الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خردة عشق من تمضى السنين

أكرم شلغين

2015 / 2 / 13
الادب والفن


عندما رأيت تلك الطالبة عرفت أن لديها هوس اسمه الكتب والقراءة وذلك يُترجم بمتابعتها للبيبليوغرافيا العالمية ولما يصدر من كتب وبلغات أخرى غير لغتها الأم. كانت بارعة في عرض ما تقرأه وتلخصه بفرح وتنصح بقراءة هذا الكتاب أو ذاك وكنت أصغي إليها وبرغم أنني رسمياً معلمها إلا أنني في الواقع كنت أتعلم منها الكثير، وأصبحت صديقة أكثر منها طالبة ـ ولحسن الحظ استمرت صداقتنا بعد ذلك. توقفت عند عنوان كتاب كانت تردد ذكره وتقول إنه نافذ من الطباعة ولا تجده في الأسواق. كان الكتاب الذي تتمنى اقتناءه رواية تصنف من الخيال العلمي (تيا فون هاربو، المرأة في القمر Thea von Harbou, Die Frau Im Mond, 1928). بقي عنوان الكتاب في ذاكرتي، وذات مرة، بعد مضي أشهر، وفي مكتبة محشوة بالكتب القديمة والمستعملة وقعت عيني على ذات الكتاب فتناولته على الفور وتابعت مقلباً في كتب أخرى واخترت مجموعة باللغة الانجليزية لأشتريها.. كانت بائعة الكتب سخية مبتسمة أن لترى شخصاً غريباً يشتري الكتب، وذكرت ثمن المجموعة التي اخترتها ـ كان المبلغ زهيدا جداًـ ثم مددتُ وبكل حرص للبائعة الكتاب الذي ذكرته أعلاه والذي سأقدمه للطالبة فنظرت البائعة إليه وقالت هذا خذه مجانا فلدي في المخزن أسفلا مجموعة نسخ منه ولم تلفت النسخة التي على الرف نظر أحد غيرك...
مساء ذلك اليوم اتصلت مبتهجاً بالصديقة محددا موعد للقاء يتناسب مع أوقاتنا لنشرب القهوة سوياً. عند اللقاء، وبعد أن جلسنا حول الطاولة بادرت بإخراج الكتاب من حقيبتي، وبالطبع لم أغلفه كهدية لأكثر من سبب حيث أنه مستعمل اضافة الى أنني حصلت عليه مجاناً....فور رؤية الكتاب بان الفرح على وجهها وقالت باغتباط يصعب وصفه (Toll) "عظيم". أمسكت بالكتاب والفرح طاغياً على وجهها...أما أنا فكانت فرحتي لاتقل عما هي به.. قلت في نفسي: " حقاً إنها سعادة حقيقية حين أستطيع أن أفرح إنسان ولو بشيء اقل من بسيط كهذا..!" بدأت بفتح الغلاف وقرأت شيئا غيّر من تعابير وجهها بما لم أفهمه...! يبدو أنها توقفت عند شيء ما...! قلبت في الكتاب مسرعة ذم عادت الى نفس المكان الذي توقفت عنده من قبل... وقرأت شيئاً...وهنا بدا واضحاً ن فرحها قد انقلب حزناً...! سألت: "ماذا هنالك!؟" فأجابت بكل تهذيب: "لا شيء!" أعدت السؤال وأعادت نفس الجواب...ثم رجوتها أن تتكلم خاصة أنني رأيت دمعة احتبست في عينها...فقالت: "اقرأ الاهداء المكتوب بخط اليد هنا...!" كانت الكلمات التي أحزنتها تفيد: " إلى زوجي الذي أحزنه فقدان مكتبته في الحرب [العالمية الثانية] أضع اللبنة الأولى في مكتبتك، حبي لك، زوجتك داجمار". منطلقا من تفكير أن تلك الصديقة في غاية الحساسية لم أقل شيئا قد يزعجها أكثر...أما هي فقالت بحزن: "لا أستطيع أن أقرأ في كتاب يحمل الشجن والأحزان! لا أستطيع أن إلا أن أحزن للحرب وويلاتها ولأحزان زوجين فقدا ما فقداه ثم شرعا في محاولة البداية من جديد! لا أستطيع أن أقرأ إلا وأنا أفكر عن سبب وجود هذا الكتاب حيث وجدتَه، هل ماتا وأولادهما لم يكترثا بحفظ التفاصيل المعنية بوالديهما...؟" وتابعت في الأسئلة التي لم أستطع التفاعل معها بنفس الطريقة التي هزتها...
أعادت الكتاب لي شاكرة أما أنا فاعتذرت أنني أحزنتها حين اعتزمت أن أبهجها!
كل مرة أتذكر ما حصل يصدح في رأسي صوت مظفر: "مو حزن لكن حزين...مثل صندوق العرس ينباع خردة عشق من تمضى السنين!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع