الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهة نظر في الازمة الاوكرانية

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2015 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


انفض اجتماع "رباعية النورمندي" والذي ضم قادة روسيا والماني وفرنسا وبيلاروسيا، اليوم 12/02/2015 متمخضاً عن اتفاقية لوقف اطلاق النار وسحب الاسلحة الثقيلة بعيدا عن خطوط التماس بين القوى المتحاربة في اوكرانيا، اضافة الى وعد اعطاه الرئيس الاوكراني بيتر بوروشينكو بتعديل الدستور الاوكراني بما يضمن وضع خاص للمقاطعات المنتفضة في شرق البلاد.
هذه الاتفاقية التي لم تعلن تفاصيلها بعد، وكل المباحثات واللقاءات التي سبقتها لم تتعامل في رأيي مع الازمة الاوكرانية الا من حيث كونها حربا اهلية او مناطقية نتجت مباشرة بعد الانقلاب المدعوم والمخطط له امريكيا على السلطة الشرعية في كييف. وانه لم يجري بعد التعامل جديا مع جذور الازمة والتي كان من نتائجها الانقلاب على السلطة الشرعية في كييف.
فأمريكا التي تقود حلف الناتو، دفعت هذا الحلف منذ انهيار الاتحاد السوفيتي للاستفادة القصوى جيوسياسيا من حالة التقهقر والضعف التي مرت بها روسيا في نهاية القرن العشرين. فضربت عرض الحائط بجميع تعهداتها امام قادة الاتحاد السوفيتي السابق بعدم تمدد الناتو الى اراضي دول اتفاقية وارشو. وراحت تضم دول أوربا الشرقية افواجا وافرادا الى حلف الناتو. ولم تكتفي بذلك بل زحفت على الدول التي انسلخت عن الاتحاد السوفيتي، تتدخل في شؤونها وتنظم الانقلابات فيها تحت وعود بضمها الى الاتفاقية التجارية الدولية او الى عضوية الاتحاد الأوربي وأخيرا الى حلف الناتو. وقد نجحت امريكا في تغيير السلطة مرتين في اوكرانيا ومرة في جورجيا بينما فشلت في بيلاروسيا وأوزبكستان.
أدركت روسيا منذ البداية ان المخطط الامريكي يسعى في نهاية المطاف الى نشر صواريخ الناتو قرب الحدود الروسية مما يجعل منظومة الدفاع الصاروخية الروسية قطع حديد لا جدوى منها، ويشلها عسكريا لعشرات السنين ان لم يسقطها في هاوية اليأس والاستسلام. ولا بأس من الاشارة هنا الى ان حساسية روسيا من موضوع انضمام دول الجوار الى الاتفاقيات التجارية الدولية او انضمامها الى الاتحاد الاوربي، تتفاقم بسبب ادراك روسيا الى ان كل هذه الاتفاقيات وبالتسهيلات الممنوحة للانضمام ليست سوى ممهدات للانضمام الى حلف الناتو.
كادت امريكا ان توصل العالم الى حافة حرب عالمية ثالثة في اواسط القرن الماضي عندما نشر الاتحاد السوفيتي صواريخه في كوبا. وحاربت اقتصاديا وسياسيا دول تقع في اسيا دفاعا عن امنها وامن اسرائيل، لمجرد ان تجرأت هذه الدول على تطوير منظومة دفاعها الصاروخي. وبالتالي فانه يجب تفهم اي رد فعل روسي على نشر منظومات صواريخ حلف الناتو على حدودها من اجل ضمان امنها واستقلال قرارها السياسي.
والمتابع للشأن الروسي يدرك جيدا ان ليس لروسيا مصلحة لا اقتصادية ولا جيوسياسية في ضم او حتى انفصال شرق اوكرانيا عن غربها. وقد ذكرت في مقالة سابقة ان شرق اوكرانيا يعاني حتى قبل الحرب من مشاكل اقتصادية كبيرة تشمل المستوى المتدني للإنتاج بسبب تقنيته المتقادمة وبناه التحتية المتهرئة. فحتى انتاج مناجم الفحم هناك تدنى كثيرا بسبب كلفته العالية، فقيمة استخراج الفحم في مناجم الدنباس شرق اوكرانيا يصل الى ضعف قيمته في المناجم الروسية. وبالتالي فان مسؤولية روسيا عن هذه المناطق اي كانت صيغته سيزيد من الاعباء على الاقتصاد الروسي.
