الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساس إستمرارية المجتمع، الثقافة!

عبد الوهاب عتى

2015 / 2 / 12
الادب والفن


الثقافة مفهوم تجريدي يصعب تحديد معناه بدقة. غير أن أغلب علماء الأنتربولوجيا و علماء الإجتماع يعرفوها بمثابة مجموعة من العادات و التقاليد،و نمط التفكير، الإحساس، الإعتقاد و التصرف، إلخ، أي كل ما يتعلق بسلوكات و معاملات الأفراد في مجتمع معين. هكذا "فالثقافة هي مجموع تلك العناصر المعقدة التي تشمل المعارف، المعتقدات، الفن، الأخلاق، الحقوق، الأعراف، و بصفة عامة كل تلك التصرفات التي يكتسبها الفرد من المجتمع الذي يشكل جزءا منه"، كما يعرفها لنا مؤسس الأنتربولوجيا الأكاديمية إدوارد بورنيت تايلورEduard Burnett Tylor في كتابه: "الثقافة البدائية" ( 1871) (Primitive Culture ) .

إن الثقافة، إذن هي كل المكونات المادية و اللامادية أي المعنوية للمجتمع، فلا يمكن تصور مجتمع بدون ثقافة، بغض النظر عن نصيبها من التقدم و العلم. أقصد هنا جميع الإنتاجات العقلية التي ينتجها الفرد بما في ذلك من عادات و تقاليد و سلوكات و أفكار، إلخ، أي المفهوم الأنتروبولوجي للمجتمع.

كل فرد منا يملك رصيد من الثقافة الخاصة به، و هي تعتبر بمثابة الموجه الرئيسي لكل سلوكاته و معاملاته مع الغير و مع المحيط الخارجي. غير أن هذا الموجه الفردي يكون دائما مرتبط بالموجه الجماعي الذي ينظم العلاقة بين الكل في المجتمع الواحد الذي يتقاسم اللغة أو المعتقد أو نفس التركيبة العلمية من فنون و علوم و موسيقى، إلخ. غير أنه، و في خضم دراسة هذه العلاقة يجب عدم الخلط بين ما هو إجتماعي و ما هو ثقافي. فالأول ينحصر في تحديد العلاقات بين أفراد المجتمع أو بين مجموعات إثنية مختلفة. بينما الثقافي فهو كل ما يتعلق بتحديد نمط أو أنماط عيش أعضاء هذه المجموعة التي تضم كيفية التعامل مع المنتوجات، والنوم و النظافة و الممارسات الجنسية، إلخ. فمختلف الثقافات الإنسانية تعمل على تقييم مختلف ممتلكاتها و خدماتها، حيث تعمل على المنع أو السماح بممارسة العلاقات التي ينتجها أو يكتسبها الأشخاص في المجتمع حسب الضرورة، لأن هذه الثقافة الجماعية هي التي تحدد و ترسم القواعد الفكرية و العقلية التي تعتبر بمثابة القواسم المشتركة التي تسمح بالتصرف و التعايش بين الجميع في المجتمع.

قد إختلفت الحضارات الإنسانية القديمة حسب إنتاجاتها الثقافية و إختلافاتها الحضارية ذات المكونات و المقومات الدينية و الأخلاقية و السياسية و الإقتصادية. و هذا الإختلاف ما هو إلا نتاج إختلاف علاقة الفرد بالآخر، و خصوصا علاقة الرجل بالمرأة التي تعتبر النصف المكون للمجتمع، نظرا للدور الهام الذي لعبته عبر مر التاريخ في إنتاجها و حمايتها لثقافتها. غير أن هذه العلاقة الحساسة تختلف من مجتمع لآخر، و ذلك بإختلاف تفكير أفرادها و نمط العلاقة التي تجمعهم بباقي أفراد هذا المجتمع أو ذاك، و كذا علاقتهم بالطبيعة.
من الخصوصيات الأساسية للثقافة قدرتها على الإنتقال بين الأجيال و الشعوب، و درجة قابليتها على التطوير و ذلك بتقبلها لأفكار و معارف جديدة، و كذا قدرتها على الصمود عبر الزمن. و في هذا السياق ماربين هاريس Marvin Harris في كتابه " الأنتوبولوجيا الثقافية"
( 1990 Cultural Antropology )، يؤكد على أن ثقافة المجتمع يتم الحفاظ عليها بإستعمال آليات و تقنيات خاصة، و ذلك إما عبر إستعمال عملية الملائمة الثقافية(Enculturation)، أو عبر ممارسة عملية التعميم الثقافي(Diffusion). العملية الأولى تقوم على جعل هذه الثقافة تتأقلم مع شروط العيش لدى الإنسان، حيث تعمل على توارث الثقافة المعنية عبر أجيال من نفس المجموعة البشرية أي في نفس المجتمع. بإعتبار أن الأجيال الجديدة للمجتمع لا تنطلق من النقطة الصفر، بل تتعلم و تستفيد من محيطها الخارجي. هكذا، تقوم الأفراد الأكبر سنا بتعليم كيفية التفكير و التصرف أو المعاملة إلى لأفراد الأصغر منهم سنا و ذلك تماشيا مع ما كسبوه من آباءهم و أجدادهم من تقاليد و أعراف قديمة، مما يخلق تشابه ملحوظ في العديد من الخاصيات بين ثقافة المجتمع على مر العصور. أما العملية الثانية، فهي تستقيم على نقل العادات و التقاليد المتميزة من مجتمع إلى آخر قصد الإستفادة منها و تطويرها إذا أمكن، لأن الثقافة هي في آخر المطاف نتاج بشري تراكمي مستمر يصبو إلى تحسين سلوكات الأفراد قصد تسهيل التعايش و السلم الإجتماعيين. هكذا، فإن الديمقراطية و القانون مثلا، هي مفاهيم تناقتلها المجتمعات من حضارات آخرى، حيث تم تطويرها و جعلها تناسب نظم المجتمع الناقل.
إن توارث الأنماط الثقافية المختلفة بين الأجيال لا يجب أن تكون مطابقة للأصل، بل يجب تطويرها و تغيير البعض من مفاهيمها الغير صالحة قصد السمو بها و خلق نمط جديد قادر على التعايش و مسايرة التطور الإنساني. و بناءا على ذلك فإن إستمرار ثقافة مجتمع ما، لا يستقيم فقط بالحفاظ على العادات و التقاليد القديمة، بل بإطعامها بعادات و قوانين جديدة قد تسهل التقدم و الرقي، و كذلك بالقضاء على بعض المظاهر التي قد تكون متعارضة و متناقضة مع الزمن المعاش. هكذا، فكلما قصرت المسافة أو المدة الزمنية بين الحضارتين إلا و كانت أوجه التشابه و التقارب أكبر وكلما كبرت المسافة أو المدة الزمنية إنخفضت نسبة التشابه بينهما. هذا التقارب بين الثقافات في الكثير من الأحيان يؤثر و يحاول إصلاح الخصائص الإجتماعية في كلا الإتجاهين و ذلك بشكل متفاوت آخذين بعين الإعتبار نسبة النقد الذي تقبله هذه الثقافة أو تلك.

تعتبر الثقافة بمثابة الآداة التي تعمل على خلق علاقة بين كل التعابير اللغوية و اللقيم و المعتقدات، ثم خلق تركيبة إجتماعية قوية. فهي بكل تأكيد العمود الأساسي لتقدم أي حضارة، و الركيزة الأولى لتحرير العقل البشري من كل العقد، حيث تقوم على تقوية حرية التعبير و التفكير و الرأي و بالتالي تجعل الإنسان قارد على النقد من جهة و متقبل للفكر النقدي من جهة آخرى.
هكذا، فإن كل المجتمعات أو التجمعات البشرية تحتاج إلى أدوات و أنماط ثقافية مرتبط بالعقل و بالفكر و آخرى سلوكاتية مرتبطة بتصرفات أفرادها، قصد ضمان إستمراريتها و التمكن من من الإنتاج و التنظيم الإجتماعي. مما يحتم على كل فرد السمو و الإفتحار بثقافته و ثقافة مجتمعه، و العمل على تطويرها و أقلمتها مع الثقافات الآخرى المختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي


.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه




.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان