الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محارة للذكرى

دينا سليم حنحن

2015 / 2 / 13
الادب والفن


قصة من الحياة
محارة للذكرى - دينا سليم
رهيب طموحة، عاصية حالته وقاسية أهدافه عندما يخطط لاستمالة الأنثى، هو يعلم أنه يرضي غروره أولا وبالتالي يهدم غرور نساءه اللائي تتبدل أحوالهن في حال أشعرهن بدفئه وحبه وحنانه وفي حال تخليه عنهن بصورة مفاجئة أيضا.
تبقى الأنثى هي الأنثى تتدرب على إشعال الشموع واختيار ربطات العنق والجوارب الحريرية لحبيبها بتأن وسعادة، تحلم بغرز زهرة ندية في عروة سترته وتعامله مثل قديس، بينما الذّكر ديك صيّاح لا يقاوم مزابل الأرض وكذلك لا يملك القدرة على التحليق.
حدث وتفرّغ لها فأخذها معه إلى الحلم بعد أن أتخمها بكلامه المعسول فتحولت شطآن البحار في عينيها من أصداف جامدة إلى لآليء مرصعة بالماس، أبهر مسامعها بصوته الشذي فأغمضت عينيها عن جميع مساوئه، ثم أهدته نفسها عندما احتال عطره على ثعالب أنفاسها فأنعشها ثم أماتها.
وعندما رأت أن صلاته لا تشبه صلاتها، وأن هداياه التي اعتبرتها ثمينة فيما مضى بدت تافهة بلا قيمة، وأن الوسادة التي أقعدها تحت عنقها خاوية، ورأسه ثقيلا في حضنها، تحولت الأصداف إلى نوارس عرجاء تتقافز على قدم واحدة.
هربت منه إلى الشاطيء لتنفض عنها طيفه، جمعت الأصداف وأعادتها داخل المياه وحاولت التخلص من النوارس التي ظلت تتقافز على رجل واحدة، موجة تغلب موجة، وفكرة تغلب فكرة وصَدفة تلد صدفة، لكن تقافزت صوره أمامها أيضا فغمرتها حتى النخاع، تخيلت وجهه على سطح موجة تأتي وأخرى تغدو وحديثه عن العشق يتراكم في رأسها.
تخلى عنها فجأة ودون أن يعلمها السبب، رمت بجسدها داخل الموج باستماتة للحصول على المحارة الثمينة التي تدحرجت في القاع، ضربها الموج وسحبها داخل البحر فغابت عن ناظريها المحارة وضاعت منها الشمس، ساهرت الليالي تفكر به، وعندما سنح لها فرصة اللقاء مجددا عادت إليه مستسلمة له تطالبه باستمرار الحلم.
يوم ينقضي وأيام أخرى تنتفض والحبيب عالق بين العشق والنار المتقدة حوله، يوقد عيون العذارى سعادة وببرود يشعل داخل قلوبهم نارا تكوي مَن حولها حتى امتلأت أجندته بالأسماء، وبقلمه الرخيص شطب أسماء لم تعلق داخل ذاكرته، منهن من تلهين وتسلين معه في لعبته واختفين، ومنهن من سقطن ضحية العشق المزيف على صفحات خاوية من الحب الحقيقي، ومنهن أحترفن من بعده كتابة الشعر الرديء.
لكنها، أصرت أن تبقى عشيقته حتى لو رمى بها لريح الغدر مفرطا بها بالرخيص، استمرت راضية تشاركه في لعبة النرد فتموت غيرة من حريمه، مسكينة هي لأنها تذوب وتلوي وتذوي أمامه بينما يستمر بتصرفاته الجافة نحوها متجاهلا أرقها بل وغاضبا على ضعفها زاجرا ناهرا أسلوبها الذي بدأ ليكون توسلا، لن يعود إليها لأنه يحتقر المرأة الضعيفة الخاضعة، ولأنه ماهر باستمالة الأخريات اللواتي هن عقدته لكي يبرهن لنفسه أنه الذّكر، إنه يعشق النساء، رجل مكثار متعدد العلاقات ولا يرسو على برّ، بل بنى له موانئ كثيرة يرسي سفينته فيها ويخفي غنائمه التي التقطها مدركا تماما كيف ومتى يدير دفّة الرحيل، بينما هي تخضع لكل كلمة يقولها أو تسمعها منه حتى لو كانت موجهة إلى امرأة أخرى غيرها، وترضى بها حتى لو غرزت كالسهم داخل قلبها.
وتعددت الأسماء والوجوه، اسم يطرد اسما ووجه يحتل آخرا ولا تزال متعلقة به، هل يسمى هذا عشقا، أم حب امتلاك واستحواذ، لا يهمها ماذا يسمى المهم هو ألا تفقده، وكلما أدركها اليأس تراجعت بعض خطوات ثم عدت لتذوب غيرة من نسائه، تحاربه وتعاتبه وتتوسله غير متنازلة عنه للأخريات، بينما هو يهرب من قضبان سجنها لأنه لن يرضى أن يكون عبدا، فهو الملك فكيف له أن يخضع لإحداهن وتأتي على نهايته، فقصصه مع الحريم لم تبدأ بعد، العالم مليء بهن وهو رجل مطلوب!
قبلت بشروطه واندفعت نحوه تلبي له رغباته مستسلمة لنزواته، وسلمته مفتاح الأمان، لكنه ما لبث أن عاد إلى طبعه يبحث عن نساء أخريات غيرها، تجاهلها وابعدها عنه.
عادت إلى البحر لتبحث عن المحارة الحائرة التي قبعت في القاع تنتظر، تلك التي حملتها شكواها وقهرها، وجدتها مدفونة في الرمال، منزوعة من طرفيها ويابسة مثل صخرة، التقطتها باكية وسارت بها والأمواج تهدر متوعدة بلا رحمة، لكنها لن تأفل بل ستنحني لموجة أخرى ربما تأتيها بمحارة من اللؤلؤ تبهرها وتحمل لها شيئا من الذكرى... لم يحدث!
زارها في بيتها بعد غياب طويل، ابتسم وقال لها " أنت جميع نسائي، مارسي طقوس العِشق على جسدي فَعِشبُ صدري يحتاجُ إلى نداكِ ."، ثم استدار إلى الخلف باستدارة غير مقصودة لتقع عينه على حذاء رجل آخر، قالت له بجرأة لم يعهدها من قبل: " لقد كنتَ قبل ساعتين فقط كل رجالي"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف