الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مي عراقي بارد يخلّي العجوز تطارد

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2015 / 2 / 12
كتابات ساخرة


أن تعرف أكثر تتألم أكثر , كالحالم بوطن سعيد , كلما يعتلي تلّة الرقيب يرى من قمتها بلده الأغنى وهو ينفق بصمت جزء من كينونته بعد كل شلل يصيب أحد أعضائه من ماء و أرض وسماء ومقدرات أخرى , وأحد تلك الأعضاء المهمة ثروته من المياه العذبة وهي يراها تتلوث هباءاً وتبدد (والمتسائل هنا ربما يتهمني بالبطر وسط هذا الكم من التبدد) , لكن الباحث فيه رغم مايلقى من الشتائم سيفوز بمقياس الحرص ليكون الشاهد الوحيد على تلك الحالة الشنيعة من الهلاك للسبيل الأهم في حياة الفطرة .
كثيرا ما جلب أنتباهنا أبو الماء (السقّا) بائع الماء وليس قاريء مقاييس الماء فالأخيرة مهنة أنقرضت منذ مدة , نراه متشلّحا أكمامه وهو يضع الـ (خاولي) على منكبيه حاملاً الـ القربة التي تطورت مع الزمن الى (سطل) مليء بالماء والثلج تطفوا فوقه (طاسة ستيل) في الرشيد و كراج العلاوي أو النهضة وهو يصيح :
برّد قلبك ياولد .. بررررد ياولد
مي بارد يخلّي العجوز تطارد
كنا على ثقة بأن مائه نظيف حتى وإن ملئه من (دورة المياه) ولنا أن نتخيل المشهد لوجازف أحدنا وأعاد في أيامنا الحالية تلك الكرّة !
كانت كل العوائل العراقية تشرب الماء من (حنفيات) الإسالة , وجدوا أنفسهم الآن راضخين لشرائه في قناني نظيفة زرقاء بعد أن ضاعت الثقة بما توصله الأنابيب (الحكومية) للبيوت من ماء , وشمل ذلك كل المدن بل حتى سكان الريف والهور و البدو فمن لايشرب الماء المعقّم بقناني سيرمى منبوذاً في أقرب صالة للطواريء !
ثقل آخر أضيف الى ضرائب التطور , فالجراثيم تطورت في وقت شحّ فيه الكلور ووسائل التطهير فهي شبه محظورة لأستخدامها من قبل (المتطرفين أولئك الذين تطوروا مثل الجراثيم التي تتمرد على طرق الخلاص منها ) في التسميم أو صنع القنابل الخانقة !
بات الأحتراز من التلوث بالأذعان للشراء اليومي للماء المستورد أمرا" قسريا فرضه الواقع , فمن لم يسمع بنداء ربة البيت وهي تصدح كما الخنساء أيام حروب الجهل الأولى لتنادي بلهجتها العراقية الصارمة (اليوم خلّصنا مي والفتلر حاشر والأنابيب أنسدّت والقناني فرغت وقد أعذر من أنذر ) , تلك المناشدة أصبحت تستخدم أكثر من عبارة السلام عليكم عندنا ومن منكم لم يلق التوبيخ على نسيان تجهيز الماء لأسرته
سألت أحد أصدقائي العائد من أيطاليا على رأس وفد لشراء منظومات حديثة لتجهيز الماء الصالح للشرب في صفقة تقدر ببضع مئات من ملايين الدولارات :
ماجدوى شراؤكم لتلك المنظومات فيما شبكة الأنابيب التي توصلها للبيوت ملوثة حتى أنها تسحب مياه المجاري و الطين وهذا ما نراه يوميا" حين نفتح الماء في بيوتنا ؟
صمت صاحبي , فقد كان منشغلا" في تأمل سلحفاة عجوز يبدو أن عمرها أكثر من مئة سنة ظهرت في منزل أحد المواطنين , وباب الحيرة التي أذهلته لم تكن بسبب العثور على (كائن حي) في بلد مثل العراق عمره مئة سنة , بل عن الكيفية التي دخلت بها سلحفاة عملاقة عن طريق أنبوب لايتجاوز قطره (الأنجين) مماحدا به للهروب ليرتب له إيفاد جديد يعود به الى أيطاليا لينتقم من مافيات الفساد (هناك) بطلب عمولة أضافية ومعها يأكل مئة طبق بيتزا , مقرمشة وساخنة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??