الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلام لا يجلب الأرباح

محمود جرادات

2015 / 2 / 15
الارهاب, الحرب والسلام


في يوم 5 نوفمبر 1995 ، كنت وقتها لا أزال في في العاشرة من العمر ، ذهبت إلى المدرسة فوجدت الجميع فرحاً بما حدث في الليلة السابقة ، ليلة اغتيال إسحاق رابين ، حتى إن بعض المعلمات وزعن الحلوى ابتهاجاً بهذا الخبر . اغتيال رئيس وزراء اسرائيل ... ما أجمله من خبر !! فرحت بالتأكيد كما فرح الجميع ، في المدرسة و الشوارع و المنازل و المقاهي . عدت إلى المنزل ، كانت عائلتي في قمة الفرح أيضاً ، بادرت إلى سؤال أمي : من الذي اغتاله ؟؟ لا أدري لماذا نسيت أن اسأل هذا السؤال في المدرسة ، لكنني سألته لأمي حين عدت إلى المنزل ، ربما لأنني توقعت متيقناً أنه سيكون أحد أبطال المقاومة الفلسطينية ، و بالتالي فقد أجبت نفسي بنفسي ، لكن أمي قالت لي أن من اغتاله اسرائيلي . تبعثرت علامات الإستفهام في رأسي الصغير آنذاك : اسرائيلي يقتل رئيس وزراءه !!! فتحت التلفاز ، يومها لم نكن نملك ساتلايت ، كان التلفاز يبث قناة الأردن الأولى و الثانية و سوريا الأولى و الثانية و قناة اسرائيل الأولى ، فهمت يومها أن القاتل يهودي متطرف يدعى ايجال عامير ، قتل رابين لأن الله أمره بذلك ، ولماذا يطلب الله من هذه الشخص أن يقتل رابين ؟؟ لأنه اراد السلام مع الفلسطينيين ، و هذا ضد مصلحة اليهود،شعب الله المختار، حسب رأي عامير ، فاستل مسدسه و أطلق النار على رابين بينما كان يهم بالمغادرة بعد خطبة ألقاها أمام حشد من أفراد شعبه . لم أهتم كثيراً بالتفاصيل ، كنت أصغر بكثير من أن أفكر في هذا الموضوع بعقلانية و أقوم بتحليله ، المهم أنه قد تم اغتياله و هذا ما يجب أن يبقيني فرحاً لساعات طويلة ، لكن ليس بعد 20 عاماً .
قبل فترة قصيرة شاهدت فيلماً تم انتاجه عام 1991 ، اسمه JFK ، و لمن لا يعرف ماذا ترمز هذه الحروف ، فهي اختصار للإسم الثلاثي للرئيس الأميركي السابق جون فيتزجيرالد كينيدي ، الفيلم مبني على قصة حقيقية ، تتناول التحقيقات التي أجراها المدعي العام جيم غاريسون عام 1968 ، بعد اغتيال كينيدي بخمس سنوات ، دحض فيها التحقيقات السابقة التي تعمدت إخفاء الكثير من الحقائق ، و فتح ملف القضية من جديد ، و اسفرت تحقيقاته عن نتائج مذهلة يتورط فيها كبار من السياسيين على رأسهم نائب كينيدي و الذي أصبح الرئيس لاحقاً، ليندون جونسون، و القادة العسكريين و رجال الأعمال . ما الذي جعل كل هذه الشخصيات تتآمر ضد الرئيس ؟؟ لقد كان كينيدي متحفظاً عن الدخول في حرب فيتنام ، و كان متحفظاً على استعداء كوبا و فرض حصار اقتصادي على نظام كاسترو، الذي وصل إلى السلطة في ثورة حصلت قبل اغتيال كينيدي بسنوات قليلة ، و كان يعمل على ضرب عصابات المافيا و نشاطاتها خاصة تلك المتعلقة بتجارة المخدرات ، كل ذلك ينبغي أن يفسر تآمر الكثير ضد كينيدي الذي يهدد مصالحهم ، فهو كان يريد السلام قدر الإمكان ، و الآخرون يريدون الحروب ، السلام ليس مربحاً ، الحروب هي المربحة ، لكن إدانة كل هذه الرؤوس و المؤسسات بالأدلة القاطعة كان أصعب بكثير من ان يقوم فيه غاريسون ، فخسر القضية .
