الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الاجتماعية الاحتجاجية بتماسينت بالريف بالمغرب في ظل تراجع الأحزاب و النقابات

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2005 / 9 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الحركة الاجتماعية الاحتجاجية بتماسينت بالريف بالمغرب
في ظل تراجع الأحزاب السياسية و النقابات
يعرف المغرب في الآونة الأخيرة حركة اجتماعية احتجاجية في مختلف مناطق المغرب و تكتسي هذه الحركات طابعا متميزا يتجلى في كونها تحتوي جميع الطبقات الأجتماعية ، و تشكل فيها الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء عنصرا هاما في تشكيلتها ، كما أن الملفات التي تطرحها ملفات اجتماعية ذات أبعاد سياسية ، إلا أنها بعيدة كل البعد عن التأطير من طرف الأحزاب و النقابات ، و تعتبر الحركة الاجتماعية الاحتجاجية بالريف و خاصة في تماسينت أروع هذه الحركات لما تكتسيه من طابع الوجود الجماهيري و التنظيم الذاتي ، و قد تبوأت حركة الفلاحين الفقراء بتماسينت الصدارة في مجمل الحركات ذات الطابع الإحتجاجي و يتجلى ذلك في استمراريتها و تنوع أساليب التعبير و التشبث بالمطالب المشروعة للحركة و تطورها حسب الحاجة.
و كانت مسيرة 14 أبريل 2005 من تماسينت إلى أجدير على طول 28 كلم مشيا على الأقدام و التي شارك فيها أزيد من 9000 شخصا المرجع الأساسي الذي اعتمده الفلاجون الفقراء في حركتهم المستمرة إلى اليوم ، و كان لها وقع كبير في أوساط النظام المخزني الذي بادر إلى تفعيل قرار اجماعه الحكومي ليوم 30 ماي 2004 الذي خصص مبلغ 7،2 مليار درهم لإعادة إعمار الحسيمة ، و لكن كعادته يحاول دائما تنفيذ المقررات الحكومية بالطريقة التي تحلوا له من أجل إدلال الجماهير الشعبية و الحط من معنويات حركاتهم الاجتماعية الاحتجاجية و الظهور بمظهر القوي الذي لا يقهر ، هكذا عمل على فرض صيغة مشبوهة على الفلاحين الفقراء في صرف هذه المبالغ الهائلة لإقحامهم في تحمل المسؤوليات الموكولة للحكومة في إعادة الإعمار، و ذلك بتخصيص مبلغ 30 ألف درهم مع بعض المواد الأولية لكل فلاح لإعادة بناء مسكنه بنفسه ، مع العلم أن المبلغ المقدر لإعادة بناء كل مسكن حسب مواصفات البناء في المناطق المعرضة للزلزال تفوق 300 ألف درهم.
لقد استغل النظام المخزني ظروف الفلاحين الفقراء و معاناتهم نتيجة زلزال 24 فبراير 2004 لتمرير مشروعه التصفوي و توقيع أغلب الفلاحين الفقراء بالحسيمة في فخه بالقبول بالإعتمادات الهزيلة التي فرضها عليهم ، و هؤلاء اليوم بين نار الإسكان في الخيام و متابعة مشروع السكن الجديد الذي لن يكتمل نظرا للإعتمادات الهزيلة ، فكيف تسمح حكومة تحترم نفسها لإيقاع الفلاحين الفقراء في مثل هذا الفخ ؟ سؤال مشروع يطرحه كل من لا يعرف تاريخ المناورات الحكومية بالمغرب في ظل النظام المخزني ، الذي يسعى دائما إلى تحويل الحركات الاجتماعية و الاحتجاجية إلى كابوس يطارد الجماهير أصحاب الحقوق المشروعة ، و ذلك أولا بفصل الحركات عن التنظيمات السياسية و الحقوقية و النقابية و تساهم جل هذه التنظيمات في هذه المهمة مع الأسف الشديد ، و ثانيا عبر توجيه القمع الشرس لها بالضرب و الإعتقال و المحاكمات الصورية و التهديد و دس أعوانها في أوساط الجماهير لتفريق حركتهم ، و ثالثا عبر الهجوم بالتهم الملفقة للمناضلين الطليعيين و التنظيمات السياسية اليسارية المدعمة لهم لغزل الحركات الاجتماعية و الاحتجاجية لتسهيل ضربها و تمرير المشاريع المخزنية.
و الفلاحون الفقراء بتماسينت يرفضون مخططات النظام المخزني و يواجهونها اليوم بكل صمود و مقاومة ، و كان النداء لمسيرة شعبية يوم 19 ماي 2005 من طرف جمعية تماسينت لمتابعة آثار الزلزال وقع لا يستسيغه النظام المخزني ، الذي ثارت ثائرته حين قام باختطاف واعتقال ثلاثة من مناضلي الجمعية يوم 11 ماي 2005 من بينهم رئيس الجمعية و مناضل من الفلاحين الفقراء يبلغ من العمر 70 سنة تمت محاكمتهم بعيدا عن الحسيمة في المحكمة الإبتدائية بالناضور، و كعادته حاول النظام المخزني مساومة رئيس الجمعية بالسجن بالناضور حول مطالب المنكوبين بواسطة أحد السماسرة ، و كان رئيس جمعية تماسينت صامدا حقا حين اشترط موافقة المنكوبين على كل ما يمكن التوقيع عليه باعتبارهم أصحاب الحقوق ، مثل هذه المواقف لم يتعهدها النظام المخزني في التنظيمات التي يتعامل معها و على حساب مصالح الطبقات الشعبية.
و كان يوم 19 ماي 2005 يوما مشهودا عندما نظم الفلاحون الفقراء مسيرتهم احتجاجا على المشروع المخزني التصفوي الموجه لضرب إعادة الإعمار الحقيقي بالحسيمة ، و زاد إصرارهم على تنظيمها ملف المعتقلين الثلاثة الذي حضر في التظاهرة من خلال رفع شعارات المطالبة بإطلاق سراحهم ، و ما كان أمام النظام المخزني إلا مواجهة صمود الفلاحين الفقراء بشتى أشكال القمع الشرس و اعتقال 9 مناضلين آخرين من أهل تماسينت و تقديمهم للمحاكمة بالمحكمة الإبتدائية بالحسيمة و محاصرة البلدة و عزلها عن مناطق أخرى من الحسيمة ، و إصدار أحكام قاسية في حق المعتقلين التسعة يوم 20 يوليوز 2005 تتراوح بين 6 و 8 أشهر نافذة و المماطلة إلى حد الساعة في تحديد جلسات محكمة الإستئناف و تأجيلها بالنسبة للمعتقلين الثلاثة الآخرين.
كان تنظيم الفلاحين الفقراء بتماسينت جد متطور نتيجة تواجد المناضلين اليساريين في طليعته و هم أبناء الفلاحين الفقراء أحفاد حدو أقشيش رفيق محمد عبد الكريم الخظابي قائد ملحمة الريف ، فرغم الهجوم المخزني الشرس يوم 19 ماي 2005 لم يستطع النظام المخزني اعتقال المناضلين القياديين للحركة ، و الذين استطاعوا تسجيل جميع وقائع المسيرة إلى حدود الدقائق الأولى من القمع المخزني في أزيد من ساعتن و نصف من القرص المضغوط ، إنها بالفعل تجربة تستحق الدراسة و التعميم على جميع التجارب في جميع مناطق البلاد و خاصة التي عرفت حركات اجتماعية احتجاجية كالخميسات و اولماس و ميشليفن و طاطا و إيميني و بكارة و غيرها، و استطاعت هذه الحركة الحفاظ على استمراريتها و نظمت الجمعية عدة تظاهرات من وقفات و مسيرات في صراع دائم مع النظام المخزني.
قد يتساءل سائل لماذا استمر صمود هذه الحركة الاجتماعية الاحتجاجية ؟ الجواب بسيط جدا على كل متتبع و مطلع على تاريخ الحركة الاجتماعية بالمنطقة و خاصة المتتبع و المطلع على تطورات حركة الفلاحين الفقراء بتماسينت بصفة خاصة ، إن هذه الحركة حسب المعطيات المتوفرة إلى حد الساعة من أرقى ما توصلت إليه التنظيمات الذاتية للجماهير ، و أول عامل ساعد على إنجاحها هو الرصيد التاريخي للمنطقة و خاص منطقة تماسينت المعروفة بالصمود و المقاومة ، و ثاني عامل أساسي طبيعة هذه الحركة التي تندرج ضمن الحركات الاجتماعية الاحتجاجية المباشرة مع النظام المخزني بحكم ملف زلزال الحسيمة من اختصاصاته المباشرة ، و ثالث عامل مباشر هو كون الأحزاب السياسية لا تستطيع المجازفة في تناول هذا الملف إلا بأمر من النظام المخزني و خير دليل على ذلك هو تشكيل لجنة بمبادرة من والي الحسيمة لتكييف الأمور لصالح النظام المخزني.
لا غرابة إذن من تملص التنظيمات السياسية و النقابية و الحقوقية و كذا الجمعوية التابعة للنظام المخزني من مسؤولياتها اتجاه الحركة الاجتماعية الاحتجاجية بالريف ، بل أكثر من ذلك هو إبداء الموقف المعادي لهذه الحركة و نعتها بالتسييس كما فعلت جريدة "الصباح" التي أوفدت مراسلها لمسيرة فاتح شتنبر 2005 .
و هؤلاء و غيرهم ينسون أن ملف زلزال الحسيمة تم تسييسه من طرف النظام المخزني الذي وضع عليه يده التي لا يمكن أن تنتهك من طرف هذه التنظيمات ، إنه بالفعل ملف سياسي من الدرجة الأولى شاء من شاء و كره من كره ، إنه ملف سياسي عندما تم ضرب الحصار على الشعب المغربي بعدم معرفة كل المعلومات بدءا من عدد الضحايا و المفقودين و عدد المنازل و العمارات المهدمة و المبالغ المالية المقدمة من طرف الدول و المنظمات غير الحكومية وطنيا و دوليا و من طرف المأجورين المغاربة وغيرهم ، و حتى الرصيد المخصص 7،2 مليار درهم لم يتم الإفصاح عن كيفية تصريفه ، إنه بالفعل ملف سياسي من العيار الثقيل و من حق الفلاحين الفقراء ممارسة الفعل السياسي خاصة في أمر يهمهم بالدرجة الأولى ، أما الجبناء من السياسيين فلا حق لهم في الحديث عن مثل هذه الملفات التاريخية و المصيرية التي تعيد ذاكرة التاريخ إلى البروز من جديد و على الوجه الحقيقي للأمور و خاصة في مناطق معروفة تاريخا بالصمود و المقاومة كالريف .
و هكذا فلم يبق أمام هذه التنظيمات إلا أن تدفع استقالتها و بالإجماع من غير رجعة كعادتها في جميع الملفات السياسية المصيرية ، خاصة و أنها في طور ما يسمى ب"الإجماع الوطني" الجديد في "العهد الجديد" عهد "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان" و "الإنتقال الديمقراطي" ، كيف لا و هم في انتظار" استحقاقات 2007" التي ستنعم عليهم بالخيرات من أصوات الأبرياء و على أنقاض الضحايا ينتظرون هذه الخيرات ، و هل سينتظرونها من أنقاض ضحايا زلزال الحسيمة ؟ و هل يستطيعون التوجه بأكاذيبهم إلى الفلاحين الفقراء بتماسينت ؟ و هل يعتقدون أن ذاكرة الريف فارغة و خاصة بتماسينت ؟
إن الحركة الاجتماعية الاحتجاجية للفلاحين الفقراء بتماسينت بعد صمودها أمام الهجوم المخزني و مقاومتها لكل أشكال التضليل و محاولة الإحتواء و الشكيك في مصداقيتها قادرة على الإستمرار ، و ذلك أولا بفعل حركية القيادة الطليعية لهذه الحركة التي هي وليدة التنظيمات الذاتية للجماهير ذات الأبعاد التاريخية للصراع الطبقي القائم بين الرأسمال و العمل ، و ثانيا بفعل تطور آليات اشتغالها و تنوعها في مواجهة مخططات التدمير التي يمكن أن تتعرض لها ، و ثالثا بفعل تطور و تنوع المطالب بدءا بملف المنكوبين و مرورا بملف المعتقلين و انتهاء بطرح الملف الأجتماعي للفلاحين الفقراء في إطار الحقوق الأساسية : الحق في الصحة و التعليم و الشغل و السكن .
هكذا تستمر الحركة الاجتماعية الاحتجاجية للفلاحين الفقراء بتماسينت في التطور و الإرتقاء في سباق مستمر مع تطور و تنوع أساليب النظام المخزني في ظل الإستقالة الجماعية للأحزاب السياسية و النقابي من مواقع النضال من أجل الملفات الاجتماعية الجماهيرية .

تارودانت في :12 شتنبر 2005
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طارق متري: هذه هي قصة القرار 1701 بشأن لبنان • فرانس 24


.. حزب المحافظين في المملكة المتحدة يختار زعيما جديدا: هل يكون




.. الرئيس الفرنسي يدعو إلى وقف الأسلحة نحو إسرائيل ويأسف لخيارا


.. ماكرون يؤيد وقف توريد السلاح لإسرائيل.. ونتنياهو يرد -عار عل




.. باسكال مونان : نتنياهو يستفيد من الفترة الضبابية في الولايات