الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيدُ الكراهية

عصام علاء الدين الحلاق

2015 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الكراهية تكلّف أكثر من الحب، لأنّها إحساس غير طبيعي، إحساس عكسي مثل حركة الأجسام ضد جاذبية الأرض، تحتاج إلى قوةٍ إضافية وتستهلك وقوداً أكثر.
"مصطفى محمود"

-عيد الحبّ ( النشأة )

يعتبر عيد الحبّ "عيد العشّاق" مناسبةً يحتفل بها العالم في الرّابع عشر من شهر شباط من كلّ عام، وداخل البلدان الناطقة باللغة الإنجليزيّة على وجه الخصوص.
وفي العودة إلى تاريخ هذا العيد نجده يصادف عطلة الرّبيع عند الرومان القدماء "الوثنيين" والتي تعبر عن مفهوم الحبّ الإلهي من خلال تقديم القربان إلى الآلهة في هذه المناسبة.
كما ويصادف هذا اليوم عيد الحبّ في الديانة المسيحية نسبةً إلى القدّيسين "فالنتين" علماً أنّ حياتهما لا يوجد بها أيّة رومانسية.
وتقول الرّوايات أنّ القدّيس فالنتين كتب أوّل "بطاقة عيد حب" بنفسه لتنفيذ حكم الإعدام فيه، ويقال على الأغلب أنّه أحبّ ابنة السجّان التي كانت كفيفةً، وعمل على شفائها، وأرسل لها فالنتين رسالةً قصيرة ووقعها قائلاً لها: من المخلص لكِ فالنتين.
وقد تم تنفيذ حكم الإعدام في 14 شباط عام 269 بعد الميلاد، لذلك أطلق عليه لقب قدّيس، ومن يومها أصبح هذا اليوم مرتبطاً بمفهوم الحبّ والغرام والوفاء للقدّيس فالنتين وأصبح من الطقوس المعتادة تبادل الورود الحمراء والبطاقات التي تحمل صور "كيوبيد".
* * * * *
-عيد الحبّ ( في العالم العربي )

في البحث عن ردود الأفعال الرسمية تجاه هذه المناسبة في العالم العربي نجد أنّ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعوديّة قد منعت المحال التجارية من إيراز أي مظهر من مظاهر الاحتفاء بعيد الحبّ، ومن جهته أفتى الدكتور عبد العظيم المطفي "عصو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة وأستاذ الدراسات العليا في جامعة الأزهر" بالموافقة على الاحتفال بعيد الحبّ شرط ألا نعتقد أنها من شعائر الدين، ولا نقوم فيها بما يؤدي إلى ارتكاب الإثم.
كما وينقسم الرأي العام العربي بين مؤيد ومخالف لهذا العيد، حيث يعتبر البعض أنّه عادة وثنية ولا يجوز الاحتفال به، وهناك رأي آخر لا يختلف كثيراً عن سابقه إذ أنّه ينسبه إلى الديانة المسيحية وينفي علاقته بالمسلمين، أما الرأي المعتدل فيقلّل من أهمية تحديد يوم واحد في السنة للاحتفال بالحب.. متسائلاً عن باقي أيام السنة؟
تأتيه الإجابة سريعاً "علينا تكريم من نحب في هذا اليوم تقديراً لمحبته لنا على مدار السنة"!.
إنطلاقاً من النتيجة الأخيرة، ألا ينبغي علينا أن نتخذ يوماً نكرّم فيه الكراهية التي طغت وتغلّبت على الحبّ في حياتنا؟.
وليكن اسمه "عيد الكراهية" مثلاً.

* * * * *
-الكراهية ( البيئة الحاضنة )

المحبّة نعمة عظيمة وهبنا إيّاها الخالق، لذلك يفترض على الإنسان أن يولد محبّاً للحياة ولأخيه الإنسان، لكن ما هي الأسباب التي قد تجعل منه كائناً كارهاً للآخر؟
هناك العديد من المدارس والتيارات السياسية والدينية التي تروّج لفكر الكراهية في مجتمعاتنا العربيّة عبر منابرها التحريضيّة (فضائيات، مواقع الكترونية..الخ.) بحسب الدكتور عبد الحميد الأنصاري –بتصرف-:
1- التيار القومي (الناصري – البعثي):
يقوم فكر هذه التيار على اعتقاد جازم أنّ الغرب هو العدو الّذي عوّق نهضة العرب وبث التفرقة بينهم برسمه الحدود القُطريّة ودعمه لإسرائيل، الأخيرة التي جعل منها الشمّاعة التي يعلّق عليها جميع أخطائه.
أخطر ما في هذا الفكر أنّه يحتكر الوطنيّة ويتهم الآخر المختلف معه بالخيانة والعمالة.

