الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجوع الاردني

محسن حنيص
(Mohsin Shawkat)

2015 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الجوع الاردني
بقلم : محسن حنيص
...
يعيش غالبية الاردنيين حاليا أزمة مزدوجة ( اقتصادية و روحية ) تنذر بتفكك منظومة القيم النبيلة التي اتسم بها المجتمع . فهناك فوضى حادة في مفهوم الاستشهاد ومواضعه . هناك انتقائية غريبة في مفهوم الشهادة . وهناك خوف ان تمتد هذه الانتقائية لتشمل مفاهيم اخرى كانت راسخة ومنها مفهوم الاغتصاب . ويعتبر العراقييون هم المتضرر رقم واحد من هذه الانتقائية .
وبرأينا ان الأمن في العراق مرتبط بشكل او بآخر بالجوع وليس بالأفكار الهدامة لوحدها . قد لايكون الارهابي جائعا , وقد لا يحتاج سوى عملية غسيل للدماغ كي يفجر نفسه ويجر معه تلا من الضحايا , ولكن بين الارهابي وهدفه هناك طريق طويل عليه ان يمر به . هناك فسحة واسعة تحوي كما هائلا من الافواه الجائعة نسميها (الحواضن ) . هناك من هم مستعدون للتنازل عن انسانيتهم مقابل سد الأفواه الجائعة لأطفالهم .
...
الاردن نموذج ممتاز للأفواه الجائعة . الاردن بلد بلا موارد . ان المساعدات التي يقدمها الغرب واسرائيل ودول الخليج لا تذهب الى الافواه الجائعة . بل تذهب عادة الى القوة المهيمنة و المتنفذين والاقوياء مقابل مواقف سياسية . ليس صعبا سماع انين الجياع في هذا البلد . بامكانكم وضع آذانكم والانصات . الجوع الاردني ينتظر من يسمعه . لن اتحدث عن جميع الحواس . سوف اختزل الجوع بالبطن فقط . المعدة الاردنية تصدر اصواتا مريرة . انها تجويف ملئ بالهواء . هناك انزيمات لاتفرزها المعدة الاردنية بسبب الفراغ . لايدخل الى المعدة الاردنية سوى عدد محدود جدا من الطعام او اصنافه . ومن المحتمل ان تضمر بعض الغدد نتيجة عدم الاستعمال . الغدد اللعابية الاردنية توقفت لأن الطعام هو نفسه ( حمص بطحينة ) . وليس هناك ضرورة للفكين بسبب انعدام اللحم . مقابل الجوع الاردني هناك تخمة عراقية لا غبار عليها. لا احد بامكانه انكار ان المعدة العراقية عامرة ومزدهرة . نظرة سريعة على معدل الكروش في كلا الشعبين تظهر فارقا ملموسا . سوف اضرب مثلا مزعجا جدا . ان ما يتم رميه من فضلات الطعام ايام عاشوراء وما بعدها كفيل باسكات كم كبير من الافواه الجائعة في الاردن . هنالك صور عن التبذير العراقي يمكن مشاهدتها يوميا امام كل مطعم وفي حاوية كل بيت .
..
اما مساعدات صدام فكانت تذهب لشراء الذمم والصحف ورجال المخابرات والموظفين الكبار في الدولة الاردنية وكان النفط الذي يقدمه للاردنيين يعاد بيعه للناس بالسعر العالمي لكي يتحول الى ارصدة مالية للعائلة المالكة وبعض الطفيليين .
..
لكي يكون الاردن شقيقا حقيقيا للعراق ينبغي اولا التخلص من العقد الطائفية والافكار العتيقة المتهرئة والتعامل مباشرة مع المهمشين والمسحوقين والجياع في الاردن وهم الغالبية من الشعب. هؤلاء هم الذين سيدافعون عن القيم ويمنعون تدفق الانتحاريين وليس الاتفاقات الامنية الهشة ولقاءات وزراء الداخلية .
...
اننا بحاجة لمسؤولين عراقيين على درجة عالية من النبل والشعور بالمسؤولية بحيث يضمنون للاردني الحد الادنى من كرامته وهو الطعام . مثلما تفعل اوربا الغربية بشريط العوز والجوع الممتد من اليونان مرورا ببلغاريا و رومانيا وبولونيا وسلوفاكيا وجيكيا وهنغاريا والبانيا وغيرها . اتمنى ان ارى مسؤولا عراقيا رفيع المستوى يقدم على شمول الاردنيين بالبطاقة التموينية اسوة العراقيين . بهذا الاسلوب وحده نحقق قيمنا كبشر واخوة ونحقق أمنا قائما على ركائز قوية لا تتزعزع .
سوف يخرج علي ( الوطنجيون ) صارخين بالعراقية :
(( يمعود خل اول مرة نطعم شعبنا )) .
وسوف يلصقون بضعة صور حول عراقيين يفتشون في المزابل مثلما تفعل قناة الشرقية . ولكن الحقيقة اكبر من اية صورة . وانا اتحدث عن الطعام فقط . ما نشاهده يوميا في الافراح والوفيات و المناسبات والدعوات ووفيات الأئمة ومواليدهم ومراسيم العزاء تؤكد لنا ان العراقي تجاوز مرحلة الجوع .. اعتقد ان افضل مقياس للجوع والشبع في العراق يمكن اجراؤه في مدينة ( الثورة) شرق بغداد التي يتجاوز سكانها مليون ونصف وتمثل خط الفقر في العراق . في هذه المدينة حاجات كثيرة ليست ملباة ولكن ليس بينها الطعام .
...
ان اطعام الافواه الجائعة في الاردن اضافة الى ابعاده الانسانية فانه هدف ستراتيجي يتجاوز ما حدث في السنوات العشر الماضية ويؤسس لعلاقة من نوع جديد . علاقة غير دبلوماسية ولا تعتمد على التبدلات السياسية . علاقة ليست قائمة على مبدأ الاحسان والصدقة والهبة بل على الشعور الانساني العميق الذي يتجذر في النفوس ويصعب اقتلاعه بسهولة . وبقدر ثقتي بالنتائج العظيمة لمثل هذه الخطوة فانني واثق ايضا ان اول من سيرفضها هم طاقم السياسيين الفاسدين في كلا البلدين . حيث لن يدخل في جيوبهم شئ منها .
....
محسن حنيص ..
هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله