الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر عابرة (2) زنزانة الملل..

محمد عبعوب

2015 / 2 / 10
الادب والفن


بعد مطاردة طويلة وفاشلة مع نوم مصطنع لتبديد الوقت، أجد نفسي جالسا في الفراش بدون أي هدف.. يقابلني باب الشقة البني الغامق الذي يزيد من قتامة جو الشقة.. ارمقه بشزر، وأسأل نفسي :
- لماذا أنا وراء هذا الباب؟ ماذا أفعل هنا؟
تجتاحني رغبة ملحة في الخروج من وراء هذا الباب والجري بعيدا حيث لا ابواب ولا حيطان.. لكنني أسال نفسي الى أين؟ فالخارج مثل الداخل, نفس المشاهد محاطة بحيطان لا نهاية لها، مللت تكرارها بعد أن شدتني لوقت قصير في اكتشافها وتفكيك بعض اسرارها.. حفظت كل المقاهي والشوارع و الطرق تقريبا بهذه المدينة الصغيرة التي تتكئ على شاطئ جميل يضفي عليها جمالا آسرا يغطي بعض عيوبها، رسمت خريطة لمعظم حواريها وطرقها في ذاكرتي، حتى الحفر والانكسارات في الرصيف -الذي أدمنت على ارتياده بعد غروب شمس غالب الأيام لتزجية الوقت والتريض- أصبحت أحفظها عن ظهر قلب وأعبر الارصفة دون أن التفت إليها لأنها مرسومة بدقة في ذاكرتي.. يقطع انسجامي ويبعث الفزع في خلال هذا المسير في بعض الأحيان شاب نزق يقود سيارته بسرعة قاتلة متخذا من هذا الرصيف طريقا لاختصار المسافة، وكأن الوقت لديه من ذهب! وهو الآخر بكل تأكيد يعاني من فراغ قاتل..
مللت أصوات الطلقات والألعاب النارية في المناسبات التي تزدحم بها المدينة خاصة خلال فترة الصيف، كما مللت مشاهد طلقات الخرطوش الفارغة التي تكاد تشكل في بعض الشوارع التي توجد بها متاجر بيع الخرطوش والالعاب النارية طبقة تغطي الطريق..
مللت تحدي سائقي السيارات في هذه المدينة التي يغلب على سائقين فيها عدم احترام المشاة عند عبورهم الطرق، بل إن بعضهم يزيد من سرعة سيارته عندما يدرك أنك تنوي عبور الطريق وكأنه يشرع في محاولة قتل عمد، ويبعث فيك الحنق التفاتته اليك بنظرة تحدي ترفع من حالة التوتر لديك ..
مللت نفس المقاهي والمطاعم التي هي نسخ متكررة في نوعية الوجبات والمشروبات التي تقدمها، كما في مستوى خدماتها التي تسيطر عليها العمالة المصرية.. وكم كنت أحاول تجاهل بعض المشاهد المنفرة لمطاعم ومقاهي كنت ارتادها لسد رمقي بوجبة تطفئ جوعي، وأغادر بعد تجرع لقيمات تاركا وجبتي معاهدا نفسي بعدم الرجوع الى هذا المطعم، فأكتشف أن كل هذه المحلات متشابهة.
مللت تلك الضوضاء التي تضج بها عديد المساجد قبيل وبعد أداء الصلاة في حوارات بين مصلين عادة ما يكونون من كبار السن الذين لا يفرقون بين وجودهم في المسجد او المقهى عندما تسيطر عليهم رغبة الفضفضة واختلاق حوارات حول القضايا الساخنة التي تسيطر على الراي العام في المدينة..
حتى المكتبة العامة الوحيدة بالمدينة التي هي في الواقع لا تزيد عن كونها مخزن لكتب قديمة تفتقر للترتيب والتنسيق تم رصها في الرفوف كما اتفق، و التي يمكن أن تكون ملجأ لضحايا الفراغ والملل، كثيرا ما يقرر العاملون فيها مقاطعة الرواد الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة ويتركونهم وانا منهم ضحية للملل..
مللت الانتظار وانعدام اي فرصة لممارسة مهنتي التي اعتقدت أنني من خلالها يمكن أن أسهم في إخراج بلادي من ازمتها، فإذا بي مرمي على الرصيف كقطعة أثاث مهملة لا قيمة لها يدوسها كل عابر او عامل في المؤسسسة التي تبدوا غارقة في بيروقراطية مقيتة تشلها عن الحركة وتحولها الى خلية من الأزمات ..
أشعر أنني في زنزانة بحجم مدينة، لا يعينني على البقاء فيها إلا ثلة صغيرة من الاصدقاء الكرماء الذين يكسرون من حين لآخر روتين حياتي باستضافتهم الكريمة لي ورفاقي، أو الكرم الفطري الذي يقابلك به كل من تقف عليه من أهل المدينة في خدمة، و هذا ما يعزز صمودي الممل والذي قد يتحول كما يبدو لي- إذا لم أتمرد عليه- الى عادة أخشى أن تلازمني و ألا أتخلص منها في وقت قريب..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخلاص
رائد الحواري ( 2015 / 2 / 11 - 18:49 )
تصوير جيد لحالة المدن العربية، الفقيرة للمرافق العامة، فيصور لنا الكاتب كتل الاسمت التي تشكل ما يشبه المخيم الكبير، اعتقد بانني تجاوزت هذه المدن من خلال الانتقال الى الريف، وايضا من خلال القرأة، فهي احدى وسائل الخلاص من واقع المدينة العربية المتخلفة


2 - شكر ا ع المرور
محمد عبعوب ( 2015 / 2 / 15 - 15:14 )
شكرا سيد رائد على مرورك الكريم، ومدننا العربية في الغالب تتقاسم هذه الفوضى الا فيما ندر، او بتفاوت بينها في حجم الفوضى، هذه خواطر تعصف بي وانا أعايشها وددت من خلال هذه السطور إشراك القراء فيها وتخفيف وطأ هذا الواقع عني.. كل التقدير لك ولكل القراء

اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في