الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحافة المدنية والصحافات الأخرى

عادل مرزوق الجمري

2005 / 9 / 15
الصحافة والاعلام


"الصحفيون يحتاجون إلى التحرر من فهم دورهم أنه وساطة بين السلطات السياسية وبين عامة الجمهور، إلى التفكير في أن دورهم أيضا مهمة فتح نقاش سياسي في مجتمع مدني.. قد يكون هذا هو الوقت الذي يقوم فيه الصحفيون بالانضمام إلى مجتمع مدني، وان يبدأوا في الحديث مع قرائهم ومشاهديهم كمواطن مع الآخر، بدلا من خبراء يدعون أنهم فوق السياسة"
دانيال هالين "صحافي أمريكي"

لابد من التنبه الى أن ثمة صحافات متنوعة، فإذا إفترضنا وجود صحافة مدنية في المجتمع المدني، فإنه إقرار ضمني بوجود صحافات أخرى مخالفة ومختلفة. هذه الصحافات تتمايز في إستراتيجياتها واهدافها، إلا أنها تبقى في حقيقتها بعيدة عن المدنية أو عن خدمة مصالح الإنسان المدني.
الصحافات الأخرى تعتمد على مفاهيم كلاسيكية وليدة الحراك المجتمعي إبان المعاناة الاولى للإنسانية مع السلطة بمفهومها الكلاسيكي بالطبع. قد تجد خطابا تأسيسيا للصحافة هو أشبه بالشعارات الحماسية والثورية، إلا انه إجرائيا خطاب ميت او مستلب أو حتى موظف بذكاء من قبل السلطة لخدمة مصلحتها وديمومتها، قد تكتب الصحافة في الظاهر ضد الدولة، إلا أنها تضمر نتائج أكثر خطورة من الدعاية المباشرة للدولة.
"الصحافة وظيفتها الإخبار وتحقيق حق المعرفة للإنسان" عبارات نحتت في الصخر، تكلست، تصنمت، وتصنم الصحافيون معها، أما الجمهور فهو قوالب جاهزة، وما علينا سوى أن نملأها أخبارا ونظريات. ما أجمل أن نعيد صياغة المفاهيم، بمعنى أن نعتقد أننا من يصنع الخبر وأننا من يصنع الجمهور، وبذلك نحدث طفرة في مفاهيم الصحافة، لكن هذا لا يكفي، سأحاول الزعم أن الطفرة الحقيقية هي أن المجتمع هو الذي " يصنع الحدث وهو من يصنع الصحافة حين تنقله وتبثه".
صحافة اليوم، صحافة السوق، بمعنى ما يطلبه السوق من تسلية، أو ما يريده المعلنون، فتكون صحافة معلنين ورأس مال متغير المزاج والرغبات، صحافة تحترم مؤسسة المال دون الإهتمام بخصائص رأس المال والاحتياجات الحقيقية التي يحاول صناعتها في سبيل نموه وبقاء قوته. هناك بالطبع صحافة الوصاية، خاصة لكتاب الأعمدة والمقالات التحليلية، وتقوم على أن يقدم الصحفيون المادة التي يعتقدون أن المواطنين يجب أن يحصلوا عليها لكي يصبحوا مشاركين مطلعين في الديمقراطية. وأخيراً صحافة الرأي الموبوءة بالادلجة وقيادة الشارع، الصحفيون فيها يقدمون للجمهور أخبار الحزب السياسي ورؤيته، أو كلاسيكيات صحافة السلطة التنفيذية "الدولة".
كانت التطلعات كبيرة في رواج "صحافة الجمهور" ، وهي منتج أمريكي أنتج منذ أواخر السبعينات، وبرز عام 1988 في تزامن مع الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ ألح الصحافي ديفيز ميريت تلك الفترة على عقد اتفاق جديد بين المرشحين والصحفيين الذين سوف يركزون على القضايا التي يهتم بها المواطنون، أكثر من المواضيع التي يهتم السياسيون بأن يتحدثوا عنها.