السلام ليس مربحاً، الحروب هي المربحة ، و كي تكون مربحة يجب إبقاؤها مشتعلة أطول فترة ممكنة ، و كم تكون مربحة إذا كانت في منطقة مثل الشرق الأوسط ، بكل ما فيه من الثروات ، و تعدد الأعراق و الأديان و المذاهب ، هذا كان السبب الرئيسي لزرع اسرائيل في هذه المنطقة ، واهمٌ من يظن أن اسرائيل قد قامت بسبب التوراة ، هذا السبب هو ما يقنعون فيه البسطاء الساذجين من اليهود ، أولئك الذين يؤمنون أن الله أعطاهم الحق في أرض الميعاد و أنهم شعب الله المختار، هذه هي الذريعة التي تم جلب اليهود من خلالها ، من كل بقاع العالم في بداية و منتصف القرن الفائت ، و هم الذين كانوا يعانون التمييز العرقي و الإضطهاد في كل مكان ، إنهم تماماً مثل البسطاء و الذج من المسلمين الذين تم إقناعهم أن سبب الجهل و التخلف الذي يمرون فيه هو بعدهم عن الدين و أن لا عزة لهم إلا بإقامة الحكم الإسلامي في كل بقاع الأرض ، فوجدوه منفذاً لهم من الفشل و الإحباط الذي عانوه طيلة قرونِ خلت . فكان من السهل جداً أن يهاجر أولئك السذ إلى فلسطين لإقامة دولتهم المنشودة .
لكن لا التوراة و لا التلمود و لا كل أديان و مذاهب العالم كانت السبب الحقيقي وراء ذلك ، لأن مصدر وجود هذا الكيان هو إشعال هذه المنطقة، كما أسلفنا، لأطول فترة ممكنة ، و ذلك سيضمن لمختلف القطاعات الرأسمالية العملاقة ، و حتى تلك الأصغر ، أن تنمي أرباحها من خلال السلحة و شركات المقاولات و النقل و الأغذية و الأدوية و المؤسسات الإعلامية ، و كان لهم ما أرادوا ، و تدفقت الأرباح و ازدادت، و لا زالت ، على جيوب أصحاب الشركات ، و كلما فترت النار أعادوا إشعالها ، و ما وجود الجماعات الإرهابية و ما يسمى الربيع العربي و هو أبعد ما يكون عن الربيع، سوى حلقة أخرى من حلقات إشعال المنطقة و إدامة الحرب فيها .
عودة غلى النقطة التي بدأت منها : ايجال عامير لم يكن سوى هارفي اوزوالد جديد ،هارفي أوزوالد هو الشاب الصغير الذي تم اتهامه بقتل الرئيس كينيدي و محاولة اختصار القضية من مؤامرة عملاقة إلى عملية إرهاب شخصية ، ايجال عامير هو من ضغط زناد المسدس ، لكن القضية كانت اكبر من ذلك بكثير، رابين كان يريد إنهاء الصراع و الوصول إلى حل سلمي يتضمن في نهايته إقامة دولة فلسطينية ، و كان مؤتمر مدريد و من بعده اوسلو بداية الطريق نحو ذلك ، و هو ما لا يناسب الأهداف التي سبق و ذكرتها ، فلما اقترب الحل تم التخلص من رابين و جاؤوا بنتنياهو اليميني الذي أفسد كل ما تم بناؤه سابقاً ، لكن نتنياهو لم ينل رضا الشعب فجاء ايهود باراك ، و الذي حاول (رغم أننا لا نختلف على صيته السيء الإجرامي) إعادة إحياء ما قتله نتنياهو ، و عقد مؤتمر كامب ديفيد و حاول الجميع فيه الوصول إلى حل نهائي، و رغم فشل المؤتمر لكنه كان محاولة ناجحة لإحياء السلام من جديد ، فلما وصل الأمر إلى ما وصل إليه ، جاء تاريخ الثامن عشر من سبتمبر لعام 2000 عندما دخل سيء الذكر ارييل شارون إلى المسجد الأقصى ، فكان ذلك سبباً في اندلاع الإنتفاضة الثانية ، فصقط باراك بعدها بأشهر و جاء شارون ليحل مكانه .
و لأن اسرائيل قد خسرت الكثير في تلك الإنتفاضة، فقد كان من الضروري تغيير الإستراتيجية التي تدار فيها الأمور ، و لتغييرها لا بد من ضرب المكون الفلسطيني ببعضه البعض ، فكان التخلص من عرفات و ياسين و الرنتيسي في عام واحد و من قبلهم أبو علي مصطفى تمهيداً لما سيحصل لاحقاً من ضرب الفصائل لبعضها، بعد أن تم إستحضار عباس و هنية و غيرهم إلى واجهة المشهد . و في نفس الفترة كانت تدار عملية إشعال أخرى في مكان ليس ببعيد ، الإحتلال الأميركي للعراق. و من بعدها فتحت أبواب جهنم للصراعات الدينية و المذهبية، و كان وقودها ، و لا زال ، الشعوب المسلمة المغرقة منذ قرون في تخلفها و جهلها ، و الذي يبدو أنه قد طال أمده أكثر من اللازم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