الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش حوارات المجموعة 42: الديموقراطية

السيد نصر الدين السيد

2015 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


"الديموقراطية ليست غاية في حد ذاتها بل هي مجرد وسيلة من وسائل تحقيق الرفاه"
الكاتب

كانت الديموقراطية إحدى الموضوعات التي تصدرت الحوار الذي دار بين أفراد المجموعة 42 في لقاءها الأخير. والمجوعة 42 هي مجموعة فريدة في تكوينها. فالبعض منهم ذو خلفية اقتصادية يهتم بشئون المال والأعمال، والبعض الآخر ذو خلفية هندسية يهتم بالآلات (التكنولوجيا) تصنيعا وإدارة. وعلى الرغم من تباين الخلفيات الا انهم جميعا يتمتعون بثقافة عريضة، وكلهم مهمومون بشؤون الوطن، وبعضهم منغمس في العمل السياسي اليومي. وبالإضافة الي تباين الخلفيات نجد أيضا تنوعا في أساليب الحوار. فالبعض منهم يتبنى أسلوب الحوار الهادئ والمنضبط المتأثر بخلفيته العلمية او الهندسية. والبعض الآخر ينصت جيدا لما يدور لتأتي مساهمته في صميم الموضوع. والبعض تشبه مداخلاته هجوم هولاكو على بغداد سنة 1258 وذلك بتبنيه أسلوبا صاخب يقوم على "تسفيه" آراء الآخرين وتفنيدها، سواء كان ذلك عن حق او كان عن غير حق، وعلى اتهامهم بالجهل. الا انه يمكن النظر الى من يتبني هذا الأسلوب كـ "محامي للشيطان" الذي لا غنى عنه لنجاح أي جلسة "عصف ذهني" Brainstorming. فوجود من يتبني هذا الأسلوب قد يلقي الضوء على أوجه الضعف والقصور في الفكرة موضوع الهجوم ويدفع صاحبها الى مراجعتها.


طبيعة "الظاهرة الاجتماعية"

يقول لنا علماء الاجتماع ان "الظاهرة الاجتماعية" هي فعل اجتماعي يمارسه جموع من البشر، أو هم يتعرضون له أو يعانون منه أو من نتائجه‏. وتختلف "الظاهرة الاجتماعية"، مثل الفقر او الديموقراطية، عن "الظاهرة الطبيعية"، مثل الزلازل او الظواهر الفلكية في امرين. يظهر الأمر الأول جليا في اختلاف القوانين التي تحكم (او تفسر ...) "الظاهرة الطبيعية" عن تلك التي تحكم "الظاهرة الاجتماعية". فالقوانين التي تحكم "الظاهرة الطبيعية" هي قوانين لا تتوقف على السياق (المكان والزمان)، فتلك التي نستخدمها لفهم زلازل اليابان هي نفسها التي نستخدمها لفهم ظاهرة الزلازل في إيران، وتلك التي نستخدمها لوصف ثورة بركان فيزوف سنة 79 ق. م هي نفسها التي نستخدمها لوصف بركان جبل كيلود في جزيرة جاوة الاندونيسية في 14 فبراير 2014.

وعلى العكس من ذلك تتوقف القوانين التي تحكم (او تفسر ...) "الظاهرة الاجتماعية" على السياق، اي على زمن ومكان حدوثها. فظاهرة الفقر في الهند تختلف بالضرورة عنها في الولايات المتحدة. ان ما يميز الظاهرة الاجتماعية هو انه حتى مع وجود المشتركات، مثل حاجة الانسان للطعام، الجنس، ...، توجد أيضا الاختلافات ما بين مجتمع وآخر وما بين حضارة وحضارة اخرى. ان توقف القوانين التي تحكم (او تفسر ...) "الظاهرة الاجتماعية" على السياق يعني العديد من الأمور مثل:
-;- يصعب استخدام صفة "المطلق" على أي عنصر من عناصر وصف الظاهرة الاجتماعية.
-;- الدور الذي يلعبه التاريخ (الموروث الثقافي على سبيل المثال) في تحديد مدي استعداد المجتمع للتكيف مع متغيرات الواقع، او بعبارة اخرى مسار تطور المجتمع (يطلق على هذا الامر في علوم التعقد اسم " مبدأ التاريخيّة " Historicity). ومن ثم فان تبنى أي نظام من خارج المجتمع ومحاولة استزراعه "زي ما هو" دون أي تعديل في المجتمع هو مصيره الفشل.

أما الأمر الثاني فهو الدور الذي تلعبه إرادة ووعي الانسان، المكون الرئيسي للظاهرة الاجتماعية. وهي بذلك تختلف اختلافا جوهريا عن الظواهر الطبيعية لا تتمتع مكوناتها بحرية الاختيار.

ظاهرة الديموقراطية
الديموقراطية، شأنها في ذلك شأن أي ظاهرة اجتماعية، تتوقف على السياق، أي على زمن ومكان تبنيها كنظام حكم. لذا ليس من المستغرب أن تتعدد نماذج الديموقراطية بقدر تعدد من تبنوها وبقدر تنوع مورثاتهم الثقافية. فمن منظور الأيديولوجيا نجد هناك "الديمقراطية الليبرالية" و"الديمقراطية الاشتراكية". ومن منظور مستوى التمثيل يمكننا التمييز بين "الديمقراطية المباشرة"، حكم الشعب لنفسه مباشرة دون وسيط، و"الديمقراطية غير المباشرة (التمثيلية)"، التي يقوم فيها أفراد المجتمع باختيار من يمثلهم وذلك لفترة محدودة عبر انتخابات حرة ونزيهة. ومن منظور اسلوب اتخاذ القرار نجد على سبيل المثال "ديمقراطية الأغلبية"، حيث يتم اتخاذ القرار وفق الأغلبية، و"الديمقراطية التوافقية"، حيث يتم اتخاذ القرار عبر المساومات والمواءمات بين القوى السياسية. وداخل كل نموذج من هذه النماذج نجد تنويعات تتوقف على سياق تطبيقه.
فعلى سبيل المثال فإن تني دولا مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند واليابان للنموذج الديموقراطي الليبرالي لا ينفي ان لكل منها نموذجه الليبرالي الخاص به والذي يختلف عن نماذج الآخرين. ومصدر هذا الاختلاف هو اختلاف الموروث الثقافي لكل منها. وإذا كان نموذج الديموقراطية الواحد تتنوع اشكال تحقيقه على ارض الواقع فانه أيضا يتطور مع مرور الزمن. فاليوم بتنا نسمع على نموذج "ما بعد الليبرالية" وذلك انطلاقا من تحليل تجارب التحول الديموقراطي، وبالذات تلك التي حدثت في أمريكا الجنوبية،

وخلاصة القول انه توجد، بالإضافة الى نموذج "الديمقراطية الليبرالية" ذائع الانتشار، هناك العديد من النماذج الأخرى التي يمكن تبنيها. وهنا ينبغي القول بأن نجاح تطبيق أي نموذج من نماذج الديموقراطية يتوقف على مدي ملاءمة هذا النموذج لثقافة البلد التي سيتبناه وعلى قدرة هذا البلد على تكييف النموذج ليتلاءم مع ثقافتها السائدة. او بعبارة أخرى، لا يوجد نموذج ديموقراطي جاهز للتطبيق الفوري بل ينبغي "تفصيله" ليلائم قوام الامة المستوردة.


الديمقراطية والخيار الجمعي
الديمقراطية هي "حكم الشعب لنفسه بنفسه ولنفسه". ولكي يحكم الشعب نفسه لا بد من إيجاد وسيلة تمكنا من التعرف على رأي الشعب في كافة الأمور التي تخصه والتي
تعرف بـ "الخيار الجمعي". وهنا يبرز سؤال محوري هو "كيف يمكن استخلاص رؤية/خيار/سياسة "جمعية" (أي يمكن اعتبارها تمثل رؤية الشعب) من الرؤي المختلفة التي يتبناها الافراد؟" وتتعدد طرق الحصول على "الخيار الجمعي" الا ان اكثرها استخداما هي طريقة "التصويت التجميعي" Aggregative Voting. وفي هذه الطريقة تُطرح البدائل (مرشحين لشغل منصب ما، سياسات، ...) امام أفراد الشعب ويُطلب منهم المفاضلة بينهم واختيار أحدهم. وهو الاختيار القائم على المصالح الشخصية للمصوت بغض النظر عن معقولية هذا الاختيار او مدى تقبل الآخرين له. ويعتبر البديل الحائز على أغلبية الأصوات هو البديل الذي يمثل "الخيار الجمعي". وكلمة أغلبية هنا قد تعني أغلبية بسيطة، 50+1، وقد تعني أغلبية أكثر تشددا، مثل ضرورة الحصول على ثلثي الأصوات.

وهنا تبرز مشكلة أخرى تعرف بـ "معضلة الديمقراطية"Democratic Dilemma ومؤداها ان الحصول على خيار جمعي يمثل تمثيلا صادقا رأي الشعب يتطلب مواطن على وعي كافي بموضوع التصويت ويمتلك قدر من المعلومات تمكناه من المفاضلة بين ما هو مطروح من خيارات ومن ثم اختيار احدها. الا ان توفر مثل هذا المواطن ليس بالأمر اليسير.

ان الديموقراطية هي بالضرورة نظام حكم معقد يقوم على آليات "اتخاذ القرارات الجمعية" Collective Decision Making ويتطلب تطبيقه وتشغيله بطريقة فعالة (يعني مش مجرد منظر) توفر بنية تحتية ثقافية بدونها يصبح تبني أي نظام ديموقراطي امر عبثي (-;-). وهو الامر الذي جعل البعض من علماء السياسة ان يعتبر ان نظام الحكم السلطوي "الرشيد" هو امر ضروري لتهيئة المجتمع للنظام الديموقراطي أيا كان شكله.

واختم مقالي بشكر واجب لأعضاء المجموعة 42 الذي دفعتني حواراتهم الهادئة والصاخبة الى كتابة هذا المقال.


(-;-) الديموقراطية وقيمها الغائبة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=423141








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ماذا عن إصدار محكمة عسكرية حكما بالسجن سنة بحق المعارض


.. مشاهير أمريكا. مع أو ضد ترامب؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الولايات المتحدة وإسرائيل ..الدعم العسكري| #التاسعة


.. ما هي التقنيات الجديدة لصيانة المباني الشاهقة؟




.. حماس تتهم إسرائيل بقطع الطريق على جهود الوسطاء | #غرفة_الأخب