الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريسترويكا جديدة من برج القاهرة

محمد السعدنى

2015 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


طلبنى على عجل لأتابع ندوة سياسية فى البرنامج الثانى للتليفزيون الألمانى، منبهاً ألا تفوتنى هذه الندوة لأهمية المتحاورين والموضوع المطروح بشأن المشكلة الأوكرانية، وزيارة المستشارة الألمانية إنجيلا ميريكل والرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند للكريملين ومقابلة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. كان محدثى رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا والخبير الدولى أستاذ الإدارة د. محمد حسن العزازى. كنت قد غادرت مكتبه فى ساعة متأخرة من دوام عمل شاق بمناسبة بدء الفصل الدراسى الثانى بالجامعة، وكنا قد تطرقنا فى حوارنا للشأن العام بمناسبة المناورات التى تمارسها مع جامعتنا وزارة الإسكان التى تصر على مخالفة القانون والإلتفاف على أحكام القضاء، وكان مما ناقشناه حاجة مصر الملحة لبريسترويكا جديدة بمناسبة زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وإلتقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى.
كان الحوار ساخناً بين رئيس البرلمان الأوروبى "مارتن شولز" وسفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق فى ألمانيا "جون كورنبلوم"، وكلاهما يتحدث الألمانية بطلاقة، إذ وجه شولز كلامه للسفير الأمريكى قائلاً: "لادخل للولايات المتحدة الأمريكية فى مشكلة أوكرانيا، إنها مشكلة إقليمية خاصة بالإتحاد الأوروبى وروسيا دولة أوروبية، ونحن فى الإتحاد الأوروبى لدينا القدرة لحل مشكلاتنا، ولا نرى مايدعو لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية". هكذا بكل صراحة ووضوح، وربما كان هذا هو نفسه مادفع ميريكل وأولاند لزيارة بوتين فى الكريملين والحوار معه منفردين فى محاولة لاحتواء الأزمة الأوكرانية الروسية فى إطار أوروبى، بعيداً عن استغلال أميريكا الأزمة الأوكرانية لتصفية حساباتها مع روسيا على حساب المصالح الأوروبية. إجتماع الكريملين وما قاله شولز فى الندوة يمكن قراءتهما فى سياق بريسترويكا "إعادة بناء" جديدة لنظام عالمى جديد تتشكل ملامحه فى هدوء بعيداً عن التسخين الأمريكى الذى تحول فيه الولايات المتحدة الأمريكية النظام العالمى الحالى إلى "قطة فوق صفيح ساخن" لايتحقق فى إطاره إلا المصالح الأمريكية وحدها، بينما تعصف فى طريقها بالمصالح الأوروبية التى تتضرر شركاتها ومؤسساتها الاقتصادية جراء العقوبات المفروضة على روسيا، والتى تضر بشكل بالغ أيضاً بمصالح النظام العربى الذى تتداعى دوله وأحواله بسبب التدخلات والمناورات والسياسات الأمريكية، التى لاتجد فى منطقتنا من يتسلح بالشجاعة والمباشرة مثل رئيس البرلمان الأوروبى ليواجهها ويعريها ويفضحها ويوقفها عند حدودها، اللهم إلا مصر التى تمارس على استحياء محاولات التملص من القيود الأمريكية وتطويق مخاطر سياساتها فى المنطقة. ولقد سبق أن كتبت الأسبوع الماضى مقالى فى نفس الزاوية بالأخبار "إكشفوا الذئاب قبل محاربة الإرهاب"، مطالباً الخارجية المصرية بمواجهة علنية للولايات المتحدة وكشف ألاعيبها فى المنطقة، ووضع العالم كله أمام مسئولياته تجاه السياسات الأمريكية الداعمة للإرهاب سراً، رغم ماتدعيه فى العلن من محاربة الإرهاب، وهو محض أكاذيب وإدعاءات لاتصمد أمام حقائق الواقع الذى يهدد النظام العالمى الحالى ويدفعه للتصدع والتهاوى، ويؤذن بالحاجة لنظام جديد، يخرج من إسار