الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية بين الوساطة النضالية والثقافية (تكريما للأستاذ إبراهيم أخياط)

الحسين أيت باحسين

2015 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لقد تعرفت على الأستاذ والصديق ابراهيم أخياط، لأول مرة، حين التحقت بالجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي سنة 1970، وأنا طالب بشعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وذلك عن طريق المرحوم الأستاذ علي صدقي أزايكو الذي كان أستاذا لي سنة 1962 في قسم الشهادة الابتدائية بإمنتانوت والذي أخبرني سنة 1968 وأنا طالب بثانوية ابن عباد بأنه ومجموعة من أصدقائه قد أسسوا، في 10 نونبر 1967، جمعية تهتم بالتراث "البربري" (الأمازيغي). لكن في نفس السنة التي التحقت فيها بكلية الآداب بالرباط (سنة 1970)، التحق الأستاذ علي أزايكو بباريس ليتمم دراسته الجامعية هناك واقترح علي الالتحاق بالجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، ومن حينها إلى اليوم رافقت الأستاذ والصديق ابراهيم أخياط في كل محطات مسيرته النضالية والتدبيرية الخاصتين بالشأن الأمازيغي، خاصة من منظور الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي
هذه المناسبة (تقديم شهادات في حق المحتفى به من قبل ممثلي مؤسسات وجمعيات ثقافية وهئيات سياسية وحقوقية وغيرها) لاتسمح لي بسرد كل ما تختزنه ذاكرتي، طيلة أربعين سنة، من أدوار ومواقف ومنجزات قام بها الرجل المحتفى به من أجل رد الاعتبار للآمازيغية والنهوض بها إلى درجة أن شخصه أصبح لدى كثير من المغاربة، خاصة منهم المهتمون بالشأن السياسي والثقافي، مقرونا بالشأن الأمازيغي؛ كما أصبح لدى كثير من المهتمين بالشأن الأمازيغي مقرونا بالجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي. ولهذا سأقتصر في هذه الشهادة على أهم الأدوار التي ينفرد بها الرجل من بين رفاق دربه، خاصة داخل الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، في تدبير الشأن الأمازيغي.

(Itinéraire d’un facilitateur)أولا: مسار ميسر
إذا ما تأملنا في مسيرة الرجل، منذ تفرغ للعمل الجمعوي المهتم بالشأن الأمازيغي وتخلص من مختلف الانشغالات الأخرى التي كانت تستهويه، سوف نلاحظ أن مساره هذا أصبح يكتسي شيئا فشيئا صبغة الميسر. وذلك لكون الأستاذ إبراهيم أخياط، منذ ذلك الوقت وإلى الآن، يتوفر على هذه القدرة والطاقة التي تجعل منه عنصر الجمعية الذي يعرف ويقوم بتوزيع الأدوار وتنسيقها بين أعضاء في الجمعية متنوعي المستويات الثقافية والاهتمامات الفكرية ومختلفي الانتماءات الجغرافية والسياسية ومتبايني الانتماءات الاجتماعية والمهنية. كما أنه سعى دائما إلى توفير الشروط المادية والمعنوية لاستمرارية عمل الجمعية بالرغم من كل المنعرجات السياسية والفكرية التي عرفها المغرب منذ تأسيس الجمعية إلى اليوم.

(Médiation militante) ثانيا: وساطة نضالية
يكفي في هذا المستوى العودة إلى ما قلته عنه في مقدمة كتابه "الأمازيغية: هويتنا الوطنية" من كون "الذين عملوا إلى جانبه يعلمون أنه لا يستمع فقط إلى ما يُتَداول ويُقتَرح في لقاءات الجمعية، بل إنه يقوم، كلما استجد جديد يستلزم التشاور والمشورة، بدورات مكوكية في منازل النواة الصلبة للجمعية قبل عقد اجتماع يتم فيه الحسم في الرأي والموقف؛ وبالتالي فإن تدبير الإنجاز والتحقيق رهين به؛ لكن باستشارة مناضلي الجمعية الآخرين خاصة منهم المشكلين للنواة الصلبة للجمعية". وهذه الوساطة النضالية جمعت بين تدبير أنشطة في الوسط الطلابي الجامعي وأخرى أقيمت في مختلف المدن المغربية كأنشطة اكتست صبغة إشعاعية على مستوى الساحة العمومية. كما عمل على توفير الشروط الملائمة لفتح حوار مستمر مع المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية ومختلف جمعيات المجتمع المدني. ولتجديد دينامية عمل الجمعية كان دائما حريصا على استقطاب عناصر جديدة قد تفيد الجمعية في تحقيق أهدافها

(Médiation culturelle) ثالثا: وساطة ثقافية
إن هذه الوساطة النضالية استلزمت منه وساطة أخرى لا تقل عنها أهمية وهي الوساطة الثقافية. فلا زلت أتذكر ذلك التنسيق الذي قام به بين عناصر من جنوب المغرب ووسطه وشماله في بداية السبعينيات (1971). بحيث تفضل الدكتور عبد المالك أوسادّن ووضع رهن إشارتنا منزله بإموزّار (فيلاّ كان يملكها بإموزّار، في ضواحي مدينة فاس) وأقمنا بها لمدة أسبوع نتبادل فيها الرأي حول قضايا "اللغة والثقافة الأمازيغيتين" – التي كنا نصطلح عليها آنذاك ب "اللهجة البربرية والثقافة الشعبية" - سواء من حيث كوننا ننتمي إلى مناطق متباينة؛ أو من حيث كوننا نتوزع بين كليات ومدن الرباط وفاس بصفة خاصة؛ أو من حيث كوننا ننتمي إلى تخصصات أكاديمية ومهن مختلفة. ولقد كان برنامج العمل الأساسي في هذا اللقاء التكويني توضيح هدف الجمعية الأساسي وضرورة القيام بالتحسيس في الوسط الطلابي لكي يتم الاهتمام بقضايا "اللغة والثقافة الأمازيغيتين" وتجذير الوعي بهذا البعد من ثقافتنا الوطنية، وكذا محاولة وضع قاموس مشترك بين مختلف "لهجات الأمازيغية". وقد لعب كل من الأستاذ إبراهيم أخياط والدكتور عبد المالك أوسادّن وساطة ثقافية جعلت المجموعة التي استفادت من هذا اللقاء تختار بصفة لا رجعة فيها، وإلى اليوم، موضوع انشغالها اليومي والثقافي والنضالي وكذا الأكاديمي هو الحفاظ على الأمازيغية ورد الاعتبار لها.

(Passeur de stratégies) رابعا: ممرر لاستراتيجيات
لم يكن يوما ديدنه، داخل النواة الصلبة للجمعية، الاهتمام بالجزئيات الثقافية والاجتماعية والسياسية، سواء في اهتماماته الشخصية أو في النقاشات الجماعية. بل كل ما كان يوقد عزيمته على مستوى الوساطة النضالية والوساطة الثقافية هو البحث والحرص على إدراك ملامح التوجهات الاستراتيجية القابلة للتحقق وفق شروط الظرفية القائمة وذلك من أجل رفع الاستيلاب والتبعية في الفكر المغربي، الثقافي منه والسياسي، ودعوة كافة الأطراف المعنية من أجل إعادة تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي وجعل الأمازيغية قضية وطنية ومسؤولية كل المغاربة. إن ما كان يشغل اهتمامه اليومي هو تلمس وإدراك تلك الملامح الاستراتيجية التي من شأنها رد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة. وحين تتأكد لديه رؤية استراتيجية واضحة، يستجمع كل هممه للبحث عن سبل ووسائل تحقيق ذلك على أرض الواقع وفق ما تسمح به الشروط الموضوعية واعتمادا على الحوار أولا فالحوار ثانيا ثم الحوار ثالثا واستنادا إلى قوة الحجة والإقناع وإشراك كل من يهمه هذا الحوار ويقبل به وبمختلف الوسائل المشروعة المتاحة والممكنة


خامسا: الكفاءة التدبيرية في مجالات التظاهرات الثقافية والفنية
(Gestionnaire de manifestations culturelles et artistiques)

إن ما يتميز به الأستاذ أخياط إبراهيم، داخل الجمعية هي كفاءته في تدبير مختلف الأنشطة الثقافية والفنية، سواء منها على المستوى المحلي أو الوطني. وقد برهن على ذلك منذ السبعينات على المستوى الفني بمرافقة فرقة "أوسمان" من لحظة التأسيس إلى لحظة الشهرة الوطنية والدولية. كما برهن على ذلك أيضا في مختلف التظاهرات الفنية المحلية والوطنية التي ارتقت بالفن الأمازيغي من مستوى النظرة الفلكلورية إلى مستوى الفن الواعي برسالته الهوياتية
وعلى مستوى الكفاءة التدبيرية في مجال التظاهرات الثقافية يكفي أن نستحضر الأنشطة الإشعاعية المحلية والوطنية التي وفر لها ما تستلزمه من شروط مادية ومعنوية وبشرية لكي ينتقل بالخطاب حول الأمازيغية من "منظورفلكلوري" إلى "ثقافة شعبية" تستأثر باهتمام البحث الجامعي في مرحلة من مراحل النقاش العام حول الثقافة المغربية؛ ليصل إلى خطاب "الهوية الأمازيغية" وجعل مختلف الفرقاء الاجتماعيين والثقافيين وكذا السياسيين يتخلون شيئا فشيئا عن النظرة الدونية والتحقيرية تجاه ما هو أمازيغي.

فليهنأ الأستاذ والصديق إبراهيم أخياط بهذه الخصال المذكورة آنفا وبما أنجزه في حق الجمعية وفي حق الأمازيغية؛ خاصة وهو في يوم تكريم له من طرف مؤسسة جمعت بينه وبين رئيسها السيد محمد البوكيلي لسنوات غير قليلة من التعاون من أجل جعل الأمازيغية تتخطى عتبة الشفوية لما ساهم به هذا الأخير من مساهمات إبداعية وتفهم في كثير من الأحيان لإكراهات الجمعية.

ذ. الحسين آيت باحسين
الكاتب العام للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالنيابة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علامات استفهام وأسئلة -مشروعة- حول تحطم مروحية الرئيس الإيرا


.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن نبأ مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي




.. دعم وقلق.. ردود فعل على حادث طائرة الرئيس الإيراني


.. ردود فعل دولية وعربية بشأن وفاة الرئيس الإيرانى إثر حادث تحط




.. الشعب الإيراني مستاءٌ.. كيف تبدو الانطباعات الشعبية بعد موت