أما من الناحية الجيوسياسية فان انفصال المقاطعات الشرقية سيزيد من تبعية الغرب الاوكراني لأمريكا واحتضانه للأفكار والبرامج المعادية لروسيا. أي انها ستكون ببساطة رأس رمح الناتو المهدد لأمن روسيا والقاعدة الامامية للصواريخ الامريكية الموجهة نحو الاراضي الروسية. ومن هنا فان انفصال شرق اوكرانيا عن غربها سوف لا يدفع صواريخ الناتو بعيدا عن الاراضي الروسية بل سيسرع من عملية نشرها على حدوده عبر الغرب الاوكراني.
وعليه فان الخيار الاقرب الى المصلحة الروسية هو المساعدة على تعزيز سيادة اوكرانيا على اراضيها في اطار نظام حكم فيدرالي ليس من مصلحته الدخول في احلاف عسكرية معادية لروسيا، ولكي لا تكون من مصلحة اوكرانيا الدخول في احلاف من هذا النوع، على روسيا ان تعود لتطوير نظام الحوافز الاقتصادية بتسهيل دخول البضائع الاوكرانية الى روسيا وتزويد اوكرانيا بالغاز الروسي الرخيص.
نجح نظام الحوافز في احباط مخطط الانقلاب الاول في اوكرانيا (الثورة البرتقالية) وهو بالتأكيد سينجح في احباط مشاريع الانقلاب الامريكي الاخير. ولابد من الاشارة الى ان روسيا كانت قد فوتت فرصة تاريخية بالإعراض عن التفاهم مع رئيسة وزراء اوكرانيا السابقة يوليا توماشينكو التي كانت الوحيدة من بين السياسيين الذين اتت بهم ثورة امريكا البرتقالية، ممن ادركوا ان قيمة الحوافز التي تقدمها روسيا لأوكرانيا اعلى بكثير مما يمكن ان تحصل عليه اوكرانيا من امريكا والغرب مجتمعين. وقد دفعت يوليا توماشينكو ثمنا باهضا لموقفها ذلك بالسجن اولا والتغييب السياسي ثانيا.
أمريكا هي المستفيد الاول من تفكك الدولة الاوكرانية. ولم تكن امريكا في يوم من الايام حريصة على وحدة اراضي الدول الاخرى، فهي التي كانت وراء انهيار الاتحاد السوفيتي ككيان جيوسياسي وهي التي فككت يوغسلافيا والسودان وتسعى اليوم لتفكيك ليبيا والعراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح بسيط
عبد المطلب العلمي ( 2015 / 2 / 12 - 21:15 )
مع اتفاقي بما جاء في المقال لا بد لي من الاشاره الى خطأ بسيط وقع به الكاتب بقوله:انفض اجتماع -رباعية النورمندي- والذي ضم قادة روسيا والماني وفرنسا وبيلاروسيا، اليوم 12/02/2015 متمخضاً عن اتفاقية لوقف اطلاق النار وسحب الاسلحة الثقيلة بعيدا عن خطوط التماس.
نعم اجتمع الاربعه لمده16 ساعه متواصله و لم يتمخض الاجتماع سوى عن مذكره تدعم الاتفاق الموقع من قبل لجنه مينسك المشتركه،المذكره ليست اتفاق و هي في حد ثاتها ليست اتفاق بل كلام دبلوماسي فضفاض.
اما من وقع على اتفاق لجنه مينسك
سفيره الاتحاد الاوروبي في اوكراينا
سفير روسيا في اوكرانيا
احد رؤساء اوكرانيا السابقين دون وجود تخويل من السلطات الحاليه
رئيسا لوغانسك و دنيتسك دون الاشاره لوظيفتهما ،اي بصفتهم الشخصيه
اذن اي قوه قانونيه للبنود الثلاث عشر للاتفاقيه و على الاخص 9فروع البند11؟
نقطه اخرى حول كلفه الفحم الاوكراييني و الروسي فالمقارنه خاطئه،الفحم الروسي الارخص يستخرج بالطريقه المفتوحه،اما الفحم الاوكراييني فكلفته ارخص من المستورد،بسبب الحرب استوردت اوكرايينا الفحم ب110-$-مقابل 70 كلفه انتاج فحم الدونباس.

اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه