية, الدولة الكردية, الدولة؟؟؟؟).. والإشارات كثيرة بل تكاد تكون توليدية كما في اللغة, فالماكنة السياسية والإعلامية تعمل ليل نهار لإنتاج مشاريع التفكك والانهيار, فالمطالبة بالإقليم الجديد في المنطقة "الغربية", والإصرار على إقامة إقليم البصرة مع وجود علم خاص بهم, وتشكيل الحرس الوطني والحشد الشعبي, وأيضا الولادة المتعثرة لقيام "الوطن الكردي", والتصريحات والمؤتمرات واللقاءات, كل ذلك وغيرها من المشاهدات اليومية تعطي انطباعا حقيقيا بأن شيئا في الأفق بدأ يلوح وبانت ووضحت معالمه.
بهذا يتضح أن هناك واقع سياسي واجتماعي جديد تتفاعل فيه جدلية تكشف لنا عن وجود صور وأشكال جديدة, بموت وفناء ونهاية "أوطان" وولادة وإحياء وإنتاج "أوطان" أخرى حديثة. ومن الواضح جدا أن المحتوى الاجتماعي للصراع القائم في العراق هو نتيجة قوى سياسية مسلحة صُنعت وشُكلت بعد أحداث عام 2003. هذه القوى المسلحة كانت "لعبة" أو تلاعبت بها دولا إقليمية وعالمية أو أن هذه الدول كانت مساهمة في إنتاجها وصنعها فكانت أداة فعالة وممتازة حقا وصدقا في ترجمة السيناريوهات التي رسمت لها، مؤديتا بذلك دورها في تفتيت ونهاية "وطن" وبداية "أوطان" جديدة, لكن عندما نتحدث عن بداية أخرى ليس معنى ذلك أنها ستكون سهلة, فالمخاض عسير, بل سيأتي عبر ويلات ومصاعب وفواجع تدق في العظم كما يقال, وهو ما نشهده في كل يوم من أوضاع محزنة ومؤلمة يتجه إليها هذا "الوطن".
هذه الصعاب والمشاق في الولادة الجديدة تأتي بسبب أن كل الإطراف المتصارعة والمتناحرة اتخذت أو تبنت نظرية "القوة والعنف"، فمنذ أن جيء بهم وهم يسنون قوانين شُكلت على أساسها مليشيات وفرق موت وتنظيمات مسلحة بأزياء وأسماء وعناوين مختلفة، هدفها إدامة الصراع وتوسعته إلى ابعد الحدود.. والطريقة التي يتم بها تناول هذه التشكيلات والمليشيات المسلحة هي بتعريفها على أساس "وطني", مع أنها جرعة فات موعدها, فالوطنية (لا تعيش اليوم إلا تحت الثياب القذرة) كما يقول "بلزاك" في أحدى رواياته, فالتشكيل المسلح الطائفي والقومي هو الذي يدافع عن "الوطن" وهذه أشارة إلى أن رسم "الأوطان" الجديدة يقوم على شكل "وطن لطائفة أو قومية أو مجموعة عشائر", المهم هو أن هذه التشريعات والقوانين ينساب منها المنطق الطائفي والقومي بشكل صارخ, وتعزف نغمتها "التفككية والتفتيتية" بالألوان الجديدة القديمة, وبنفس الحيل والخداع ليصبح لدينا من هذه الأوهام "الإشارات" أكثر مما وجد في أي وقت مضى, وبهذا القانون الجديد "الحرس الوطني" تتحول الإشارة إلى لغة مباشرة وصريحة" فالحشد الشعبي للمنطقة هذه, والبيشمركة لهؤلاء, والحرس الوطني لاولئك، وقد نشهد الصراع وهو يتحول إلى معركة الحدود الجديدة "للأوطان الجديدة"، لكل فريق أو مجموعة تقاتل الآن في ساحة المعركة, فهم بسنهم لقانون "الحرس الوطني" يشرعون لحروب طويلة المدى بمعنى آخر يجعلون الحرب قانون الجميع, تقاتل لكي تعيش أو تبقى, وكل قتيل في هذه المعركة "المقدسة" هو حجر كريم في بنيان سلطتهم القائمة على الموت لا غيره.
وفي هذا المخاض ينزوي "الوطنيين" الذين لم يقوون على مواجهة واقع سياسي وجغرافي محتوم ترسم ملامحه دولا كبرى, فهم منقسمون ولم يعد بمقدورهم أن ينقدوا سلوك أو قانون يصدر عن هذه الحكومة, وهم الذين استبشروا خيرا بقدوم "العاهل الجديد", ما أدى بهم إلى مشكلة تضرب بأعماق نفوسهم ومشاعرهم وتزيد إحساسهم بالازدواجية, وبدئوا يدركون أن رسم "الوطن" القديم ممكن تغييره وتبديله فلا شيء "مقدس" أمام حركة ودوران الحياة. لقد أوصلت هذه الدول الكبرى المجتمع بسيناريوهات مظلمة وقبيحة إلى حالة من عدم المبالاة من أي قرار يصدر أو فساد يحصل أو جريمة ترتكب "وهن كثر", إحباط ويأس وصل إلى قمته, فقط جعلوهم يدافعون عن الصورة الجديدة "لأوطانهم الجديدة", أما ما الذي ستأتي به هذه الدول في قادم الأيام (فمن يعرف ما الذي يجول في خاطر "السيد الحامي", من الذي يتصل بدواخل الدوق النبيل) كما يقول شكسبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -