الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإقامة بين العنوان والمتن

عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)

2015 / 2 / 9
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


أثار إنتباهي بمحض الصدفة عنوان مقال موسوم بـ"لماذا يفضل الإسلامي واليساري الإقامة في بلاد الغرب الكافر الرأسمالي؟" للسيد زاغروس آمدي. وما دفعني لقراءته حيوية السؤال عند النظرة السريعة إليه، لاسيما في الظروف الراهنة، هذا الى جانب أن المقال ـ السؤال لا يخلو في الوقت نفسه من طرافة لحد ما، ومن إثارة للفضول أيضاً.

كما يَمْنَحُ إتساعُ نطاقِ الهجرة حالياً السؤالَّ أهمية إضافية، ليس في جانبها الكمي فقط، الذي تتضاؤل أهميته فيما يتعلق بما يُشكله من تسرب للأيدي العاملة، حيث باتت البطالة في الدول العربية تتجاوز حدود كل الأرقام المتداولة عالمياً، والتي وصلت الى حدود تجاوزت في أحسن الأحوال نصف عدد القوى العاملة على صعيدي اليد والفكر. ومهم التأكيد هنا على أن الجزء الأخير، أي شغيلة الفكر، أن هجرتهم هي الأشد خطورة على اليوم وعلى المستقبل أيضاً، ومن المعلوم أن تلك الشريحة الرقيقة من المهاجرين واللاجئين من ذوي الإختصاصات العالية وأصحاب المهارات والخبرات المميزة لم تكن هجرتهم من أجل لقمة العيش قطعاً.

كما إن تزايد أخبار غرق "مراكب الموت" في البحر الأبيض المتوسط حافز آخر يدفع لقراءة مثل العنوان، الذي وضعه الكاتب "آمدي"، وأن يُنظر إليه في هذه اللحظات بعناية، خاصة حين يُنشر المقال تحت باب (محور: الفلسفة؛ علم النفس؛ وعلم الاجتماع) في الحوار المتمدن. وحين يُعرّف الكاتب نفسه في ذات الموقع بأنه ركز جهوده على قضايا السياسة والفكر والدين، ومنذ سنة 2000 تفرغ للمطالعة والبحث في الدين والفلسفة والكتابة.

ومن حوافز قراءتي للمقال الشغف الخاص بطبيعة هذه الظاهرة الإجتماعية الكبيرة، التي بدأت تتسع بعد الإطاحة بجزء كبير من آمال الناس المعقودة الى الثورات العربية المطاح بها غيلة، وبعد وقوع الناس بين جدارين من العنف المروع؛ الإرهاب من جهة ومحاربة الإرهاب بكل رعونة وغباء وحقد من جهة أخرى، وبعد أن أصبحت هذه الظاهرة تمس بقوة أساسيات حياة الملايين من الناس داخل أوطانهم وخارجها.

ولكن سؤال زاغروس آمدي المغرّي للوهلة الأولى يتهاوى جزؤه الأساسي عند بدء النظرة الفاحصة الأولية. فإن جملة "الإقامة في بلاد الغرب الكافر الرأسمالي؟" تنطوي على نوع من التهكم والسخرية، ويعزز ذلك الإستنتاج علامة الإستفهام التي أعقبتها. وهذا الوصف يُكسب الجملة بعض المشروعية الضئيلة إذا كان المقصود منها عدم قبول ذلك الوصف ـ "الكافر"، ولكن السؤال بأكملة من جانب آخر يكشف عن تناقض في بنائه الداخلي، فلا يوجد إتفاق معلن أو غير معلن بين اليساري والإسلامي على ذلك الوصف، أعني وصف الغرب الكافر الرأسمالي.

كما إن لغة عموم الحركات الإسلامية والإسلاموية لا تميل أو لا تستخدم أصلاً مصطلح الرأسمالية وصفاً للمجتمات الغربية عامة. ومن جانب آخر، فإن قوى اليسار عامة لا تستخدم ولا تؤمن بوصف الكافر لتلك المجتمعات، بل إن قطاعات واسعة من اليسار هي كافرة أصلاً من وجهة نظر قطاعات واسعة من الحركات الإسلامية، ولا أقول المتشددة منها فقط.

إن حالات الهجرة واللجوء ليست حالات جديدة في تاريخ الإنسانية بل هي خيار مشروع في الإسلام نفسه، ومن وجهة نظر القوى المدنية كلها، وإثبات هذه حالات غنيّ عن البيان، ولا يستدعي الكثير من البحث للعثور على دليل عليها، بفضل سعتها وقِدمها.

كما إن إتجاه اللجوء أو الهجرة وغيرهما من الحالات القريبة لا يُحدده بالضرورة الإنسجام العقدي، فهو يخضع لما يُمكن أن نسميه بالظروف الملموسة والممكنة، أي على سبيل المثال أقرب جرف آمان على الحياة نفسها من خطر مميت يواجه اللاجئ أو المهاجر، لهذا من العسير الإتفاق مع الكاتب، الذي سخرَّ من إتجاه اللجوء الى الدول الغربية. إن سخرية الكاتب ودعوته للإسلامي للجوء إلى تورا بورا، أو إلى مكة أو قم أو النجف أو الخرطوم، وما وصفه بـ "اليساري المتشدد أو الشيوعي" الى جبال قنديل أو الى كوريا الشمالية، أو فيتنام أو كوبا أو الصين الشعبية فهي سخرية غير مسؤولة.

وإذا ما تجاهلنا السخرية التي لا محل لها من الإعراب في ظل ظروف الناس القاهرة، التي تتطلب الجدية والتعمق والتحري لسبر أعماق ما نشاهد من ظواهر وحالات مؤلمة للغاية، فإن الكاتب نفسه يطرح سؤالاً متناقضاً أو حالة مناقضة للأولى، تتمثل بقوله: "بينما نجد آخرون (آخرين) يتركون باريس ولندن وفيينا وراءهم ويذهبون للقتال في سورية والعراق في صفوف الدولة الإسلامية. و"بينما نجد أحياناً آخرون (آخرين) من ذو الميول اليسارية يتركون بلادهم ويذهبون للقتال ضد الإمبريالية مثلما حصل في القرن الماضي في بعض الحروب التحررية أو الأهلية خاصة، أو ما نشهده الآن في إنضمام بعض الغربيين الى القتال مع أو ضد الدولة الإسلامية. وفي هذا واصل "آمدي" نظرته التي لا تميّز بين تناقضات الحياة نفسها، وظروف كل موقف، وكأنه يطلب من الناس أن تكون تصرفاتهم وطريقة مواجهتم للمخاطر واحدة، وليس واضحاً ما يريده من تلك المقارنة، التي أضافت مزيداً من الإرتباك على كل الموقف الذي رسمه بغير عناية. لقد قلت في البداية إن طرح السؤال كان أمراً جيداً على علاته، التي تبينت في السطور السابقة، ولكن تبقى محاولة الإجابة عليه هي الأهم.

وأخيراً، توصل الكاتب الى وجود تناقض بين ما يطرحه اللاجئ من أفكار وبين إتجاه اللجوء، وأردف سؤلاً ثانياً يطالب فيه بتفسير ذلك التناقض. ولكنه مرة أخرى يجاهل سؤاله الجديد. وربما كان الأجدر من أن يطرح سؤالاً عن تناقض، الذي بدا له، أن يحاول التحري عن العوامل الأساسية المسببة أو المشجعة على الهجرة أو اللجوء.

وفي خطوته الأخرى خاب تفاؤلي أيضاً، حيث تورط الكاتب في طرح مسألة تأثير الوعي واللاوعي في إتخاذ القرارت بصدد اللجوء أو الهجرة، وإعتبر الوعي بجانبيه عاملاً أساسياً أولياً، ووصفه بالسبب الأول.

وقدم الكاتب سبباً ثانياً في المضمار نفسه، قال عنه إنه يكمن في التشوه الجزئي، الذي إصاب إدراك الإسلاميين واليساريين لـ"إنبهار عقولهم بإيدلوجية معينة أو دين معين". وفسر من خلال ذلك العامل سبب التناقض عند المجموعتين المذكورتين؛ الإسلاميين واليساريين، وإستطرد مضيفاً قوله: "ولذلك تجدهم يحاولون وبشتى الوسائل حتى العنفية منها إثبات بأنهم دائماً على حق، ولذلك يبررون وجودهم في الغرب الكافر أو الغرب الرأسمالي بمسوِّغات غير منطقية لا تقنع سواهم".

لم أعد أجد سبباً بعد كل ما تقدم لمطالبة الكاتب في أن يحدد مفاهيمه بصدد طبقات النفس البشرية، أو دور الوعي واللاوعي، أو تفسير حديثه عن السفر بالإتجاه المعاكس في مجال وإتجاه الهجرة، الذي أرجع أسبابه الى حصول تشوه جزئي ومؤقت للإدراك لديهم؛ يقصد المهاجرين، وحديثه عن "الفرق بين تشوه الإدراك المؤقت والدائم..."، الذي يرجعه في الغالب الى الزمن، وغياب المعنى في ربطه أو فهمه لما وصفه بالإدراك المشوه الدائم، الذي "يبدأ بالتشكل عند الجنين وهو في رحم أمه ..."، ولا حتى مطالبته بذكر مسوِّغات غير منطقية أخرى، حيث يسود اللامعنى وعدم الترابط بين ما رصفه من مفاهيم لم يحدد مواقعها من الموضوع الذي تناوله أو يحدد علاقاتها مجتمعة أو منفردة مع قضية الإقامة أو الهجرة.

كما لم يساعد الكاتب الناس في شرح أو توضيح قصده أو "إكتشافاته" التي عرضها، وعلى أي أساس ربطها مع الإتحاد السوفيتي!!!، وما العلاقة بين اللجوء الى الدول "الكافرة" والرأسمالية بما وصفه بـ"السلوك المنحرف في توسيع دائرة الماركسية والشيوعية"؟!، وأين وجه العلاقة مع ما "حدث في مسألة كوبا بين كيندي وخروتشوف، و"إحتلال أفغانستان"، و"الثورة الخمينية في إيران".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نقد ساخر وليس سخرية رخيصة
زاغروس آمدي ( 2015 / 2 / 14 - 18:59 )
عزيزي د. عبدالحميد
اولا احب أن انوه أني اختصرت الموضوع بشدة، ووضعته في محور علم الإجتماع ليكون القارئ مهتما بهذا العلم كي يسهل عليه ما يستعصي على غيره في فهم الفكرة التي جاءت موجزة.
ثانياً: أنا لم اعمم الظاهرة على كل اللاجئين.
ثالثاً: بالنسبة للعنوان جاءت مفردة -الكافر- مقابل الإسلامي ومفردة -الرأسمالي- مقابل اليساري. ولم ازعم أن هناك توافق بين الإسلاميين واليساريين على هذه التسمية.
رابعاً: حديثي عن اتجاه الهجرة لم تكن سخرية رخيصة، بدليل اني بررت ذلك. لكن من البديهي ان يتناقض وجود الإسلامي واليساري في بلاد لايفضلونها إيديولوجيا. قد يكون كما تقول ان لإتجاه الهجرة مسببات اضطرارية او ماشابه وهذا صحيح، لكن مادمت غير مقتنع بتحليلي عن الاسباب وجب عليك ذكر الاسباب والدوافع الحقيقية عند الإسلامي واليساري في إختيار جهة الهجرة.
خامساً:اما عن ورود الإتحاد السوفيتي وإيران فجاء ثانويا وبشكل مختصر جداً ومع ذلك يستطيع قارئ الحوار المتمدن استيعاب ذلك الربط.


2 - نقد ساخر وليس سخرية رخيصة
زاغروس آمدي ( 2015 / 2 / 14 - 19:02 )
اما إذا كنت قد أسأت إلى مشاعرك في مقالي المذكور والموجز جدا وهذا ما بدا لي ولو بشكل ضئيل جدا، من خلال ردك المهذب والرصين مبنًى على الأقل، ومع أني لا اريد الإساءة للمشاعر، لكني اعتبر أن الإساءة إلى العقل أخطر بكثير من الإساءة للمشاعر.
واخيراً اشكرك على لفت النظر على الخطأ النحوي الذي ورد مرتين.
والفت نظرك بالمناسبة على كلمة -سخرَّ- التي ذكرتها واعتقد أنك ربما انزلت الشدة على الراء سهوا.
مع التحية

اخر الافلام

.. عبد اللهيان: إيران عازمة على تعميق التفاهم بين دول المنطقة


.. ما الذي يُخطط له حسن نصر الله؟ ولماذا لم يعد الورقة الرابحة




.. تشكيل حكومي جديد في الكويت يعقب حل مجلس الأمة وتعليق عدد من


.. النجمان فابريغاس وهنري يقودان فريق كومو الإيطالي للصعود إلى




.. حفل تخرج يتحول لمسرح احتجاج على جامعة كولومبيا