للصحافة المدنية كما أسلفت "صورة أمريكية"، واستمرت الإشتغالات الإعلامية الأمريكية حول صحافة الجمهور منذ 20 سنة ماضية، وقد لاقت تحليلات ومراجعات إيجابية عدة، وكذلك حظيت بنقودات هامة، كان أبرز النقودات التي نالتها صحافة الجمهور هو نقد مايكل شودسون في مقالته الشهيرة "حركة صحافة الجمهور وإشكالاتها"، إلا أن تبلور مفهوم أخير لصحافة الجمهور لم يتم حتى اليوم. المنتج الأمريكي لطالما عابته طوباوية طالها النقد فلم تكتمل.
تزعم الصحافة المدنية أنها تقدم نموذجا جديدا للكيفية التي يجب على الصحفيين أن يسهموا بها في عجلة الديموقراطية، إذ أن الصحافة التقليدية تفترض أن الديمقراطية هي قائمة بالفعل، وان المعلومات هي ما نحتاج إليه فقط، و " الصحافة المدنية" تعتقد أن العكس هو الصحيح، نحن نعيش في بحر من المعلومات، بينما الديمقراطية هي ما نحتاج إليه بالفعل. لذا تتسم ممارسة الصحافة المدنية بالرغبة الصادقة في تفعيل وتحديث وتطوير الديمقراطية، وليس فقط القيام بنقل الأحداث والتعليق عليها بآراء الصحفيين التي غالبا ما يعكف أصحابها على صبغها بألوان الحقيقة المُخلِصة والوعي الفوق سياسي.
الصحافة المدنية هي نموذج فريد، صحافة لا تعتمد على السوق، أو الأيديولوجيات، أو حتى الصحفيين أنفسهم، ليس من الضروري في الصحافة المدنية أن يتم إنتخاب رئيس التحرير من قبل أفراد الشعب، لكن المثير أن نحاول أن نجعل غرفة الأخبار مليئة بالأعراق المختلفة والتيارات المتباينة من الصحفيين، بوصفنا نقوم بتحول ديمقراطي في الممارسة الصحفية، الصحافة المدنية هي أولى الممارسات الديمقراطية لأي مجتمع. ليست العملية في خلق الصحافة المدنية مقيدة بالمفهوم المدني فحسب، إن تميزها يظهر في أنها مدنية تدخل في حقل يتسم بوجود المهنيين، مدنية مهنيين، لا مدنية جمهور إعتيادي، قد يعطيها هذا خصوصية معينة، قد تصعب، وقد تكون سهلة التكوثر.
"الصحافة المدنية" تلزم الصحافي أن يتحدث مع الجمهور، وأن يعرف الجمهور ويبحث عنه، وان يعرف ما يريد هذا الجمهور بالضبط، والجمهور ليس بوصفه الجمهور المتوقع الذي يختاره الصحافي ليدعي بذلك معرفته بالآراء خارج غرفة الأخبار، بل هو جمهور عشوائي، تختاره الصحيفة من الخارج دون تقصد وإختيار، وهذه الجزئية من أهم مقومات بناء الصحافي المدني. لذا تعكف الصحف الأمريكية على إلتقاء صحفييها مع عامة الناس في جلسات أسبوعية ودورية. في رغبة منها بأن تكون العلاقة بين الصحافة والجمهور حقيقة لا تنبؤ، او كهانة.
لابد للصحافي المدني أن يكسر القوالب والتقاليد الصحفية المهنية، أن يؤسس مفاهيم وأعمال أشبه بصراعات المجتمع الذي يعيش فيه، لأنه منه لا فوقه أو تحته، هو في خط متوازي معه تماما. قد تكون الصحافة المدنية تحتوي العديد مما يثير الإمتعاض، أو أنها كما يصفها محرر نيويورك تايمز "سامة لقيم الأخبار". لابد من كسر القوالب المغلقة للصحافة التقليدية، وجعل العملية أكثر إنسيابية في التحول نحو الصحافة المدنية. التقاليد الصحفية الكلاسيكية بحاجة إلى الهتك، وعملية الهتك هذه لا تنتظر تقاليدا جديدة بقدر ما هي تنتظر مدنية أكثر.
إن أبرز جزئية أدعي أنها ميزة هامة للصحافة في المجتمع المدني، هي أنها مفهوم نصنعه للمهنيين أنفسهم، بمعنى أننا لسنا بصدد المحاولة في تغيير الجمهور كما تسعى مؤسسات المجتمع التي تدعي المدنية، بل نحاول أن نخاطب الفئة المهنية ذاتها، ولسنا بذلك نقع في مطب المهنيين (النخبة) حين يمارسون صحافة الوصاية تجاه القراء. إلا أن أكثر زاوية تتصف بالضيق هي أننا ندعي ونزعم بأننا بهذا المفهوم نؤسس إلى الإعتقاد الجازم بأن الصحفيين المهنيين لديهم "قراءة واعية لمفهوم الديمقراطية" وكيفية تطبيقه بما ندعو له أو نسميه بالصحافة المدنية. الصحافي لن ينشر أو يعمل بديمقراطية إذا كانت ديمقراطيته المعرفية والفكرية والإعلامية منتقصه ففاقد الشيء لا يعطيه.
هناك ممانعة في التفكير تجاه ماهية الأسس التي يبني عليها الصحفي التقليدي قصصه الإخبارية، وفي وضع سياسات الأخبار، وتندر البحوث الأكاديمية في هذا الجانب بالتحديد، والصحافة المدنية تدعو إلى إعادة التفكير حول هذه السياسات والممارسات، نحن نسعى إلى مناقشة سلطة الصحافة، وندلل بأن للصحافة سلطتها الضبطية للمجتمع بأنها أحيانا تقوم بأدوار لا مهنية تقليدية ولو على استحياء. ما الذي يجعل جريدة "شارلوت أو بزيرفر" الأمريكية تعقد إجتماعات داخل المدن لمناقشة مشاكل الأعراق والعنصرية. ليس المقصود بالصحافة المدنية ممارسة الدور الإجتماعي، لكن القصد هو إيجاد البيئة الحوارية الديمقراطية لبناء ووجود هذا الحوار الديمقراطي، ليس عليها أن تقوم بالحوار الديمقراطي ولكن عليها أن تمهد له وتتبناه.
الصحافة المدنية تعطي الصحافة سلطة كبرى، هي على غرار مفهوم السلطة الرابعة الحالي، إلا أن سلطتها اليوم في العالم العربي نابعة عن إرتباطها بالسلطة السياسية أو برؤوس الأموال التي تدور في فلك السلطة، والسلطة التي نريدها لها سلطة تتحصلها من المجتمع المدني، لذا كلاهما سلطة، إلا أن السلطة التي نريدها لها هي سلطة عقدية لا مفروضة أو تابعة.
لكن من الذي أعطى الصحافيين المدنيين هذه السلطة، نستطيع أن نعطيهم حق السلطة عبر بحوث الرأي العام، وتمثيل القراء، والصحافة التحليلية، فهم يقيسون ويتعرفون على أراء الناس ثم يكونون سلطتهم بتمثيل هذه الآراء، هذه الصور أعطت الصحافة المدنية الحق في التدخل الإستراتيجي في صياغة برامج المرشحين السياسيين، الصحافة المدنية تنحو نحو تمثيل الجمهور رغما عن الساسة، أو هي قوة الضبط والضغط على الساسة، دون إنتخاب أو تفوض عقدي، وهذا ما أسماه الساسة الأمريكيون بـ "الخديعة".










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات