الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيها حاجة مش ولابد !

السيد نصر الدين السيد

2015 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


كان الوقت مساء الاحد 15 فبراير 2015 وكنت منهمكا في تصفح آخر اعداد مجلة "الأمريكي العلمي" Scientific American. وهي مجلة موجهة للمثقف الأمريكي العادي لإعلامه بأحدث إنجازات العلم والتكنولوجيا بأقلام أصحابها وبلغة بسيطة.

وهكذا كنت في حالة سياحة ذهنية كانت بدايتها جولة في "عقول النياندرتال". والنياندرتال هو أحد الأجناس البشرية التي ظهرت وعاشت في أوروبا وجنوب غرب آسيا منذ 250,000 سنة تم انقرضت منذ حوالي 45,000 سنة. ويحدثنا المقال عن الصفات الوراثية لأفراد هذ الجنس ولحياته اليومية. ثم كانت المحطة الثانية هي مقال بعنوان "هل يمكنا التنقيب في الثقوب السوداء". وهو مقال يتساءل فيه آدم براون، عالم الفيزياء النظرية بجامعة ستانفورد، عما يحدث للجنس البشري عندما تموت الشمس وتكف عن الاشعاع بعد عدة بلايين السنين؟ ويطرح براون تصوره، المبني على حقائق علمية، لتجاوز هذه الأزمة. ويأتي الحل على هيئة "الشادوف الكوني" الذي ينزح الطاقة من "الثقوب السوداء" ليستخدمها البشر. والثقوب السوداء هي أماكن في الكون تعيش على التهام النجوم. وتحدثنا المقالة الثالثة، "الساعات بداخلنا"، عن العديد من الساعات الجينية التي تنظم إيقاع كافة العمليات البيولوجية داخل جسم الانسان. ويشبه عمل الساعة الجينية في المخ عمل ساعة جامعة القاهرة. فهي الساعة المرجع التي تضبط إيقاع بقية الساعات. ويؤدي الخلل في التزامن بين هذه الساعات الى امراض مثل الاكتئاب والسكر.

وقبل استكمال السياحة والانتهاء من قراءة مقال "فقط أضف ذاكرة" الذي يعرض لبنية جديدة للكمبيوتر جاءتنا جريدة "اليوم السابع" بخبر أفسد علينا سياحتنا الذهنية. خبر مؤداه انه "في خطوة نحو استعادة الخطاب الديني الصحيح ... الأزهر يقرر عودة الكتاتيب ... المشروع يبدأ بـ 2000 كُتاب ... ويدرس جعله إلزامياً على الراغبين في الالتحاق بالأزهر ... وتكون مدة الدراسة سنتين قبل الابتدائية". وشعرت ساعتها بشعور من يسقط من قمة جبل شاهق الارتفاع الى أعماق هوة لا قرار لها. انها النقلة من عالم امة استشعرت بأن نظامها التعليمي ليس متقدما بدرجة كافية فطلبت من خبرائها وعلمائها دارسة الوضع فكان تقريرها الشهير "أمة في خطر: ضرورة اصلاح التعليم"، وأمة رأت أن نظامها التعليمي ليس متخلفا بالدرجة الكافية فكان هذا القرار.

ويدفعني الفضول للبحث عما كُتب عن الكتاتيب ويأتينا جوجل بالخبر اليقين. وها هي بعض الأمثلة. مقال بعنوان "الكتاتيب. مؤسسات تعليمية تحتاجها مصر"، نُشر في جريدة الاهرام (-;-)، يفتتحها كاتبها بعبارة تبريرية يقول فيها: "لا أحد ينكر دور الكتاتيب كمؤسسة تعليمية تخرج في جنباتها كثير من الأجيال، الذين حفظوا القرآن الكريم وتعلموا قواعد القراءة والكتابة، وتربوا على المبادئ والأخلاق الحميدة، ثم أصبحوا بعد ذلك قادة ومنابر وأصحاب فكر في المجتمع يشار إليهم بالبنان في مختلف التخصصات في قراءة القرآن بجميع رواياته، وأيضا في القضاء والطب والهندسة والأدب والثقافة والفن." وفي مقالة أخرى نُشرت في جريدة الشرق الأوسط بعنوان "الكتاتيب في مصر ... عتبة أساسية نحو المعرفة والتعرف على جماليات القرآن" (-;-). وهو عنوان يشي بمضمونها. كانت هذه بعض الأمثلة لبعض ما جاء عن الكتاتيب في صحف المفترض انها صحف مدنية. وهي في ترويجها لهذه المؤسسات التعليمية لا تختلف كثيرا عما يرد في المواقع الإسلامية. ففي أحد هذه المواقع (-;-) نجد مقالا عنوانه "دور الكـتاتيب في حفظ الهوية الثقافية لأبنائنا". ومرة أخرى يشي العنوان بالمضمون. وتستطرد الكاتبة قائلة "وتأتي أهمية الكتاتيب دون غيرها من المؤسسات التعليمية الأخرى كونها قائمة على تحفيظ القرآن الكريم بشكل جماعي يساعد على سرعة الحفظ والاستيعاب ويؤكد علماء التربية أن حفظ القرآن في المرحلة العمرية الصغيرة يظل ثابتا في الذاكرة ويقوّم منذ البداية اللسان العربي ويقوي مخارج الحروف".

وبهذه الأمثلة وغيرها تتضح الصورة وينكشف الهدف من الدعوة لإحياء منظومة التعليم هذه وهو "اصطياد عقول" أطفال الأمة، وهي ما زالت غضة، وتشكيلها وتهيئتها لقبول ما يمليه عليها القائمون على شئونهم. انها المنظومة التعليمية التي هدفها ترسيخ قيمة "الحفظ" في عقول طلابها لتجعلها عقول "ببغائية" لا تجيد الا ترديد النصوص. منظومة لا ترى في قيم التعلم العليا، مثل "الفهم" و"التطبيق" و"التحليل" و"التقييم" و"الخلق"، الا فجورا قد يخرج من يتبناها من الملة. وتكون النتيجة عقولا تكفر "التفكير" وتحض على "الإتباع" وتحرم "الابداع". لذا لم تكن مفاجأة أن تأتينا الأخبار، في نفس الأمسية، بقيام تنظيم داعش بذبح 21 مصريا ليكتمل المشهد. فهؤلاء ممن قاموا بعملية الذبح ليسوا الا نتاج لنظام تعليمي "كتاتيبي".

وفي الخلفية يتردد صوت ريهام عبد الحكيم "فيها حاجة حلوة" فتأبى الاذن الا أن تسمعها "فيها حاجة مش ولابد".

(-;-) http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=1548726&eid=7545
(-;-) http://archive.aawsat.com/details.asp?section=17&article=670949&issueno=12180#.VODlHfmUdJg
(-;-) http://www.almoslim.net/node/83277








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بودكاست تك كاست | شريحة دماغ NeuroPace تفوق نيورالينك و Sync


.. عبر الخريطة التفاعلية.. كتائب القسام تنفذ عملا عسكريا مركبا




.. القناة الـ14 الإسرائيلية: الهجمات الصاروخية على بئر السبع تع


.. برلمانية بريطانية تعارض تسليح بلادها إسرائيل




.. سقوط صواريخ على مستوطنة كريات شمونة أطلقت من جنوب لبنان