2- تيار الإسلام السياسي:
يتفق مع التيار القومي في أبديّة الصراع مع الغرب،باعتباره العدو الدائم المتربّص والمتآمر على المسلمين، ولذلك فهو فكر اتهامي مسكون بهواجس التآمر العالمي ولا يكتفي بذلك بل يتهم كل الأنظمة العربية الحاكمة بأنّها صنيعة الغرب، ويسحب اتهامه على المثقفين والمفكرين من دعاة الإصلاح الديني والسياسي والتعليمي، فجميعهم عُملاء للغرب.
يشكّل هذا التيار توليفة متعصبة شديدة الخطورة، وهو تيار متلوّن يعمل بدهاء شديد.

3- التيار التكفيري الديني:
يمثل هذا التيار فكراً إقصائياً قمعياً دموياً، ويتهم الآخرين بالانحراف والضلالة، ويرى أنّ استخدام العنف وسيلة مشروعة في فرض الرأي السياسي والمفاهيم الدينية الخلافية.
أدى تلاقح هذه التيارات الثلاثة إلى إفراز ثقافة متعصبة متطرفة ضد الآخر المختلف وضد دعاة العقلانية والتحديث والمطالبين بتبني ثقافة المراجعة والنقد، فإذا كانا التياران السابقان (الإسلام السياسي والتكفيري) يحتكران الجنّة فإن التيار القومي يحتكر الوطن.

نجحت التيارات الثلاثة السابقة في نشر فكر الكراهية ونبذ كل أشكال الحبّ واحترام حق الإنسان في التعبير وفي الحياة..الخ. عن طريق أسلحتها (التكفير والتخوين).
لعلّ أول من تناول فكر الكراهية هو الدكتور راشد المبارك، وسأذكر هنا بعض ما جاء في مقالة له –بتصرف- عن فلسفة الكراهية "إنّ أكبر العوامل التي حُصدت بسببه نفوس، وأريقت دماء، هو عامل الكراهية على مدى التاريخ، وإنّ فرسان الكراهية لم يجدوا وقوداً أفعل، ولا سلاحاً أفتك من النار التي تُشعلها الكراهية، وتتغذى بها."
* * * * *
-ثقافة التسامح (التساهل الفكري)

يقول جون لوك في كتابه رساله في التسامح "لا فائدة في استعمال القوة لجعل الناس على الجادّة المستقيمة نحو النجاة. ذلك لأنه لا يمكن أيّ إكراه أن يجعل إنساناً يؤمن بضد ما يقتنع به على ضوء عقله واقتناعه".
وفي ظل ما تشهده المنطقة من حروب ومع تزايد معاناة المجتمعات العربية والإسلامية، لا بدّ من البحث عن حلول لمواجهة "فكر الكراهية" بأفكار مضادة له.
قد يكون التسامح هو الحل الأمثل، وكثيراً ما نردد "الإسلام دين التسامح" ونستذكر هنا خطاب الرسول الأكرم لأشد أعدائه عندما قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، لكن إذا كانت كل تلك المبادئ والقيم السامية حاضرة في تاريخ الإسلام والمسلمين فلماذا لا تجد طريقها بين المسلمين أنفسهم وفي علاقاتهم مع الآخرين؟.
ما ينبغي علينا معرفته هو أنّ التسامح ليس فطرة تولد مع الإنسان، فمن غير المعقول أن نجد شعباً متسامحاً، وشعباً غير متسامح، فالحل الوحيد لإنتاج التسامح هو الممارسة العملية له، فقد نجد إنساناً متسامحاً في هذه اللحظة وأقل تسامحاً في لحظة أخرى، وهذا ما أكد عليه المفكر البحريني جابر الأنصاري في مقالة بعنوان "أسوأ الأوضاع وأسمى المبادئ" بقوله:
" فإنه ما لم تكن البنية المجتمعية الشاملة ، والبيئة الاجتماعية – الحضارية – العامة تسمح بالتسامح وتشجع عليه وتعتبره وظيفة من وظائفها الأساسية ، وتقليداً متعارفاً عليه من تقاليدها الراسخه في التعامل وإدارة العلاقات بين الأفراد والجماعات ، فإنه لا يمكن أن يتحول إلى واقع وإلى تطبيق بالممارسة ، وسيبقى مثلاً أعلى معلقاً في السماء ، يحث عليه المفكرون والافراد المثاليون ولكن دون جدوى."
أخيراً، قبل أن نبحث عن الحلول لمعالجة قضية الكراهية، علينا الاعتراف بها في البداية ومن ثم إعلان مقاطعة كل ما يتنافى مع القيم والمبادئ العليا، والتركيز على كلّ القواسم المشتركة بين الأديان والمذاهب والشعوب دون محاولة تصيّد عثرات الآخرين، و هذه مهمة الإعلام في المقام الأول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال النائب الفرنسي الذي رفع العلم الفلسطيني في الجمعية


.. لا التحذيرات ولا القرارات ولا الاحتجاجات قادرة على وقف الهجو




.. تحديات وأمواج عاتية وأضرار.. شاهد ما حل بالرصيف العائم في غز


.. لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية تعقد اجتماعها الخام




.. إياد الفرا: الاعتبارات السياسية حاضرة في اجتياح رفح