القطبية الأحادية ويعمل على استعادة التوازن المفقود، والذى تستدعى أوروبا بتحركاتها الجديدة، ومصر بنشاطها الدولى الحازم الرئيس بوتين وروسيا ومعهما الصين لمعادلته. فإذا ماجاءت تحركات ميريكل وأولاند استشعاراً لخطورة الأوضاع الأوروبية والدولية فى ظل تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية، فقد سبقهما عبدالفتاح السيسى و30 يونيو للتنبه لهذه الحقيقة التى بدأت مصر فى إطارها لاستدعاء روسيا والصين وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والسعودية والإمارات والكويت والبحرين للمشاركة فى وضع آليات عملية جديدة تقلل وتحد ولو نسبياً من آثار السياسات الأمريكية فى المنطقة والعالم، وتعمل على تنويع مصادر السلاح والتعاون الدولى فى سياق رؤية استراتيجية لابد أن تؤدى فى المستقبل المنظور لتبلور نظام عالمى جديد.
ولئن كانت سياسات "الجلاسنوست والبريسترويكا" أى المكاشفة وإعادة البناء التى اعتمدهما ميخائيل جورباتشوف قد أديتا مع عوامل أخرى إلى تفكك الاتحاد السوفيتى، فلعلهما تساعدان هذه المرة مع السيسى وبوتين إلى تفكيك النظام العالمى الحالى الغير متوازن وتؤديان إلى إقامة بناء عالمى جديد يقوم على الشفافية والمكاشفة والمصارحة والعدالة والندية، ولعل هذا مايشارك اليوم رئيسا مصر وروسيا فى وضع لبناته ومأسسة آلياته ومتطلباته، ولعله الوقت المناسب الذى تضع فيه مصر رؤيتها البازغة ولمساتها الاستراتيجية للخروج بالعالم العربى من قيود التحكمات والإملاءات الأمريكية التى عملت سنوات طويلة على ضمان التفوق العسكرى الإسرائيلى على كل الجيوش العربية مجتمعة، بل قامت بتفكيك الجيش العراقى والليبى وضرب الجيش السورى ولاتزال فى محاولات دائبة للنيل من الجيش المصرى الصامد، ولقد كانت لمبادرات السيسى فى تنويع مصادر السلاح مع الصين وروسيا وفرنسا وإيطاليا، أكبر الأثر فى التأسيس لبريسترويكا عالمية جديدة يتضائل فيها فعل ونفوذ وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية، التى لاتزال تحركها صدمة 30 يونيو ضد مصر ورئيسها ومشروعاتها وتطلعات ثورتها وآمال وطموحات شعبها.
وحين التقى السيسى بنظيره الروسى فلاديمير بوتين فى الأوبرا، ثم دعاه إلى العشاء فى برج القاهرة، فكأنهما قطعا المسافة فى سويعات قليلة بين مصر الجديدة فى ثوبها الثقافى الحديث ومصر التاريخية فى عراقة الماضى البعيد القريب، ولعل الإشارة السياسية بالغة الدلالة فى العشاء الرئاسى بين السيسى وبوتين فى برج القاهرة، أريد بها رسالة ضمنية مدوية، إذ تستدعى من رصيد نضالنا الوطنى صفحة سطرها جمال عبدالناصر حين أقام هذا البرج بأموال أمريكية، ليكون شاهداً على حماقة السياسات الأمريكية التى أرادت رشوة زعيم 23 يوليو بستة ملايين دولار، فانتهز ناصرالفرصة ليوجه صفعة مدوية للمخابرات المركزية الأمريكية والرئيس روزفلت بأن يقيم برجاً على نيل الزمالك، صمم على شكل زهرة اللوتس الفرعونية بارتفاع أعلى من الهرم الأكبر، على قمته مطعم سياحى على منصة دوارة تطل على معالم القاهرة، ليكون شوكة ناصر فى قلب المخططات الأمريكية وشاهداً على حماقة السياسات الأمريكية فى المنطقة. ولعل السيسى يستحضر من أضابير التاريخ روح النضال والعزة والكرامة، ويوجه هو وبوتين من برج القاهرة صفعته التاريخية لأوباما وسياساته الخرقاء، ويدشنا معاً بريسترويكا جديدة يكون صداها إيذاناً بنظام عالمى جديد تضطلع فيه مصر بدورها الإقليمى والدولى وتؤسس لأمجاد جديدة لطالما تشوق لها المصريون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج